كان الوقت قد تجاوز العاشرة مساء الأربعاء 1/6 حين أتم الطعامي والغادر تفقد مكان خزانات الغاز بجوار سكن الرئيس لاختيار المكان الأنسب الذي سيضع فيه محمد عمر عبوتين من الأربع العبوات الناسفة التي تسلمها الطعامي من فضل ذيبان في سوق عنس وقام بإدخالها في سيارة الدورية إلى دار الرئاسة لتنفيذ خطة التفجير التي رسمها الدكتور لبيب مدهش، ودربهم على تنفيذها فضل ذيبان. خرج الغادر بعدها من دار الرئاسة كما اعتاد الخروج في الأيام الأخيرة متحججاً تارة بأن عاقل الحارة اتصل به يخبره بوصول الغاز وتارة بأنه يريد أن يعمل ساعتين على سيارة الأجرة التي لا يعلم زملاؤه من أين حصل عليها، وبحسب الفاتورة التفصيلية لهاتف الغادر رقم (770131347) فإنه اتصل الساعة 23,21 من ليلة الأربعاء، تلك وكان موقعه وقت الاتصال هو الجهة الجنوبية الشرقية من معسكر الفرقة الأولى مدرع، ثم عاد متأخراً إلى مسجد دار الرئاسة كان الغادر قد أخذ زوجته إلى عمران يوم الأربعاء استعداداً للعملية، حيث عرفت في تلك الرحلة من هو أبو عبدالرحمن أو الأستاذ محمد الذي اشترى لزوجها تلفوناً خاصاً بمكالماته معه، فأثناء مرورهم بشارع الستين أوقفوا عند حاجز أمني تابع للفرقة ومنعوا من المرور ثم جاء أحد الحراسة في النقطة يرتدي الزي العسكري للفرقة وقال لزوجها أهلاً يا أخ محمد وركب معهم حتى جسر مذبح، ونزل وهو يقول للغادر مع السلامة يا أخ محمد، إذا أوقفك أحد أو سألك قل له أنك من طرف محمد علوان. يوم الخميس أصبح الغادر ومحمد عمر صائمين ليتجنبا الاختلاط بزملائهما قدر الإمكان، أما الملازم الطعامي فقد قام بتثبيت الصواعق والتلفونات التي أعدها فضل ذيبان وجهزها ودربه على ربط أسلاكها بأسلاك صواعق التفجير وبعد الظهر اتصل بمحمد عمر وطلب منه أن يأتي إلى غرفته، وهناك سلّمه عبوتين وزن كل واحدة منهما 600جم في كل منها 6 قوالب TNT ليقوم بوضعها عند خزانات الغاز بحسب الخطة التي رسمها لهم الدكتور لبيب مدهش، كما أعطاه أيضاً مفتاح غرفته ليأخذ العبوتين الأخريين اللتين تزن كل واحدة منهما 2200 جم، حيث تحتوي كل واحدة على 9 قوالب TNT اثنان من القوالب وزن كل منها 400 جم والسبعة الأخرى زنة كل قالب منها 200 جم ويسلم العبوتين إلى محمد الغادر الذي سيضعها في المسجد حسب الخطة. تردد الغادر مرتين على مكتب التوجيه يسأل عن الخضمي، ثم ذهب إلى المسجد وظل نائماً في الجهة الغربية منه منتظراً للعبوات حتى دخل العقيد عبدالله المحمدي ومعه مجموعة من الأفراد والضباط وقت صلاة العصر، وأيقظه ليؤذن لصلاة العصر، فقام الغادر وأذن ثم خرج بعد العصر بحجة أن عاقل الحارة اتصل به وطلب منه أن يأتي ليأخذ حصته من الغاز، ووقت المغرب عاد إلى المسجد وتسلّم من محمد عمر العبوتين الناسفتين لوضعهما في المسجد، أفطر الصائمون من منفذي الجريمة والمتمالئين الغادر ومحمد عمر ومحمد سنيد ومحمد الوزير، وكذلك صالح الرعوي واستمعوا لمحاضرة بين مغرب وعشاء، ثم ذهبوا لتناول العشاء في الساعة الثامنة والنصف في مكتب التوجيه، وقال ركن التوجيه عبدالرزاق الخضمي لمحمد الغادر غداً جمعة اهتموا بالمسجد فقام الغادر وتوجه إلى المسجد قائلاً إنه ذاهب لتنظيفه، وهناك وضع إحدى العبوات في الجانب الغربي من المنبر الذي اعتاد رئيس الجمهورية الجلوس والصلاة على بعد 1,5 متر منه والأخرى عند الباب الغربي للمسجد. في الساعة التاسعة مساء كان الغادر قد انتهى من وضع العبوات فتوجه إلى الصالة الرياضية ليعطي مفتاح المنبر