ماذا يجري في جنوب بلاد العرب(*)– SOUTH ARABIA ؟ اليوم تلوح في الأفق علائم انتصار القضية الجنوبية, بفعل صلابة إرادة شعب الجنوب, وتتجلى حتميته, ودنوّ بلوغه, دون شك, إذ يبلغ التصعيد الميداني - الإحتجاجي الشعبي مستوى الذروة, ويسمو الإعتزاز بالإنتماء الوطني الجنوبي, ورسوخ العقيدة الوطنية الجنوبية, وتتأكد نجاعة خيار النضال الشعبي السلمي, ومدنيته. فيجد المراقب الجاد انه يقف فعلا أمام واقع جديد ومتميز, يعتمل في الجنوب خاصة حينما يلمس تسابق روافد شعب الجنوب من شتى بقاعه, وبمختلف تنوعه الإجتماعي, والعمري, والسياسي, في إقبال نادر, ومنقطع النظير, في صفوف متلاحمة, تعكس وحدة ثقافية متميزة, معبرين بذلك عن الرفض التام لواقع مشين, آلت اليه أوضاع حياتهم, نتيجة التدمير المتعمد لكيان دولتهم المستقل, ومحاولة ربط مصيرهم بإقطاعة ( عصرية ) دعيت بالجمهورية اليمنية ( موروث الأنظمة التقليدية في الجمهورية العربية اليمنية ), زجّ بهم في أتون ظلماتها وتخلفها,عن طريق القوة والحرب. تبلورت واحدية الهدف والرؤية, وتجسدت في صلابة الموقف, لتفصح عن أن القضية الجنوبية : "قضية وطن مغتصب", و "دولة مستباحة" قبل كل شيئ. انها لابد من أن تتكلل بالنجاح المهمات النضالية الميدانية, القادمة إثر فعاليات شعبية, ومجهود وطني عظيم, يتصعد يوما عن يوم, تبذله الجماهير الشعبية الجنوبية, يعكس تبلور دورها الوطني المتقدم. جرت العادة في تاريخ التجربة التحررية الإنسانية أن تنطلق الجماهير الشعبية لتسير على هدى برنامج, يحدد المهام النضالية الوطنية, ترسمه الاحزاب او القادة السياسيين, في صيغة نظرية, تحدد اهداف الفعل الوطني التحرري, تتوجه وتنتظم الجماهير في حشد شعبي, بغية النضال لتحقيق المهام المرسومة, ما يمكّن من تحويلها الى مصالح وطنية ملموسة. أي ان من شروط انتصار أي حركة شعبية أن يكون فعلها الوطني على مستويين, هما المستوى السياسي, والمستوى الميداني, وأن يعملا في نسق منتظم, يتكاملان ويتعاضدان, ليتم بنتيجة ذلك تحقيق المهام وتنفيذها, حسب تدرجها, ويتولد وضوح الرؤية تجاه الراهن والآفاقي منها, وترسم حدود واضحة بين الخاص والعام منها, وبالتالي تمكين القدرة على تجاوز الإجتهادات الذاتية, والمبادرات المطلقة, وما يرافقها, من عفوية وارتجال الخ, ولتصب كل الجهود في نهاية الآمر في بوتقة واحدة, تخدم مصلحة الشعب في استرداد حقوقه, وتأمين مساره اللاحق. أما في حالة التجربة الكفاحية لشعب الجنوب, واكسبها فرادة نوعية عن غيرها, ان إنطلاقتها جاءت شعبية خالصة, غابت عنها الرؤى السياسية - البرامجية, وتخلفت الأدوات السياسية, فلم تستطع قيادات الأحزاب – في صنعا - تبني موقف جاد من معاناة شعب الجنوب يحسب لصالح معالجة القضية الجنوبية, ولو مناصرتها إعلاميا, ناهيك عن انها لم تجرؤ حتى على مجرد التحليق النظري بعيدا عن فضاء إرادة نظام الحكم في صنعا. تجاوز شعب الجنوب الصيغ النظرية, مستشعرا معاناته, في أقصى شدتها, حيث بلغت درجة تهديد وجوده, فاندفع في هبة نضالية سلمية, غايتها استرداد كافة حقوقه