** تقديم : يعد الحوار نشاطا عقليا ، ولفظيا بين المتحاورين ، يستهدف الوصول إلى إتفاق فيما بينهم بصفة عامة ، أو بغية حل مشكلة معينة ، أو توضيح قضية ما . * الحوار في اللغة : - الحوار من حاور يحاور محاورة ، وقد ورد في تاج العروس أن الحوار يعني تراجع الكلام ، كما أنه ورد في لسان العرب لابن منظور تحت الجذر " حور " وهم يتحاورون أي : يتراجعون الكلام . والمحاورة : مراجعة المنطق ، والكلام في المخاطبة ، وقد حاوره . والمَحُورَةُ : من المُحاوَرةِ مصدر كالمَشُورَةِ من المشاورة كالمَحْوَرَةِ ، وأنشد يقول : لِحاجَةِ ذي بَتٍّ ومَحْوَرَةٍ له كَفَى رَجْعُها من قِصَّةِ المُتَكَلِّمِ - إذا الحوار في اللغة ، هو الرجوع عن الشيىء ، والارتداد عنه ، وحار عن الأمر بمعنى رجع عنه ، أو إليه " . * الحوار في الاصطلاح : - وهو يعنى مراجعة الكلام ، وتداوله ، بين طرفين ، لمعالجة قضية من قضايا الفكر ، والعلم ، والمعرفة بأسلوب متكافىء يغلب عليه طابع الهدوء ، والبعد عن الخصومة . * ثقافة الحوار : - وهى تستند على ثقافة المتحاورين ، وهذا يعني ، تمكن المحاور ، وغنائه الفكري ، ومعرفته الواسعة بآداب الحوار ، وأساليب وطرائق إقناع الآخرين ، وهي كذلك مجموعة من المعارف المكتسبة التى تسمح بتنمية الحوار ، والنقد ، والمقدرة على الحكم على الناس في الأمور والأشياء . وهى القدر اللفظي ، الذي يتم من خلاله تداول الأفكار ، وتقارب وجهات النظر ، والتعبير عن الرأي ، وتبادل الخبرات ، وتنمية التفكير ، وتفعيل طرائق الإتصال . * آداب الحوار وضوابطه : - للحوار آداب جمة ، يجب على كافة أطرافه التحلى بها والتزامها ، حتى لا يتحول الكلام إلى مراء ، أو جدال لا طائل من ورائه ، ومن أهم آداب الحوار : - النية الصادقة ، حيث يجب أن تكون نية المتحاورين نقية ليكون الحوار هادفا وبناء . - عدم استعراض القدرات والتقليل من شأن الآخرين ، بمعنى احترام آراء الآخرين دون فرض قدرة أحد في الحوار على الآخر . - حسن الخلق في التعامل ، وعدم البوح بالألفاظ المسيئة التي قد تجرح شعور الأطراف الأخرى محل الحوار . - أن يكون كافة الأطراف ، على علم تام بموضوع الحوار . - أن يكون لدى كافة أطراف الحوار ، الجرأة ، والشجاعة ، على الاعتراف بالخطأ ، في حال مخالفة الصواب . - أن يتأدب كل طرف مع الآخر ، باختيار الألفاظ المناسبة ، التي يرتضي المحاور أن يسمعها من غيره . - أن يحترم كل طرف ، عقيدة الطرف الآخر ، ومبادئه ، وأن يراعي نفسيته . - أن يكون الدافع الرئيس لدى جميع أطراف الحوار إصابة الحقيقة ، وبالتالى الوصول إلى الصواب والحق . - البعد عن الغضب وأسبابه ، مع الحرص على الإعتدال حتى ينتهي الحوار . - أن يكون لدى كافة الأطراف ، القدرة على التعبير . - المرونة في الحوار ، وعدم التشنج . - الإصغاء للطرف الآخر ، والاستفادة من طرحه ، وكبح جماح النفس عند الرغبة في الجدال ، والعرب تقول : رأس الأدب كله الفهم ، والتفهم ، والإصغاء إلى المتكلم ، والغرض الأساسى من ذلك هو اكتساب صفة الحلم . * أهمية الحوار وفوائده : للحوار فوائد عديدة من أهمها : - أنه يتم من خلاله تبادل الأفكار بين الناس ، وتتفاعل فيه الخبرات . - أنه يساعد على تنمية التفكير ، وصقل شخصية الفرد ، وتنشيط الذهن . - أنه يساعد فى التخلص من الأفكار الخاطئة ، وتوليد أفكار جديدة . - أنه يساعد على الوصول إلى الحقيقة المرجوة . - أنه يسهم فى إنشاء نقطة تواصل جيدة بين الأفراد ، وإدارة الاختلاف وتوجيهه بطريقةٍ جيدة ، وبالتالي فهو وسيلة للوصول إلى الذكاء والقوة المنسقة لمجموعة من الناس ، عوضًا عن تفرقهم . - كما أنه وسيلة جيدة لإنشاء الأفكار ، والآراء ، والمشاعر ، والاستماع إليها ، وتحسين العلاقات والصلات بين الناس على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ، وتسهيل تعرفهم على بعضهم البعض ، واستفادتهم من بعضهم البعض أيضا ، فبدون الحوار سيواجه الناس صعوبة في بناء الدوائر الاجتماعية ، أو بدء أعمالهم التجارية ، أو تطوير حياتهم المهنية . * الحوار فى الإسلام : - إن الحوار صيغة من صيغ الحياة التي يتم التعايش معها يوميا ، بين جميع الأطراف ، وله آداب وخصائص يجب توافرها لنجاحه ، وقد حث الإسلام على آداب الحديث ، وآداب الحوار في العديد من النصوص القرآنية ، وهناك أيضا ، سنن نبوية عديدة علمتنا آداب الحوار . * الحوار في القرآن الكريم : - وردت مادة حوار ومشتقاتها ومترادفاتها " جادل ، وحاج " ، وما هو فى حكمها مرات عديدة في القرآن الكريم ، الذى يقوم منهجه على الحوار ، لأنه يخاطب العقل والفطرة السليمة التى فطر الله الناس عليها ، فمنهج الإسلام يحترم العقل ويجله ، ويجعله مناط الإيمان والتكليف . ويذكر لنا القرآن صورا من الحوار ، مثل : - حوار الله تعالى مع الملائكة : وذلك في قوله تعالى : " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ " . - وكذلك الحوار بين الله تعالى ، وإبليس : فقد قال تعالى : " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ، قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ " . - حوار الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم : ففي حوار نبي الله موسى مع قومه ، قال تعالى : " وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ " . - حوار أهل الجنة ، وأهل النار : قال تعالى : " وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " . * الحوار في السنة النبوية الشريفة : تقدم لنا السنة المطهرة ، صورا رائعة من منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوار ، نذكر منها على سبيل المثال : حواره صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام ، أبي طالب ، قريش ، وفد من أهل الحبشة ، نصارى نجران ، أهل الطائف ، شاب يطلب رخصة بالزنا ، حواره مع إبليس ، حواره مع عبدالله بن سلام اليهودي . * مجالات الحوار : هناك مجالات عديدة للحوار نذكر منها : الحوار الديني ، الحوار السياسى ، الحوار الوطنى ، الحوار الأمني ، الحوار العلمى ، الحوار الأدبى ، الحوار الفلسفى ، وغيرها . * من صور الحوار : - الحوار السياسى : هو عملية تتم بين عدة أطراف لمناقشة قضية سياسية ما ، قد تكون محل تباين واختلاف ، وتبادل الآراء بشأنها ، وصولا إلى حالة من التوافق بين الاتجاهات المختلفة حولها . - و هناك عدة مرتكزات أساسية يجب أن يقوم عليها الحوار السياسى ، هى : - أنه عملية دائمة