والميكرفون لعادل محمد حاتم زميله في دورة تحفيظ القرآن في جامع الصالح، طالباً منه أن يسلمه لزميله علي الشعلي لأنه سيسافر إلى البلاد لزيارة والده، فقد بلغه أن حجراً سقط فوقه، مضيفاً أنه إذا لم يحضر الشعلي فليسلم المفتاح للحاج صالح القدح أو الجندي محمد سنيد. خرج الغادر من دار الرئاسة إلى غير عودة، حين كان محمد عمر يتسلل إلى منطقة خزانات الغاز بجوار السكن الخاص برئيس الجمهورية ليضع هناك العبوتين الناسفتين اللتين استلمهما من الطعامي، وكلفه لبيب مدهش بوضعهما هناك في ذات الوقت غير بعيد، وفي منزل مذحج الأحمر غرب دار الرئاسة كان محمد علوان يتصفح الكمبيوتر المحمول خاصته، ويملي من موقع جوجل إرث علي عبدالملك الصعدي إحداثيات (مبنى دار الرئاسة، مسجد دار الرئاسة، معسكر النهدين (الثالث حرس)، منصة السبعين، الأمن المركزي) ليتولى الصعدي وزن المدافع وتجهيز المجاميع المسلحة الموجودة في منزل مذحج الأحمر وحميد الأحمر ومنزل علي محسن وتبة محمد علي محسن لقصف تلك المواقع وقت صلاة الجمعة بالتزامن مع تفجير دار الرئاسة. ترك محمد علوان الإحداثيات للصعدي ليضبط عليها المدافع في المواقع الأربعة للميليشيا وخرج عائداً إلى مقر الفرقة ليجري فيها آخر اتصالاته من الرقم (773170219) الذي كان يستخدمه في الاتصالات الخاصة بالخلية، وذلك الساعة 12,43 مساءً. لم تنم العاصمة ليلتها من دوي الانفجارات والمواجهات في الحصبة باستثناء فضل ذيبان فقد جنح للنوم على غير عادته قائلاً لابن أخته شعيب البعجري لدينا عمل مهم في الصباح. الجمعة 3/6 أشرق صباح الجمعة والمدفعية في منزل مذحج وحميد الأحمر وعلي محسن وتبة محمد علي محسن معدَّة على أهدافها والقذائف مجهزة، والجميع مستعدون ينتظرون التوجيهات القشيبي لقائدهم مذحج الأحمر، أنا في دار الرئاسة في المنبر والباب الغربي لمسجد الرئاسة وجوار خزانات الغاز تنتظر جميعها اتصالاً من الطعامي على الرقمين اللذين أرسلهما له الدكتور لبيب مدهش مع محمد عمر، خرج فضل ذيبان مبكراً مع ابن أخته شعيب البعجري وتوجها إلى شارع تعز، حيث نزل إلى محل صرافة وبيده عشرة آلاف دولار أرسلها وعاد إلى السيارة، فاتصل به الطعامي من ميدان السبعين حيث كانت خدمته وطلب منه المجيء إليه، فتوجه ذيبان إلى السبعين وهناك نزل طالباً من ابن أخته أن يأخذ السيارة إلى البيت وينتظره على الغداء. فوجئ فضل ذيبان بالطعامي يقدم له التلفون الذي أرسله إليه الدكتور لبيب مدهش وأرقام الشرائح المثبتة على العبوات، معتذراً بأنه لا يستطيع أن يتصل لتفجير العبوات فأخذ فضل ذيبان التلفون قائلاً إنه سيتولى الأمر بنفسه وأعطى الطعامي تلفوناً آخر ليتصل به إلى زملائه داخل دار الرئاسة ليحددوا له موعد إقامة الصلاة، حاول الطعامي أن يجد من يحدد لهم وقت الإقامة دون طائل، فاتجه الاثنان ذيبان والطعامي إلى محمد عمر الذي كان يخدم في السبعين أيضاً وطلبا منه العودة إلى دار الرئاسة ليتولى إخبارهم بأوقات الصلاة لكنه اعتذر بأنه في واجب ولا يستطيع العودة إلى المعسكر والقيام بذلك اتصل ذيبان بالدكتور لبيب مدهش وبعد ذلك اتصل بابن أخته شعيب البعجري وطلب منه إحضار السيارة إلى السبعين ومن ثم صعد معه وأعاده إلى المنزل وتوجه هو بالسيارة إلى منزل إبراهيم الحمادي في الصافية وفي السيارة طلب منه الاتصال بأحد من خليته ليجد من يخبرهم بموعد إقامة الصلاة فاتصل إبراهيم الحمادي بعبدالرحمن الوشاح وقال له فضل نريد نعرف متى الإقامة؟ فيما كان الناس في المساجد يستمعون الخطبة في انتظار إقامة صلاة أول جمعة من رجب الحرام كان فضل ذيبان ومعه إبراهيم الحمادي في السيارة يتجولان بين شارع تعز والستين والأزقة بينهما يتبادلان مع لبيب مدهش ومحمد علوان وحميد الأفجم وشعيب البعجري وعبدالله محرم أكثر من ثلاثين اتصالاً لقتل رئيس الجمهورية وكبار قادة الدولة ومعهم مئات المصلين في مسجد دار الرئاسة في الساعة 12,40 اتصل عبدالرحمن الوشاح يخبرهم بإقامة الصلاة في مسجد الرئاسة قام الناس إلى صلاتهم وقرأ الإمام فاتحة الكتاب، وحين شرع في تلاوة سورة الفتح رفع فضل ذيبان واحداً من التلفونات الخمسة التي يحملها في سيارته اتصل على الرقم انتظر قليلاً انقطع الاتصال.. دوى الانفجار وتناثر منبر مسجد الرئاسة شظايا اندفعت مع النار والضغط ممزقة ومحرقة كل ما هو أمامها.. تطايرت الأجساد والأشلاء وقلعت نوافذ المسجد وألقيت في الصوح مع أحجار بؤرة الانفجار في الجدار الشمالي، امتلأ المكان برائحة الدخان والبارود ورائحة الأجساد المحترقة. استشهد 7 ضباط وصف فوراً وأصيب 201 من المصلين بينهم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ونائبه ورئيس مجلس الشورى ورئيس مجلس النواب ومحافظ صنعاء ونائب رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر ووكيل وزارة الأوقاف، تحامل القادرون من أصحاب الإصابات وهرع جنود الحماية والضباط ومعهم ذوو الإصابات الخفيفة إلى الداخل لإخراج جثث الشهداء والمغمى عليهم والعاجزين عن الحركة من الجرحى، وإخراجهم من هذا الجحيم الذي لم يخطر في بال أحد أن يندلع في بيت الله. رفع فضل ذيبان الهاتف الآخر اتصل على الرقم انتظر قليلاً انقطع الاتصال دوى الانفجار الثاني عند خزانات الغاز المجاورة لعنابر سكن الكتيبة الأولى مرافقة الملاصقة للسكن الخاص لرئيس الجمهورية، لم تنفجر خزانات الغاز ولم يصب أحد لأن الجميع كانوا ينقذون ضحايا الانفجار الأول. رفع فضل ذيبان الهاتف الثالث اتصل أخبره عبدالرحمن الوشاح بالتفجيرات فرد قائلاً "الحمدلله.. شكراً".. ثم غادر السبعين ليوصل الحمادي إلى منزله في الصافية بعد عشر دقائق اتصل حميد القشيبي بمذحج الأحمر فخرج ممسكاً بهاتفه في مجموعة المدفعية في منزله، اضربوا بالمدافع ونزل البدروم للاتصال بالبقية فقام عبدالملك الصعدي إلى المدفع عيار 120 وضرب بقذيفتين وتحول إلى المدفع عيار 80 ليضرب به وتوجه رصاص إلى المدفع 120 وضرب به بعض القذائف ثم أصيب عن طريق الخطأ في تركيب إحدى القذائف فخلفه عبدالرحمن الرباصي وضرب بعض القذائف وأصيب كسابقه فحملهما حجاب وهبان وحسن الثلايا إلى البدروم، حيث كان مذحج الأحمر يتصل ب"الفندم" يسأله عن الضرب والأهداف فطلب منه تغيير الاتجاه، سلم مذحج الهاتف إلى محمد علوان ليتلقى الإحداثيات وطلب هو من حجاب والثلايا إسعاف الرباصي ورصاص على سيارته الحبة الطربال، حيث تم إلقاء القبض عليهم ثم اتصل محمد علوان بواحد في مجموعات المدفعية وطلب منه إيقاف الضرب وتحويل المدفع باتجاه اليمين سقطت القذائف بأماكن مختلفة داخل دار الرئاسة استهدفت محطة الوقود ومخازن الأسلحة التابعة للواء الثالث على النحو التالي: . القذيفة (1) السور الحجري الواقع على بعد 2م غرب محطة الوقود. . القذيفة (2) على بعد 26,5م شمال محطة الوقود. . القذيفة (3) على حافة الإسفلت باتجاه المزارع على بعد 26,25م شمال شرق محطة الوقود. . القذيفة (4) جنوب محطة الوقود على بعد 15,80م من القذيفة رقم (3). . القذيفة (5) جنوب شرق محطة