مقدمة : ((وفيما الغيوم والدخان يملأ سماء صنعاء الجريحة ويتناثر هنا وهناك ونحو الجنوب بالطبع , وفيما دموع الحزن تنسكب حرى من أهل وأقارب ومحبي المناضل الفقيد الكبير , العدني اليماني , المرحوم بإذن الله الأستاذ/ عبدالله عبدالمجيد الأصنج )) ....., هل قادة الجنوب مستعدون لكافة إحتمالات الحرب المتعددة الاطراف في صنعاء وحولها؟ إن كانوا كذلك , فلنطرح أمامكم هذه المشاريع الثلاثة (لحل القضية الجنوبية) المقدَمة من أهم الجنوبيين الفاعلين على الساحة , والتي تمثل خلاصة الافكار لكل تيارات الحراك الجنوبي , وإن كانت تختلف عنها شذرة هنا وقليلا هناك . الأول : مشروع (م) الرئيس عبدربه النوبة , ومن أيده (مثلا : المشاركين في مؤتمر الحوار وأهمهم باراس , مكاوي , الناخبي وتلاهم النوبة الخ) " أقصى اليمين " الثاني : مشروع (م) الرئيس البيض باعوم , ومن يؤيده (الأغلبية من الجماهير ورموزها مثل : شلال , الشنفرى , الوالي ,الغريب الخ) " أقصى اليسار " الثالث : مشروع الرئيسين العطاس علي ناصر أي مؤتمر " القاهرة " وهم (الكثير من المؤيدين مثل : عبيد , وإحتمال محمد علي وبقية الحاضرين لتجمع القاهرة) " في الوسط " . طبعا بدون الدخول في التفاصيل لان الجميع يعرفها , ولكن لنُلخص كل مشروع بأهم ما يطرحه ويدعو إليه : (1) م . عبدربه , دولة إتحادية (فيدرالية) من 6 اقاليم لا تقبل الانفصال او التجزئة في الحاضر والمستقبل , وبرنامجها هو تطبيق مقررات او مخرجات مؤتمر الحوار . (2) م . البيض , فك الإرتباط الوحدوي الذي تكونت بموجبه الجمهورية اليمنية (وحدة اندماجية مركزية) وتعود كلا الدولتين الشقيقتين (ج ي د ش) و (ج ع ي) إلى مجرد دولتين عربيتين مستقلتين وجارتين , أي كما كانتا قبل مايو 1990م . ولا عودة لأي نوع من التوحد أبداُ , بل يكون التعامل كما بينهما وعمان والسعودية وجيبوتي والصومال (الاشقاء) . (3) م . العطاس , المنزلة بين المنزلتين (كما يقول الاشاعرة والمعتزلة والزيدية ) فهو وعلي ناصر يقبلون بالفيدرالية (المُزمنة من 3 5 سنوات) بشرط أن يجرى بعدها إستفتاء حر وبإشراف دولي يقرر فيه شعب الجنوب سواءاً الانفصال او (توحد وحدة) ومن أي صنف : فيدرالي او كونفدرالي سوق مشتركة الخ . طبعا ليعرف جميع القراء اني بدوتُ مجرد عارض محايد لهذه المشاريع الثلاثة , ولست بمؤيد لإحدها ولكني أعرف إني لن أسلم من المشاكسين الذين سيهبون من سباتهم ليصرخوا في وجهي بلاش تنظير يا هذا , قلنا ما هو رأيك أنت , ولا تشرح لنا أمور نعرفها , أعطنا حلول (وكأني بان جي مون أو بن عمر) , وبطل فلسفة , وشبعنا تنظيرات منك ومن أمثالك الخ .... ورغم توقعي لكل هذه (الدوشة) ! .
مع المعذرة لقرائي الإعزاء , فإني سأمضي على نفس منوالي التحليلي الذي دأبت عليه ومحاولا بكل إستطاعتي أن أكون موضوعيا قدر الإمكان , فما الكمال إلا لله . إن ثلاثتهم لا أستطيع أن أتهم أحدهم بأنه غير وطني أو مخلص للوطن , وإنما أوسط القول أن نقول أنهم إجتهدوا قدر إستطاعتهم بكل إخلاص وتفانٍ كل قدر تصوره الفكري ورؤيته الخاصة للمصلحة العامة بناءاً على إيديولوجيته وتجاربه وخبراته الخ . ف (1) م .عبدربه يرى أن أنطولوجيا (كينونة) اليمن (الكبرى) من الأفضل أن تبقى موحدة لإسباب كثيرة يطول شرحها وأغلبنا يعرف ماهيتها ولعل أهمها من وجهة نظري : أنه من إستلم قيادة هذه الدولة الموحدة من سلفه وإنه من العار عليه أن يُخلفها ممزقة فتصبح لطخة في صفحته , لن يموحها التأريخ , ويرى إن بقاء الوحدة بمنهجها الفيدرالي سوف يُمكِّن كل مجموعة سكانية متجانسة بالإنفراد بإدارة شؤون نفسها , وهذا ما كان من أهم الأسباب من التذمر من الوحدة الإندماجية السابقة . كما يرى أن في توحد إمكانيات الشطرين يزيد من القوة أكثر مما لو كانا مُجزأين , وإن تشطرت اليمن فستكِر السبحة في متوالية هندسية لتصبح أربعا ثم ثمان ثم 16 الخ , ولن تسلم هذه العملية الغوغائية بالتأكيد من معارضين سيستطدمون حتما مع المُريدين , وحينئذٍ ستتكرر نسخة من سوريا والعراق وليبيا والجارة الصومال قبلها. وبالطبع لهذا الرأي مؤيدين من أعدادٍ لا يستهان به من المواطنين في كلا الشطرين .