المسلوبة, وفي المقدمة منها كيانه الوطني الحر والمستقل, خطوة مثلت للجنوبيين مُنقذا لتجربة الحركة الوطنية الجنوبية, واستمرارا تصاعديا لديمومتها. موجة من الهياج العاطفي الوطني ألهبت نفسيات كافة أبناء الجنوب, إشترطت التحلي بالإدراك الجيد بأن هذا النوع من المهام - وهو يمتلك طابعا ملزما - يعدّ مصدر قوة تحريك بقية عناصر القضية الجنوبية. على أرضية النجاحات التي يحققها الحراك الشعبي السلمي الجنوبي فإنه يطرح نمطا جديدا نوعيا من المهام, مهام ذات صبغة سياسية, صرفة. يمكن القول ان تلك النجاحات بالنتيجة قد استفزّت الخصوم واستحثت رهانات وأساليب عداء جديدة. هنا وضع يستجد, ليشكل مرحلة جديدة في عمر النضال الوطني الجنوبي. وضع في صورته الكلّية يفرض, بل ويوجب أن تتوسع أداة الفعل, وان تتوازى أدوار أجنحته, وتستقيم الأهداف, وتتوحد وتدقق الرؤى, وتزداد المسؤوليات إدراكا وتنظيما, أما في المضمون فيتطلب إيمانا مطلقا بمنطلقات الإجماع الوطني كاساس تشريعي, يحتكم اليه. بهدف تلبية الحاجة الماسّة – من منطلق التوافق الوطني الجنوبي – إلى إشغال كافة القدرات, حتى تستوعب الملكات الكامنة, لدى الأفراد والجماعات, لتصب موحدة في مجرى التحسين النوعي للأداء الوطني, على قاعدة تَمَثًّل واحترام شرف وسموّ الغاية الوطنية النبيلة. إن هبّة شعب الجنوب لم تأت معزولة عن أحداث التاريخ الوطني الجنوبي, وإنما تأتي اليوم لتمثل إمتدادا طبيعيا ومنطقيا للحركة الوطنية الجنوبية عموما, مأخوذة في قراءة تاريخية شاملة, ترتكس بفعلها كافة الرهانات المعادية, التي جرَّبت تفكيك وابهات المدّ الوطني الجنوبي, من بثّ سموم الفرقة, واصطناع الصراعات, فيما بين الجنوبيين, منذ المراحل المبكرة. كما تُفضح إثرها سياسة لعبة خلط الأوراق, التي تغزل من عذابات معاناة, ودماء الجنوبيين فستان عرسها وفق ممليات المرجعيات التقليدية للسلطة البوليسية الإستبدادية المتعاقبة على كرسي الحكم في صنعا. من المتطلبات الهامة و العاجلة تأتي الحاجة إلى مزيد من التقارب السياسي, والوطني بين مختلف المشاريع والرؤى, والإجتهادات السياسية (المبادرات الذاتية), التي تظلّ قاصرة, ومحدودة, ما لم تمثل إكليلا للفعل والإجماع الوطني الشعبي, عبر البحث عن صيغة جمعية للتوافق الوطني, تكون جوهرا لبرنامج نضالي – ميداني وسياسي, ملزم, يوحد ويؤطر, ويقود فيحكم. هذا بدوره سيسهل عملية الإتصال الخارجي بتمثيل وطني, ويكسب القضية المزيد من التعاطف والدعم الإقليمي والدولي, كضرورة قصوى لبلوغ الأهداف السامية لنضال شعب الجنوب, باعتبار دوره الحاسم. مع مزيد الثقة في إخلاص الجميع, إلا أن العمل في هذا الإتجاه, لم يصل بعد الى المستوى المتماهي مع البطولات والتضحيات الشعبية, رغم الرغبة الجامحة والملحة, في إتيان هذا التوافق فاعلا, على أرض الواقع. يتمسك شعب الجنوب بقدسية " التصالح والتسامح", فيناضل في صفوف متماسكة, داعيا الى إعادة الإعتبار للشخصية الوطنية الجنوبية, المستقلة, وتكريسها واقعا حيا وملموسا, عبر صياغة جديدة لتاريخ الحركة الوطنية الجنوبية, بمضامين