توصيف المقاتلين الذين يبسطون سيطرتهم على غالبية المحافظات الشمالية -إن لم نقل كلها- بالمعنى المتداول إعلامياً "الحوثيين" أمرٌ غير حيادي على الإطلاق لكن وسائل الإعلام عادة ما توصف المظاهر والقضايا من الناحية الشكلية، أما الحقيقة وراء كل ما يحدث لا تحتاج إلى كثير من الإسهاب والتفكير الدقيق فالأمر أصبح اليوم لا يخفى على أحد ومتضح للعيان بكل أبعاده وزواياه .اللجنة المكلفة بكشف المعرقلين للعملية الانتقالية في اليمن كشفت الستار مؤخراً عن خمسة من المعرقلين للتسوية السياسية في البلاد بلهجة علنية وابتدأتهم بالرئيس السابق ونجله ثم عبد الملك الحوثي وقائده الميداني السابق علي أبو الحاكم إضافة إلى شقيقه عبد الخالق الحوثي. لو نظرنا من الناحية الشكلية دون التعمق في ما يحدث سنجد أن اللجنة قد أدرجت الرئيس السابق ونجله في قائمة المعرقلين نظراً لوجود ارتباط بين هذا الآخر وأبيه وبين الحوثيين لكن حينما ندرس القضية من أكثر من بعد سنجد أن الأمر يحوي الكثير من الخفايا التي غالباً لا تذكر ستمدنا بمصطلحات جديدة حول القضية. القدرة القتالية والتسليح العسكري وكذلك القدرة الدعم اللوجستي الخارجي لدى الحوثيين لن يمكنهم على الإطلاق من التهام هذه المساحة الكبيرة من شمال اليمن بكل هذه البساطة دون تدخل قوى أخرى أكثر بطشاً من مجاميع الحوثي المسلحة حتى وإن كانت إيران تضخ دعما خيالياً للجماعة، قبل أن يسطر الحوثيون على مقر المنطقة العسكرية السادسة بصنعاء-كمثال بسيط-كان الكثير يتوقع عكس النتائج التي طفت على السطح مؤخراً فذلك التوقيت السريع لسقوط مقر المنطقة السادسة يعطي الكثير من الدلائل على أن المخطط لم يكن حوثياً فقط بل كان مخططاً مشتركاً نفذ بامتياز للانتقام من علي محسن وجماعة الإخوان في اليمن الذي كان علي محسن بالنسبة لهم يمثل ذراعاً عسكرياً صلباً استطاعوا من خلاله الضغط على الرئيس هادي طيلة الفترة منذ سقوط نظام الرئيس السابق حتى سيطرة الحوثيين على الموقف في البلاد مؤخراً. الثورة التي قامت في2011 في ما أسمي بثورة الشباب ضمن ثورات الربيع العربي لاشك أنها سرقت في الأخير من أصحابها وانتهت وكأنه لم تكن هنالك ثورة، فالفساد الذي قامت الثورة لإزاحته بقي على ما هو عليه وأزداد توسعاً وانتشاراً دون رقابة ولا محاسبة لأي من الفاسدين الذين ثار عليهم يومها غضب الشعب المغلوب على أمره ،حتى الأحزاب السياسية التي شاركت الشباب في ثورتهم ذهبت لتأخذ نصيبها في توزيع الحقائب الوزارية والمناصب الحساسة يوم لاحت المبادرة الخليجية كبارقة خير في الأفق اليمني المحتدم ولم يهمها -أي تلك الأحزاب- ما يحدث على الإطلاق، إذاً أخذت الأحزاب المشاركة في ثورة الشباب منحاً آخر وخذلت الشباب الذي رأى فيها بشارة خير، لو لم تكن تلك القوى السياسية قد أخفقت في موقفها الثوري آنذاك لما كانت البلاد وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، وهذا خطأ واضح ارتكبته تلك الأطراف دون التفكير بالعواقب، رغم أنه كان مدروساً ولم يكن عن جهل أو بغير قصد . الرئيس السابق رأى أن ما قام عليه في 