بقلم / د . عبدالرحيم السامعي أفاق الشعب العربي في منتصف القرن الماضي على حركات تحررية وثورات حلم بها الشعب العربي بكامله وعدَّها الخلاص من العبودية والإستبداد ، خططت لهذه الثورات ونفذتها النُخب العربية ومنها بدأت خارطة الحلم العربي تتشكل لفتح نافذة جديدة نحو مستقبل عربي مشرق ، خارطة لوطن خال من الاستعمار الاجنبي ، تمتلك فيه الأمة الناصية وحرية القيادة , تُرسخ فيه قيم العدالة والمساواة والمواطنة المتساوية , تتوفر فيه سُبل العيش الكريم وتورثها للأجيال القادمة. لكن….اللعنة على كل الطغاة والمستبدين الذين أوهمونا أنهم الحُرّاس الامناء على هذه الثورات الاستقلالية في الوطن العربي في وقت بدأنا فيه بتحضير انفسنا ذهنياً ونفسياً لإقتحام المستقبل بروح جديدة , خدعونا بخطابتهم المعسولة وضحكوا علينا بألاعيبهم الشيطانية وكبّلونا بحبال ديمقراطيتهم وإنتخاباتهم الشفافة حتى الغثيان فأغرقونا في معارك جانبية ليصرفونا عن النظر اليهم كلصوص وناهبين للثروات وقاتلين للإنسان والأرض ، أضاعوا من أعمارنا عقوداً ، ففي غفلة من التاريخ واسترخاء زمني عابر نصبوا امامنا هرم وهمي من الانجازات والانتصارات ، قتلوا فينا روح الإبداع والمشاركة الانسانية ادى الى تقطيع ذلك العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم وإلى تبدل قيمي خطير داخل المجتمع بل وصل الى أصغر نواة في المجتمع عندما ادى الى تفكك أسري وانحلال اخلاقي لم يشهد له المجتمع العربي مثيلاً ، تم الترويج والنظر لهذه الأعمال الشيطانية كواحدة من انجازات النظام وفي الحقيقة كان عمراً من التزوير والبيع بالتجزئة للأخلاق الحميدة التي اكتسبها الشعب فأنتجت هذه الفترة التاريخية صور مختلفة من الدكتاتوريات أعادت انتاج صور من التحكم والاستبداد اسوأ من تلك التي تجرعها المواطن العربي إبان فترة الاستعمار الخارجي دفعت المواطن العربي الى عقد مقارنة مشروعة بين ما اصطلح عليه ذهنياً وتوافقياً الاستعمار الخارجي والاستعمار الداخلي وصلت في أحايين كثيرة الى التفضيل الظالم للإستعمار الخارجي عن ذلك الداخلي كنتيجة طبيعية لحالة الإحباط وصولاً الى جلد الذات العربية للخروج من حالة توقفت فيها الحياة الطبيعية للفرد العربي ووصلت في بعض المحطات الى الموت السريري . اللعنة على الظرف الدولي الذي اعترض طريق التحرير الكامل للانسان العربي في توقيت زمني تصارعت فيه الإرادات الدولية في فترة استقطابية قذرة جعلت من حقوق كل شعوب الارض عبارة عن مناطق نفوذ تقطع بسكين الرأسمالية المتوحشة وتوزع بملعقة الاشتراكية العرجاء. اللعنة على الجيران الذين لايرون في تحقيق اهدافهم واستقرارهم في عيش رغيد الا من خلال شقاء وتعاسة الاخرين في موقف اناني حقير يرى القليل في يد الغير على انه اكثر من قيمتهم الانسانية وبالتالي لايستحقون اكثر مما هو مسموحاً لهم أن يأكلوه أو يشربوه وإن ماتوا عليهم أن يستأذنوا . اللعنة على مؤسسات عسكرية عربية تقود قطعان الشعب بواسطة عصابات عائلية نحو التصفيق للمنجزات الوهمية وللقائد الأوحد الضرورة. اللعنة على مصطلح التقاسم الذي دخل في تفاصيل وثنايا حياتنا اليومية فقاسمونا حتى الشخير اثناء النوم ودخول الحمام . اللعنة على التفريخ الذي فرخ الحياة بكاملها فأنتجت كتاكيت من الاحزاب والثورات والجيوش والاقتصاد والسياسات والبنوك والافرد وأزواج الأحذية. اللعنة على السياسة في الادارة التي انتجت لنا رئيس جمهورية مشغول جداً بالقضية الفلسطينية وتعيين فرّاش لمدرسة الجيران . اللعنة على كل هؤلاء ومن حولهم ومن قبلهم ومابينهم ومن سيأتون من أمثالهم . اللعنة على تلك الأيام كنا نرى تعاستنا نوعاً من التمرد الغير مشروع على ولي الامر الأدرى بأمرنا ومصلحتنا . اللعنة على ايدينا التي صفقت لمنجزات القهر والإذلال على انها منجزات ستؤدي بنا إلى الاستقامة والمواطنة الصالحة. اللعنة على هذا القلم إن لم يتوقف الآن .