(2) م .البيض : على النقيض تماما من عبدربه ! .... , فمشروعه يعتقد أنه من الأفضل للشعبين الشقيقين أن يعودا إلى الوضع السابق على الوحدة وأثبت التأريخ إنهما كانا أكثر تقارُبا وألفة أيام الاستعمار والامامة من الآن , وايضا ايام الجمهوريتين المستقلتين في الشمال والجنوب , وأن يُترك موضوع إيجاد صيغة ( توحدية او تكاملية) اكثر نضجا وعلمية للاجيال اليمنية القادمة التي ستكون بالتاكيد اكثر ثقافة ووعياٍ ونسياناٍ لويلات الماضي , ولا مانع من ان تتنَظم قوانين خاصة للتواصل الإجتماعي والتجاري والاستثماري والسياحي والتبادل الثقافي والفني والعلمي بين الجارتين (الشقيقتين) , بل يمكن ان تُصاغ برضى الطرفين إتفاقات دفاع وأمن مشتركتين . م . العطاس ناصر : إن مشروعهما يتسم بالكثير من البراجماتية المُستبعِدة للحِدة القطعية في مثل هذه الأمور الحساسة والتي تتعلق بها مصائر شعوب ... , وهذا المشروع يُحبذ التدرج في تسوية القضية الجنوبية العويصة . إذ يبدأ بقبول الدولة الفيدرالية ومخرجات الحوار والدستور الذي في طريقه إلى الإكتمال ليُعرض على الشعب في كل محافظاتاليمن للإستفتاء . وبعدها يتم التفاوض مع الحكومة المركزية في صنعاء على الموضوع الجوهري في هذا المشروع وهو المدى الزمني لبقاء الجنوب في النظام الفيدرالي الذي بعده يتحتم إجراء إستفتاء حر وتحت إشراف دولي لشعب الجنوب على مجموعة من الخيارات مثل : * البقاء ضمن الجمهورية اليمنية الإتحادية * البقاء بشرط التحول إلى دولة كونفدرالية فيدرالية مثل : (الإمارات) أو كونفدرالية صرفة مثل : (سويسرا) * النموذج الأوروبي (وحدة إقتصادية تكاملية في كل مناحي الحياة مع بقاء الأمور السيادية مستقلة لكل دولة مثل : رأس الدولة , الدفاع , الخارجية , الثروات السيادية الخ * فك الإرتباط أو الإنفصال أو الإستقلال (كلها مسميات لمفهوم سياسي واحد !) , مع مناقشة كيفية ونوعية العلاقات المستقبلية للدولتين الشقيقتين الجارتين في كل المناحي التي أثبتت التجارب التأريخية ضرورة التنسيق حولها لمصلحة الشعب الواحد في الدولتين .
ختاماً : قد يسألني البعض كالعادة , وأنت ... أنت يا بن شمسان أي المشاريع الثلاثة تُفضل ؟ أو سؤالاً آخراً : إذا وصلنا إلى مرحلة الإستفتاء , أي من الخيارات التي ذكرتها بنفسك أعلاه ستختار ؟ ... سأفترض أن السائل لا يصطاد في الماء العكر بحيث إذا اخترت (س) يقول لا (ص) أفضل ! وأقول بكل حسن نية وأعيد ماذكرته سابقا إن المشاريع الثلاثة منطقية وأصحابها بحق يبغون الصالح العام , ولا يجوز لأي من كان أن يشكك في أصحابها او يرميهم بالتهم جزافا . أما أنا , وأي خيار سأصوت له في الإستفتاء العتيد , لمن يريد أن يعرف : عليه أن يُعيد قراءة مقالاتي المتعلقة بهذه النقطة بالذات وهي موجودة على إرشيف عدن الغد ... سيجد الجواب واضح كعين الشمس .