تمكن من استخلاص الدروس والعبر, درءا لتكرار الأخطاء والمآسي, وأخطر وأبلغ تلك الدروس, درس إغتيال مشروع الإستقلال الوطني (1967م), ودفن وتجاوز مشروع "استكمال التحرر الوطني". برغم ذلك يظل الأمر رهنا بتوافر وتزاوج عاملين, يشترط كل منهما الآخر, أولهما ويشكل العامل الداخلي, إذ يبلغ النضج الشعبي – الوطني مداه, فإنه يقوم بالدور المحدد, ويتمثل في الإرادة الشعبية الصلبة, المعبر عنها وبجلاء تام ميدانيا, وسياسيا, عن طريق النضالات اليومية المتصاعدة, والتضحيات البطولية, التي يجترحها شعب الجنوب, وفي الطليعة يأتي الشهداء الأبرار, الذين سالت دماؤهم محددة, ومؤمَّنة, الطريق نحو النصر النهائي. لن تذهب التضحيات والبطولات التي يبذلها شعب الجنوب هدرا, إنها ضابط التناغم الداخلي, منتج إبداع الفعل الميداني, الذي ينعكس بدوره على نضج مختلف الظروف, المهيأة لنصرة قضيته. كذلك فتصاعد وقيد الأحداث البطولية داخليا, يعزف سيمفونية إنسانية, تشنف مسامع العالم المتمدن, وتجذبه ليردد أصدائها, لتنال القضية اهتمامه, وتُمنح تعاطفه وتضامنه, بل وتلقى دعمه وإسناده, كون ما يتحقق ميدانيا يشكل دليلا على عدالة القضية, إضافة الى اسلوب النضال الشعبي, السلمي, والتمسك المسؤول بمدنيته وتوجهه الديمقراطي, والإنتساب مسلكا الى العصر, وتبني الموقف القيمي الإنساني, تلكم هي مقدمات ضرورية, لكسب العامل الخارجي, والذي عليه يعتمد دور الحسم, في انتصار القضية.
فهبوا جميعا كل من موقعه, ووفق قدرته لاستمالة وكسب المواقف الإقليمية والدولية, وستجدون أنكم لم تخسروا شيئا, سوى السياط التي تلسع أجسادكم. وللسياسيين - القادة - إجتنبوا الإنسحاق وراء الأهواء والنزوات, فأنتم لاتمثلون إرادتكم ومصالحكم الخاصة, وإنما مصالح شعبكم متى عبرتم عن إرادة الشعب, وتمثلتم مصالحه, إعملوا على كل قنوات المنظوم الإقليمي والعربي والإسلامي والقارِّي والدولي, بما يضمن بلوغ مصالح وطموحات شعبكم ووطنكم, وبمواقف متوازنة, ومتناسقة, بعيدا عن الإلتزامات والإرتباط الحصري, مع أي من البلدان, أو التكتلات الإقليمية المتضاربة, إجعلوا العقل الجمعي والإجماع الوطني دليلكم الدائم, وحَكم ذات بينكم, واجعلوامن بلدكم عنصرا من عناصر الإستقرار الإقليمي والدولي, إربأوا بشخوصكم وشخص وطنكم عن شرك الإستقطابات, والتجاذبات, والتطرفات الفكرية والسياسية والعسكرية, وأنتم الخبراء الأكثر دراية وقربا مما عاناه شعبكم, جراء قنونة العلاقات الداخلية والخارجية, طبقا لممليات الأدلجة والتسييس, كما يفرضها الصراع الدولي بين قطبي الشرق والغرب. إعقلوها وتوكلوا على الله, وكونوا حيثما تكون مصالح شعبكم. نعلم إن التاريخ حلقات ومراحل مترابطة, وما الراهن المأساوي الذي يرزح الجنوب تحت وطأته اليوم, ويطمح للخلاص من جحيم ويلاته, إلا نتيجة لتناشز نغم الإيقاع الوطني لدي أبنائه, وإن هذا الواقع لم يأت كحدث عابر, وليس من بنات المصادفة السيئة, أو الحظ العاثر, بل جاء نتاجا لسلسلة من تراكمات الإطماع والعداء, تجاه كل ما كان جنوبيا, ليخدم سياسة التوسع