مظاهر الحياة الطبيعية إنما انبثقت عن ارادة الهيئة وإنها لذلك لا تختص بقيم ايجابية خاصة بها ، فان القرآن يحمل في وضوح على أن الغاية النهائية للخلق هي تجاوب المخلوقات مع ارادة الخالق وخضوعها لها وبالنسبة للإنسان فان هذا الخضوع الذي يسمى اسلاماً يتطلب بداهة تكييف رغبات الأنسان . وسلوكه ، تكييفاً ايجابياً واعياً معه قوانين الحياة التي وضعها الخالق . ومثل هذا المطلب يفترض بطبيعة الحال أن يكون لمفاهيم الخير والشر مقاييس ومعان ثابته لا تتغير بتغيير الأحوال والازمنة ، ولكنها تحتفظ بصحتها واصلتها في كل الظروف والاوقات . ومن الواضح أن كل ما واصلنا إليه من تحديد المعاني الخير والشر أو العدل والظلم فانه إذا صح أن غاية الدين هي تكييف مطالب الإنسان ورغباته وفق ارادة الله ، فلابد للإنسان أن يتعلم بأساليب معصومة من الخطأ ، كيف يميز بين الخير والشر وبين ما يجب فعله ومالا يجب .. دون أن يصوغ المجتمع الذي يعيش فيه شؤون حياته ايضاً في الإطار الذي رسمه الإسلام .. ومثل هذا التعاون الواعي بين افراد المجتمع لن ينبثق عن مجرد الشعور بالأخوة بينهم ، لان فكرة الإخوة لا بدلها من أن تترجم إلى حركة اجتماعية ايجابية هي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) . فإذا شئنا أن نضعها في صيغة أخرى قلنا أنها (خلق وصيانة مثل أن تسمح لأكبر عدد من الاشخاص يعيشوا في توافق وانسجام وحرية وكرامة) ومما لا يريب فيه أن عصيان فرد من افراد المجتمع في مسلكة قواعد السلوك الاجتماعي العام يجعل وظيفة الاخرين في محاولة تحقيق المثل الاعلى صعبه ، وتزداد وظيفتهم صعوبة كما ازداد عدد هؤلاء العاصين . على آية حال .. الغاية القصور الاديان ، اصبحت (المصلحة) في اعتبار القوم هي القانون الوحيد المهيمن ، الذي يجب أن تعالج على ضوئه كافة الشئون العامة . وحيث أن جهات النظر فيما تنطبق عليه صفة (المصلحة) تختلف عادة من جماعة إلى جماعة ومن أمة لأخرى ، فان النتيجة لذلك هي ما نراه اليوم من اصطدام مروع بين المصالح المختلفة في الحقل السياسي ، سواء كان ذلك في حدود الامة الوحدة أو في الميدان العالمي . وهذا أمر طبيعي ، فان ما يبدو من الناحية العلمية البحتة مفيداً لطائفة من الناس أو امة من الامم لا يجب أن يكون – وفي الاغلب لا يكون – مفيداً لطائفة أو امة أخرى من الغايات الادبية أو الاعتبار خلقي معين فان مصالحهم الخاصة لابد أن تتصادم في نقطة أو أخرى ، وكلما احتدم النصال بينهم تباعدت مصالحهم أكثر ، واختلط عليهم الأمر في معرفة الخير والشر في معاملة بعضهم بعضاً.
أن الغاية الجوهرية من قيام الدولة . هي ايجاد الجهاز السياسي الذي يحقق وحدة الصف وتعاون افرادها . يقول الله عز وجل : (واعتصموا بحب الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون * ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون..) سورة آل عمران الآيات 103-104) ولكنه وسيلة إلى غاية . أما الغاية فهي ايجاد أمة تفق نفسها على الخير والعدل ، تحق الحق وتبطل الباطل ، أمة تعمل – بمعنى آخر – على خلق بيئة اجتماعية تتيح لأكبر عدد ممكن من افرادها أن يعيشوا روحياً ومادياً في توافق مع القانون الفطري الذي جاء من الله وهو الإسلام . وهناك شرط ضروري يجب توافر أو لتحقيق هذا الهدف وهو وجود اخوة قوية تربط بين افراد المجتمع وتوجههم نحو الغاية المنشودة ، ولهذا جاء القرآن يرسى قواعدها في قول الله (إنما المؤمنون أخوة) . (سورة الحجرات آية 10) وجاء الرسول فأكد هذه الضرورة واوضحها في كثير من الأحاديث وفي شتى المناسبات : (المؤمن للمؤمن كالبنيات يشد بعضه بعضا) (المسلم اخ المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة اخيه كان الله في حاجته . من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة) .
ولكن ما هو الاساس العاطفي الذي تقوم عليه هذه الإخوة ، انه ليس الولاء للقبيلة أو القوم أو الوطن ، هذا الولاء الذي تعتبره المجتمعات الأخرى الاساس الوحيد الذي تقوم عليه تكتلاتها السياسية ، والذي ذمة الرسول باعتباره شيئاً لا يجدر بالمؤمن الصادق : المنتهين اقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا ، إنما هم ليكونن اهون على الله من الجعل الذي يد هدء الخرء بأنفه ، أن الله قد أذهب عنكم عصبية الجاهلية وفخرها . بالآباء ، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي ، الناس كلهم بنو آدم وآدم من تراب ..