يمكن اللجوء إليها في أي وقت ، وليس مرحلة تتم وتنتهي ، بل هي آلية مستمرة بسبب استمرار النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها ، بمعنى أنه إذا ما تم التوافق على إجراء سياسي معين ، فإن هذا الإجراء الذي تم بالحوار سيستمر باعتباره نتيجة لهذا الحوار . - إن هذا الحوار يتم بين عدة أطراف ، مما يعنى أنه لا يمكن أن يتم بين طرف واحد . وهذه الحقيقة تدفعنا للحديث قليلاً عن مستويات أطراف الحوار ، والتي تشمل : الحوار بين الأفراد والأفراد ، أو الحوار بين الأفراد والمؤسسات ، أو الحوار بين المؤسسات ونظيراتها من المؤسسات . وبغض النظر عن مستويات أطراف الحوار ، فإن المرتكز الأساس هنا هو ضرورة وجود عدة أطراف تحمل وجهات نظر وآراء متباينة . - التباين والاختلاف ، والمقصود به كمرتكز من مرتكزات الحوار السياسي وجود فروق في الآراء ووجهات النظر بين أطراف الحوار تجاه القضايا السياسية محل النقاش . وعليه فإنه ليس منطقياً أن يكون الحوار بين عدة أطراف ليس بينها اختلافات تجاه تلك القضايا ، فالتباين والاختلاف ضرورة من ضرورات الحوار . - الوصول إلى حالة التوافق ، وهي الحالة التي تمثل مخرجات الحوار ، بحيث يكون هناك اتفاقاً عاماً حول القضايا محل النقاش السياسي . هذه النقطة تتطلب طرح الفرق بين الحوار والمفاوضات ، ففي المفاوضات غالباً ما تكون هناك أطرافاً خاسرة وأخرى رابحة لأن هناك طرف واحد يقدم التنازلات لإحداث حالة الاتفاق . في حين أن الحوار لا يكون فيه طرف خاسر ، بل تتم العملية بنقاش موسع بين كافة الأطراف ، ويتم التوافق على حالة توفيقية بين الآراء المتعددة ، بحيث يقدم كل طرف حداً معيناً من التنازل في موقفه ورأيه السياسي سعياً للوصول إلى حالة التوافق . وبالتالي فإن المفاوضات تنتهي بالاتفاق ، أما الحوار فينتهي بالتوافق . - إن الحوار السياسي ليس له شكل معين ، بل هناك العديد من الممارسات والطرق التي يمكن أن يتم من خلالها ، فقد يكون في شكل اجتماعات تشارك فيها كافة الأطراف ، وقد يكون في شكل اجتماعات ثنائية ، وقد يكون أسلوباً مزدوجاً ومشتركاً بين هذين النمطين . فضلاً عن العديد من الأساليب والطرق التي يمكن أن يتم الحوار عبرها ، ولكل أسلوب إيجابياته وسلبياته بالطبع . - كذلك ، يرتبط الحوار السياسي بمفهوم آخر مهم ؛ وهو التواصل مع الآخر الذي يقصد به ضرورة أن يكون هناك اتصالات وعلاقات تواصل طبيعية بين مختلف الأطراف ، سواء كانت أفراد أو مؤسسات . والتواصل المطلوب هنا هو التواصل الذي يتم مع الاختلاف والتباين في الآراء والمواقف السياسية تجاه مختلف القضايا . ويقوم هذا المفهوم على مبدأ ضرورة الاختلاف ، وضرورة الاتفاق . - وبناء عليه ، فإن الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يكون عائقاً وحاجزاً يمنع كافة الأطراف من التواصل مع بعضها البعض ، وإن كانت درجة الاختلاف كبيرة . فحالة عدم التواصل هي التي تؤدي إلى تعقيد الأوضاع السياسية أكثر فأكثر ، وعلى العكس ، فإن حالة التواصل تتطلب قدرة معقولة من إمكانية الاستماع إلى الآخر وإبداء وجهات النظر حول موقفه وآرائه مهما كانت درجة التعارض والاختلاف في الرأي قائمة . - إن الحوار السياسي والتواصل