التقليدية المقيتة, ضدا على حريته واستقلاله وسيادته, وبهدف طمس معالم وجوده وهويته, إنسانا, وأرضا, وثقافة وتاريخا, ضمن مخططات مدروسة ومنسقة, خلال مختلف مراحل العمل الوطني, ولعل اصدق دليل أن يكشف دون خجل, عن مساهمتنا – نحن أبناء الجنوب - السلبية, عبر افتقاد مواقفنا من الوضع الداخلي للثبات والنضج والتناسق والدقة, ما سمح لِدعاة "الوطنية اليمنية" أن يحكموا علاقاتنا ببعض, بل كمجتمع, فارتضينا محاولات دفن الوطن الجنوبي, وشرخ عمود العقيدة الوطنية الجنوبية, وفقدنا ال (نحن) الوطنية الموحدة, وإخضاعنا لتبعية عمياء لنمط علاقات المجتمع القروسطي, واستحلينا نوازع الفرقة, ما ثبّط خطانا, و ظل يعيدنا في كل دور إلى المربع المناطقي الصفري, لا نعرف إلا إن نُقسّم ضد على ضد أخرى, متجاهلين إدراك قيمة الترابط التاريخي - الثقافي, وتداخل وتغاذي الأجيال, في ظل ضمة وطنية موضوعية, غير مصطنعة, فَبَضَعْنا للسرطان محلا في جسدنا, ليستشري فينا, حتى تفرقت بنا السبل, منذ قبلنا بالصمت المطبق, تجاه حياة أبطال "الحركة الوطنية الجنوبية", وحاملي المرجعية الوطنية (الجنوبية), كل ذاك لقاء حظ غير وفير, ومؤقت من ثقة المتسيّدين الغرباء فينا, وأهملنا عنصر التاريخ – بُعْد الزمان, فلو أننا وأقلّه في حفظنا في تدوينات مذكرات يومية, نؤرخ لوجود ومعاناة وكفاح شعبنا دروسا, لاستطعنا أن نقي أجيالنا اللاحقة, من الوقوع في ذات الشرك. إنها ضآلة الوعي, وضحالة التفكير وضيق الأفق, سمات, تقبلناها, ميزت العقل والسلوك السياسي والوطني الجنوبي, فأسهمت في تفضيل الهروب الى الأمام, بحثا عن ملجأ, تحت السقوف الآيديولوجية, القومية "العروبية", والأممية, حتى كان أكثرها خطرا مباشرا, السقوط في شرك الوطنية "اليمنية". فتجمدت القدرة على الوصول الى تجريد الإشكالية الوطنية الجنوبية, ذهنيا, ما بالك في البحث عن المعالجات الواقعية طبقا لها, لذلك فرض علينا قبول تسيد "التوجه الوطني اليمني" الوهم, وطمْر الوطن الواقعي – الجنوب العربي (11/ فبراير 1959م). إثر إعلان الإستقلال الوطني إستحكم النفوذ المتزايد لجماعة توجه "اليمننة", و تحقق لهم التفرد بصناعة المبادئ والخيارات الوطنية, و احتكار القرار السياسي, محكمة قبضتها على الجنوب, مستندة على منظوم دعوي من التضليل الفكري, والوطني, والسياسي, حيث إبتنت أسوارا فولاذية, من الوهم والنفوذ, أضعفت وعزلت إنسان الجنوب, وبترت حبل صلته بالعالم الخارجي, وأماتت قدرته وحريته, إلاَّ في حدود جاهزية الموت (كبش فداء للديماغوجيا القومية ثم للتقدمية) وتحت سقفهما دفاعا - عن أو من أجل - "الثورة اليمنية" (!!) ضد هجمات اعداء "الوحدة اليمنية....