منذ خروجه العجيب من منزله في صنعاء في الذكرى الثالثة ليوم انتخابه المسرحي رئيساً لما يسمى الجمهورية اليمنية و حتى اليوم والكثير من المحللين والمراقبين والناشطين يجتهدون هنا وهناك في كيفية خروجه وتبعات ذلك على الصعيد السياسي للمكونات السياسية التي قطعت حوارها في صنعاء أكثر من مرة وكذلك بالنسبة لمكونات وقوى الحراك الجنوبي السلمي التحرري الذي فرض عليه وصول هادي إلى عدن جملة من التحديات الخطيرة انعكست سلباً على أداءه الجماهيري في الشارع الجنوبي وفي هذه العجالة سوف يتم تناول الاثار المترتبة على وصول هادي إلى عدن ومحاولته ممارسة صلاحياته منها بالذات . في البداية وقبل أي تحليل يرجى الأخذ بعين الاعتبار أنه لا هادي ولا عبدالملك الحوثي ولا علي عبدالله صالح ولا غيرهم أحرار الإرادة في تعاملهم السياسي بل لا المملكة العربية السعودية ولا إيران ولا قطر ولا غيرها من دول المنطقة حرة الإرادة في مواقفها السياسية التي تعلن عنها وبالتالي فأن هناك سلسلة من الحلقات بل وسلاسل متوالية ومتوازية جميعها تنتهي إلى جهة ما تدير الصراع في العالم وتعيد رسم خارطة التحالفات ومراكز النفوذ في المنطقة فيما بينها وفق استراتيجيات متفق عليها , وبطبيعة الحال فأن هذه الجهة تسخر الكثير من الموارد والطاقات في مراكز البحوث والاستشارات لغرض دراسة كل الظواهر والاختلافات والمشاكل في البنية المجتمعية بكل تنوعاتها وما يحيط بها من مؤثرات لكل شعب من الشعوب التي تقع في دائرة استقطابها المباشر في اللحظة المعينة وعلى ضوء ذلك يتم إعداد السيناريو المناسب للتدخل ووفق حيثيات مدروسة بعناية فائقة تجعل مسألة التدخل حتمية التحقيق إلى ابعد مايكون التصور ويتم دراسة التفاصيل الدقيقة وإعداد سيناريو خاص لكل جزئية من جزئيات السيناريو العام وربطه أيضا بسيناريوهات موازية تساعد على إعطاءه المبرر المنطقي لحدوثه وتنفيذه . وقد وصل الأمر إلى حد الكشف عن بعض المخططات والسيناريوهات المراد تنفيذها بكيفيات متعددة وفي الوقت ذاته لا تستطيع الشعوب أن تتجاوز أو تحرف مسار تلك المخططات التي تستهدفها بشكل مباشر بل ان الشعوب تتعامل مع مايستجد بكل تلقائية لأن مساحة الخيارات المتاحة لديها محدودة للغاية ومحسوبة سلفاً بكل اتجاهاتها المحتملة . وعوداً على بدء فأنني هنا استطيع القول بأن مسرحية خروج هادي من صنعاء إلى عدن كانت مخططة باتفاق الأطراف المعنية بشكل مدروس ولم يتم الإعلان عن ذلك إلا بعد وصول هادي فعلياً إلى عدن بوقت كافي وبالمناسبة فأن سيناريو خروجه قد سبق التمهيد له من خلال جملة من الإجراءات تناولتها في القراءة السابقة التي نشرتها في يومي 21 و22 فبراير في صفحة التواصل الاجتماعي الفيس بوك وكذا في موقع عدن الغد الإخباري وغيره من المواقع التي تناقلته تباعاً وتم إعادة نشرها في صحيفة الأمناء يومي الأربعاء والخميس الموافقين 26و27فبراير2015م والإشارة إلى ذلك ضرورية جداً لأن ذلك يعني ان السيناريو الدولي قد نجح في معالجة جملة من الإشكاليات من ضمنها مايمكن الإشارة إليه فيما يلي : * لاحظت الدول الراعية للعملية السياسية أن ما سمي مؤتمر الحوار الوطني قد فشل بشكل واضح في إنتاج الحلول المطلوبة ورغم أنها تعلم ذلك من البداية إلا أنها أرادت استخدام الفترة الزمنية للمؤتمر لإحراز تفاهمات وإنضاج عوامل أخرى ودراسة الترتيبات اللازمة في ضوء المتغيرات الدولية المحيطة في المنطقة وبعد جملة من الأحداث والتعقيدات التي صاحبت الانتقال السلمي للسلطة والتطورات على الأرض التي أفرزت معطيات جديدة بما فيها انحسار بعض القوى وبروز قوى أخرى كانت الأمور أكثر تعقيدا وتركيباً إلى درجة تستدعي إحداث حركة ما لتعيد خلط الأوراق من جديد