مع الآخر يعد ثقافة وأسلوب حياة ينبغي أن يتمتع به الفرد في أي مجتمع ديمقراطي . - الحوار الديني : من الأمور الهامة في الحياة والتي قد تصلح أو تفسد حال المجتمع ، وهو الحوار الديني ، حيث إن الخلفية الدينية في المجتمعات من الأمور الهامة التي تهدي المجتمع أو تسوقه إلى الضلال ، ولخصائص الحوار الديني بعض النقاط ، هي : - يجب على رجال الدين أن يكون لديهم القدرة على قيادة الحوار ، حتى يتم التحكم في طريق الحوار واتجاهه . - يجب عليهم أيضا ، الإتيان بالأدلة والبراهين من الكتب السماوية المقدسة وذلك لتوصيل فكرة محددة يقتنع بها الطرف الأخر . - من الأمور الهامة في الحوار الديني هو الحوار مع الشباب والفتيات في سن المراهقة ، حيث أن أغلب أفكارهم تكون متطرفة ، ولديهم كامل الاستعداد للتطلع لأي فكر غربي قد يكون مسيئا للمجتمع أو فكرا هداما وليس بناء ، مثل ما يتم ترويجه على صفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي . - فرض رجال الدين قدرتهم في الحوار بأسلوب لبق ، وبطريقة مبسطة تصل إلى عقول العامة من الناس ، وعدم التلفظ بمصطلحات أو نظريات يلقى الطرف الآخر صعوبة في فهمها أو استيعابها . - الحوار بين الآباء والأبناء : وهو من أهم أنواع الحوار ، حيث إنه من شأنه أن يصلح حال الأبناء ، أو يفسد أخلاقهم ويجعلهم يحيدون عن الطريق الصحيح ، ونذكر خصائصه فى : - يجب أن يكون الحوار بين الآباء والأبناء في صورة الصداقة ، وليس في صورة الأمر ، وذلك حتى يتقبل الأبناء انتقادات الآباء وتوجيهاتهم . - يجب أن يكون الحوار بين الآباء والأبناء مبنيا على الإقناع والحجة والبراهين ، وذلك حتى يتم اقتناع الأبناء بما يقال لهم ، ويعتبر الحوار مع الأبناء جزءا من تعليمهم وتربيتهم الأساسية . - يجب أن تكون صيغة الحوار صيغة لينة حيث أن الطريقة الصلبة مع الأبناء تجعلهم في حالة من الضيق والتذمر من الاستماع للكلام . - يجب أن يشعر الآباء أثناء حوارهم مع الأبناء بأنهم الملجأ الوحيد لهم في المشاكل ، وهم الذين لديهم جميع الحلول لأي أمر أو أي مشكلة تقع للابن . - يجب زيادة الثقة أثناء الحوار في كتمان السر وعدم البوح به لأي فرد من أفراد الأسرة ، ولذلك تكون هناك ثقة من طرف الأبناء للكلام مع آبائهم في جميع المشاكل التي قد يتعرضون لها . - يجب توصيل رسالة للأبناء أثناء الحوار ، مفادها أن الآباء هم الوحيدون الذين لديهم القدرة على الاستماع لهم . - الحوار بين الأزواج : وهو من الحوارات المهمة ، حيث يعتمد على عدد من الأسس ، منها : - ضرورة أن يكون الحوار بين الزوج وزوجته مبنيا على الثقة والصراحة ، وذلك حتى يأمن كل منهما الآخر ، حيث إنه إذا تبين لأحد الطرفين أن هناك ما يخفيه عن الأخر ، فإن الثقة قد تنعدم بينهما تماما . - يعد الاحترام من الخصائص المميزة للحوار بين الزوجين ، فيجب أن يحترم الزوج رأي الزوجة في أمر معين ، ويأخذه بعين الاعتبار ، وذلك حتى يشعرها بأهميتها بالنسبة له ، وأن رأيها له وزن وثقل في اتخاذ القرار فى ذلك الأمر . - رفع التكليف ، والحوار بطريقة لطيفة بدون تعصب أو جدال عقيم لا يؤدي إلى نتيجة . __________ * دبلوماسي مصري وسفير سابق لدى اليمن ** المرجع : مصادر متعددة .