(!!؟)", التي وجهت في سبيلها كافة خيرات ومقدرات الجنوب, بعد أن صبت روح الفرقة نارا, بين أبناء الوطن الجنوبي (على جرعات), لتقسمهم متصارعين بين مع وضد, فسلبت أرواح الرموز الوطنية الجنوبية (على دفعات), حتى صار الأخ يضيق بأخيه, ومثلت أتفه المصالح (المنافع), تدريجيا, إغراءا مؤقتا, حجب عنا معرفة وجودنا, ضمن كيان وطني, مستقل, ناهيك عن الكل الإنساني. لقد أصبنا بقصور الذات الوطنية, فلم يسمح لنا بإدراك ماهية أعدائنا الحقيقيين, واستمرأنا أساليب وأدوات حربهم المحترفة, الشرسة, والمفترسة, لنا ولكل ما له صلة بالمشروع الوطني الجنوبي. لا غرابة في أن يتقول الأعداء دائما علينا, بأن النزعة الضدية فطرية فينا, وإنها فعلا تمثل نقطة ضعف ملازمة لنا, كما لو أنها تشكل طبيعة ثانية فينا - كما يرون – فيحتسبونها عامل نصرة لهم, تسمح لهم بإشاعة الفتنة, وتسديد سهام التناحر والفرقة فيما بيننا, يركنون اليها, كلما لاحت لهم الفرصة, لتشتيت تقاربنا الوطني, وتفكيك منظوم صفوفنا, وإضعافنا, وليتسنى لهم بالتالي الإنقضاض علينا ضربة واحدة, عبر القبول بالوحدة (1990م). رغم كارثية المسلسل وتراجيدية أحداثه, إلاّ أن إصرار شعب الجنوب على إنهائه, وانتزاع كافة حقوقه الوطنية المغتصبة, آخذ قي التأجج, ليهزم كل المشاريع التوسعية, الإستيطانية, الساعية الى إذلال الإنسان واغتصاب الأرض, و طمس الهوية الوطنية, وتزييف التاريخ, وتمكين الإحلال الديمغرافي والثقافي, بديلا مشوها عن الإستقرار والأمن الإجتماعي والثقافي, السائد في الجنوب, تحت يافطة مشروع "يمننة الجنوب". إستهدف هذا المشروع حرمان شعب الجنوب, من تذوق حلاوة وطراوة استقلاله الوطني, وتصفية واغتيال وتشريد خيرة أبناء الجنوب, خلال عمر الحركة الوطنية الجنوبية – استكمال التحرر الوطني – تحت دعاوي مبادئ زائفة ومضللة, وإطلاق تسميات, بحساسية مفرطة, وبكل فضاضة وصلافة, لوصف كل شيئ جنوبي, تتعارض تسميته مع مشروعهم, فينسب إلى اليمن, ويستبعد انتسابه الطبيعي, صفة الى الجنوب. فالجنوب العربي (جنوب بلاد العرب) ذاته, يصير (الجنوباليمني), وإسم دولة إستقلال الجنوب (جمهورية اليمنالجنوبية....), ورئيس حكومة الإستقلال, الشهيد فيصل عبداللطيف الشعبي (أبو القضية الجنوبية) يغتال في منزله, برصاصات اليمننة, نتيجة تبنِّيهِ مشروع قانون تنظيم "الجنسية والهجرة والجوازات" رقم (4 / لعام 1968م), أول قانون يحدد وينظم حق "المواطنة" في الجمهورية الفتية.
"زبد فيذهب جفاءا" , وبتهم ومسميات وتصنيفات متلونة وحاقدة, يرمى بها الوطنيون الجنوبيون, مثل: أعوان وعملاء الإستعمار, والرجعية, واليمين الرجعي, واليسار الإنتهازي, واليمين التوفيقي, ومنحرف, وليس ببعيد أن من أنتج التسمية "زمرة", على الطرف الذي خرج من البلاد جراء دموية يناير 1986م, هو ذات المنتج والمخرج, الذي أخرج التسمية "طغمة", وأنزلها على الطرف الذي بقي في البلاد بعدها, وما جاء على هذه الشاكلة الكثير, في دورات إصطراعية دموية, تسحق كل دورة منها أجود وأنضج ثمار المجتمع الجنوبي, ما أوهن الجسد الوطني, وقطّع الإنسان وأرض الجنوب أمزاقا, تتصارع فيما بينها, مشحونة بوهم الغلبة, على بعضها, والإستمتاع بالإنتماء الزائف لليمن, والثقة الممنوحة (مؤقتا), فكان الثمن باهظا, انعكس على الوجود الجنوبي, وصعب تحمله, وتمثل في سقوط مشروع الكيان الوطني الجنوبي, ودولته المستقلة.