2011 لم يكن ثورة على الإطلاق بل كان موقفاً استفزازياً تعصبياً تقوده جماعة الإصلاح(ذراع الإخوان في اليمن) لذلك أخذ موقفاً من هذه الجماعة وأردف إليها أولاد الأحمر الذين قدموا دعما مادياً كبيراً زاد من وهج الأحداث ضد نظامه. جماعة الإصلاح أصبحت في نظره العدو الأول وراء سقوط نظامه وراح يستوعب مقولة (عدو عدوي صديقي) ليجد في الأخير أنه يمكن أن يستثمر جماعة الحوثي لتحقيق مآربه الانتقامية من جماعة الإصلاح، إذاً ما هي الخطة؟. رغم الجهود التي بذلها الرئيس هادي لتوحيد الجيش وهيكلته إلا أن الانتماءات القبلية والمذهبية والولاءات الضيقة في صف القوات المسلحة أمر كان من الصعب على الرئيس هادي أن يغير منه فهذه ثقافة راسخة كان من المفترض أن تنتهي قبل هذا الأوان أما في هذا الوقت فهي تبرز واقعياً مع تعدد أوجه الصراع في البلاد ويصعب معالجتها بأي عقار. نجل الرئيس السابق أحمد علي كان يقود قوات الاحتياط (الحرس الجمهوري سابقاً) قبل أن يصبح سفير اليمن في دولة الإمارات ولا شك أن الكثير من القيادات تعطيه كل الولاء والاحترام خاصة وأن قيادات وأفراد هذه القوات تنعم برفاهية أكثر مقارنة مع أقرانهم في قوات المنطقة العسكرية السادسة(الفرقة الأولى مدرع سابقاً)والتي كان يقودها علي محسن الأحمر، ذلك الولاء في قوات الاحتياط سهل من مهمة الرئيس السابق في الانتقام من جماعة الإصلاح في البلاد بعد أن وجد اليد المناسبة لضرب أعداءه فقد سخر كل الدعم العسكري واللوجستي للحوثيين حتى يتمكن من ضرب جماعة الإخوان دون أن يكون له ذراع بارز في المشكلة وبهذه الطريقة محكمة التخطيط والتنفيذ فتحت أبوب صنعاء وغيرها من المحافظات على مصرعيها أمام جماعة الحوثي؛ لكن الحقيقة أن أفرداً من الجيش الموالي للرئيس السابق هي من تقود المعركة بجانب الحوثيين أما الحوثيين أنفسهم فلا يمكن لهم فعل مثل هذا في البلاد حتى في الخيال. إذا الرئيس السابق يطمح للعودة مجدداً إلى سدة الحكم وربما بوجه آخر إن لم يكن هو، فالأحلام الهستيرية لديه ليست وليدة اللحظة بل هي امتداد لطموحاته الواهية وربما لا يعي الرئيس السابق أن نهاية السيناريو لا زالت بعيدة وقد يردد مقولة (أكلت يوم أكل الثور الأبيض)فهو بالنسبة للحوثيين عدوا لدود يضعونه في رأس القائمة وتحالفه معهم لا يمكن أن يغير من انطباعات الحوثيين ومواقفهم تجاهه على الإطلاق لكنها قد تكون خفية مؤقتاً ويظهرون له بعضاً من الود والاحترام حتى يفرغوا من انجاز مهمتهم الأولى ، ولن ينسوا مطلقاً أن زعيمهم الروحي (حسين بدر الدين)قتل في الحرب الأولى من الحروب الستة التي شنها الرئيس السابق على الجماعة بمعقلهم في صعده. الخطاء الذي ارتكبته جماعات الإخوان في 2011 ضد نظام الرئيس السابق "علي صالح" وتعاطيها الخاطئ مع التطلعات الشبابية الثورية، يقابله الرئيس السابق اليوم بخطأ أخر فعندما يتحالف الرئيس السابق مع الحوثيين ضد جماعة الإخوان هو في هذه الحالة يعمل على شد أزر الحوثيين ويقوي من شوكتهم وقد يأتي يوماً ما يستذكرُ فيه المقولة الشعبية الشائعة(ربيت الحنش في يدي وتأذيت من عضته).