الوقود على بعد 85,38م من القذيفة رقم (3). . القذيفة (6) جنوب شرق محطة الوقود على بعد 88,87م من القذيفة رقم (3). . القذيفة (7) جنوب شرق محطة الوقود على بعد 98,50م من القذيفة رقم (3). . القذيفة (8) وقعت على بعد 19م غرب مخزن أسلحة رقم (1) التابع للواء الثالث. . القذيفة (9) وقعت على بعد 49م غرب المخزن رقم (1). . القذيفة (10) وقعت على بعد 40م شمال شرق المخزن رقم (1). . القذيفة (11) وقعت على مستوى سطح الأرض بشكل محاذي لنافذة التهوية البدروم الخاص بالمخزن رقم (1) استقرت مؤخرة القذيفة بداخل البدروم. . القذيفة (12) الجهة الغربية للمخزن رقم (1) على بعد 10م من بوابة المخزن. نتج عن القصف بقذائف الهاون استشهاد شخصين وإصابة (7) آخرين. بالإضافة إلى تحطم بعض جدران ونوافذ عنابر ومخازن اللواء الثالث. ردت قوات الحرس على مصادر القصف المدفعي وأوقفت تدفق القذائف، في الوقت الذي كان فيه مستوصف دار الرئاسة ومستشفيات 48 والعرضي والعسكري والشرطة والثورة تستقبل 9 شهداء و208 مصابين من ضحايا التفجير، كان فضل ذيبان الذي أوصل إبراهيم الحمادي إلى منزله في الصافية في طريقه إلى منزل شعيب البعجري يتصل بالدكتور لبيب مدهش مبشراً وفور دخوله المنزل طلب من ابن أخته أن يفتح قناة الجزيرة التي كانت تبث حينها تكبير خطيب الإصلاح في الستين وهو يزف إلى المصلين بشارة الجريمة. لم يسمع الناس في تكبير خطيب الستين على شاشة الجزيرة وسهيل غير نفير حرب ضروس، ولم يرو غير أنهار الدم تتدفق في كل شبر من اليمن بمزيج من الدهشة والغضب والرعب، وفغر اليمنيون أفواهم وأصاغوا أسماعهم ووضعوا الأيدي على قلوبهم وهم يتلقون خبر هذه الجريمة التي انتهكت حرمات دينهم ومعظمات أعرافهم، وفتحت أبواب الجحيم على مصراعيها في وجه بلدهم ومستقبلهم واثقين أن دوي القصف المدفعي ولعلعة الرصاص في سماء العاصمة عقب التفجيرات لن تتوقف وستستمر حتى تأتي على الأخضر واليابس، فجريمة بهذا الحجم والشناعة لا بد أن يكون ثمنها باهضاً وباهضاً جداً. ما هي ردة فعل المؤسسة العسكرية والأمنية على استهداف رئيس الجمهورية وكبار قادتها؟ وما هي ردة فعل قبائل الضحايا وعشائرها؟ لكنهم فوجئوا بالبركان يهدأ والنار التي اشتعلت تخبو، وسمعوا رئيس الجمهورية في خطاب مسجل يطمئن الناس ويأمر قادة الجيش من أسرته بضبط النفس والالتزام بأوامر نائب الرئيس، محملاً إياه مسئولية الحفاظ على اليمن. أدان كل ذي دين وعقل وقيم هذه الجريمة في الداخل، وأدانها الخارج ووصفها بالجريمة الإرهابية، واتفقوا على أن تصرف رئيس الدولة ذلك جنب البلاد الحرب والدمار، وباستثناء مرتكب الجريمة والمحرض والمتمالئ اتفق الناس على أقل ما يمكن القبول به وهو أن يقدم المجرمون إلى محاكمة عادلة وينالوا جزاءهم وفقاً للقانون. فما الذي حدث؟ 1- لم يتم استيفاء محاضر جمع الاستدلالات والكثير من الأسماء التي وردت في محاضر جمع الاستدلالات المرتبطة بالجريمة. 2- عشرات المتهمين الرئيسيين والمنفذين المباشرين والمحرضين والمتمالئين من الشخصيات الحقيقية والاعتبارية لم يلق القبض عليهم، لم تباشر النيابة المختصة التحقيق مع المحبوسين على ذمة القضية ولم يقدموا إلى المحاكمة. 3- الإفراج عن أغلب المحبوسين على ذمة القضية دون محاكمة.
والسؤال هو: لماذا؟ ووفق ماذا؟ أي شرع، أي قانون، أي عرف، أي خلق، أي عمل، أي سياسة، وحتى أية أسطورة تقول إن تفجير عبوة ناسفة في دار عبادة وقتل إنسان وجرح آخرين أمر لا يعاقب عليه القانون؟