*) "شبه جزيرة العرب" – Arabian - peninsula, هي التسمية الجيوجرافية – الطبيعية, التي تطلق على المنطقة من اليابسة, المحصورة بين مياه الخليج العربي شرقا, و بحر العرب وخليج عدنجنوبا, والبحر الأحمر غربا, الواقعة جنوب - غربي قارة آسيا. بهذه الصيغة تعرف في أدبيات و محفوظات التراث التاريخي المعاصر, والمؤلفات الموسوعية الجيوجرافية الموازية. أما قديما ومن منطلق ديموجرافي, وإثني, حيث أن سكان تلك البقعة من الأرض, وجميعهم ينحدرون من الأصل العربي, فقد دعيت ب: "بلاد العرب" - "ARABIA", وتأتي في مركزها المناطق المقدسة – مكة والقبائل المحيطة بها, يشار اليها منطقة إزدهار تجاري, وموطن إشعاع ثقافي (للمزيد: راجع مدونات الشعر العربي في الأزمنة التي سبقت الإسلام). وما زالت, مذكورة, منذ العصور الموغلة في القدم بهذه التسمية, ويقابلها في وثائق ومراجع التاريخ العالمي ما يؤكد أنها تحمل هذه التسمية (إنظر مثلا: المؤرخ والأنثروبولوج الإيطالي كايناني, وهو يتحدث عن غنى العربية الجنوبية, وتهديدات غزوها من جانب القبائل غير المستقرة إقتصاديا أو إجتماعيا), كذلك "وثائق ومحفوظات الإرشيف الملكي البريطاني – القسم الخاص بتخلي "الباب العالي – الخلافة العثمانية" عن ولاياتها في المنطقة, وتسليمها لشريف مكة: الشريف حسين, خلال النصف الأول من القرن الماضي. بينما يدعى القسم الوسطي ب: نجد والحجاز, فإن شمالها يدعى ب: الشام, ويقابله عن يمين الكعبة المشرفة, من ركنها اليماني (الجنوبي) ما دعي ب: اليمن.جدير بالذكر أن هذه التسميات لم تعر أي إهتمام لكيانات تقليدية, تقوم على روابط قربى الدم, ولم تعرف بعد ما يتعارف عليه اليوم من حدود إقليمية إدارية – سياسية, حيث تلك الكيانات تدير حكمها عن طريق الغزو والسطو والقرصنة مع جيرانها, وليس لها حدود حتى جغرافية, تستقر داخلها. لم تكن "العربية الجنوبية" ضمن ولايات الإحتلال العثماني للمنطقة, بل كانت ومنذ النصف الأول من التاسع عشر مستعمرة بريطانية, تشمل المستعمرة – عدن ومحمياتها, المرتبطة بمعاهدات حماية, وصداقة مع بريطانيا حتى الإستقلال 1967م, وهي من أطلق عليها "العربية الجنوبية" أو " جنوب بلاد العرب"SOUTH ARABIA" - " , وهي التسمية التي ترجمت خطأ – ولربما متعمدا – الجنوب العربي. 1) إبتدأ شعب الجنوب بالبحث عن ذاته منذ أن دهمته ما دعي " الوحدة اليمنية" حين وجد نفسه مرميا في مغبة عصور الظلاام, وحسسته بنعيم حياته المستقرة وبمعنى مدنيته, وانتمائه الى حظيرة العصر والعالم. كانت تتميز هذه الخطوة بالتلقائية, والعفوية, وأخطر ما فيها غياب السياسي قيادة وبرنامجا, لكنه اختط طريق الرفض تجاه الواقع المستجد, مكونا ظاهرة الرفض الشعبي – الجمعي – الحراك الجنوبي – وهنا أكد ذاته, وهي الخطوة التي جعلته يثبت للعالم إنه, شعبي المنطلق والغاية, وإنه يرفض العنف أسلوبا لتحقيق أهدافه المشروعة, وحدد وبثبات وأثر خيار نضاله السلمي. فإنه اليوم والاصداء العالمية لقضيته تتردد في ردهات المحافل الدولية, ويوشك أن يصل إلى غايته النضالية, فإنه يفرض عدالة ومشروعية قضيته, لتنال موضوعيتها, وباعتراف الأعداء قبل الأصدقاء.