ووفق معطيات جديدة . * لاحظت ايضاً أن ابرز القضايا الحقيقية التي لايمكن تجاوزها هي قضية الشعب الجنوبي المطالب بالتحرير والاستقلال واستعادة دولته الحرة المستقلة ولكنها في الوقت ذاته لم تكن تريد الإقرار بالإرادة الشعبية الحرة في الجنوب وعملت على تجاوزها من خلال استيعاب بعض العناصر أو إشراك بعض القوى في ما يسمى مؤتمر الحوار الوطني وعندما استوعبت أن الحراك الجماهيري العام ازداد وأصبح أكثر قوة لم يكن بالإمكان سوى العمل على تفتيته وتقطيع أوصاله وتوجيه ضربة قوية وصادمة له بعد جملة من الضربات الموجعة نظراً لصعوبة التعامل مع الحراك الجماهيري متعدد المكونات والشخصيات والملامح . * كان الموقف العام في الجنوب لا يعترف بالحوار ومخرجاته وعلى اعتبار ان المخرجات تتحدث عن أقاليم فأنه من الصعوبة بمكان تنفيذها دون إرادة الجماهير في الجنوب بالذات فكان أن رأت تلك الجهات التي تخطط وترسم السياسات أن يتم التنفيذ ابتداء من الجنوب نفسه ومن اجل ذلك تم الترتيب لسيناريو خروج هادي المشار إليه بحيث يلقى قبولاً لدى الجنوبيين وبدافع من الشعور بالانتماء يتم استقبال هادي بل وحمايته والالتفاف حوله وزرع الآمال ومغازلة أحلام البسطاء بأنه هو المنقذ والأكثر دهاء من سابقيه ومن خلال وجوده في السلطة سيعيد الجنوب . ولهذا وبناء على ما سبق فأننا نستطيع أن نرى بوضوح أن مسألة خروج هادي من صنعاء إلى عدن كانت تشكل أهمية كبرى لتجاوز الإشكاليات المشار إليها وقد كان من النتائج التي برزت بعد وصول وتمكين هادي في عدن ما يلي: 1. إعادة النظر في الحوار السياسي وكيفيته ومكانه وأبجدياته بين القوى السياسية . حيث أن مسألة خروج هادي من الحجز الإجباري كما كان واضحاً في صنعاء قد أدى إلى نشوء فرص أخرى للحوار السياسي بدون ضغوط مباشرة وأعطى المبرر الكافي والمنطقي لإعادة النظر في كثير من الطروحات التي كانت مثار النقاش والتعاطي في دائرة الحوار الذي جرى في موفنبيك وتوقف أكثر من مرة إلى أن تمت الدعوة من قبل هادي إلى الحوار في الرياض وبعد ذلك تمت مداهمة مقر الحوار من قبل مليشيات الحوثي ويصبح الحوار بين القوى السياسية معلقاً بإنتظار الانفراج برعاية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الذي أوكلت إليه مهمة تحديد مكان الحوار .
1. إصابة الحراك الجنوبي السلمي التحرري بالصدمة والشلل الجزئي المؤثر جداً . حيث ساهمت جملة المقدمات التي سبقت قدوم هادي إلى عدن في خلط الأوراق وإرباك الشارع الجنوبي بشكل ملحوظ ولا تزال حالة الإرباك هي السائدة بإنتظار وترقب لما ستسفر عنه الأيام القادمة من تطورات ومواقف .
1. تكريس الأقاليم ابتداء من أكثر المناطق رفضاً له والتعامل على أساس الأقاليم لجعلها أمر واقع حتى قبل إقرارها أو التوافق عليها من قبل القوى السياسية المختلفة . وفي هذا الشأن تم ويتم الإعلان والتناول الإخباري عن استقبالات مبعوثين عن الأقاليم بالتلفزيون الرسمي من عدن وكأن تلك الأقاليم مسألة مفروغ منها وقد تمت على الواقع وهذا الأمر يدعو إلى التوجس لدى الكثيرين إلآ أنه مسألة مبررة تجد لها من التأويلات ما يناسب الأمزجة والقناعات المختلفة وتخلق مساحة كافية للمناورة السياسية على كل الاتجاهات . 1. الحصول على الشرعية للرئيس هادي في الجنوب بالمبايعة غير المباشرة لوفود المناطق والمديريات الجنوبية وتأكيدها على الوقوف إلى جانب هادي وحمايته وهي التي كانت بالأمس لا تعترف بشرعيته ولم تنتخبه أصلاً . وهذا الأمر يعكس أمام العالم وجود حاضن شعبي وقبول لهادي في أشد المناطق رفضاً لسلطاته التي كانت الصورة العامة لها خلال الفترة الماضية أنها سلطات احتلال همجي متخلف علماً بأنه يوجد في الجنوب أكثر من أربعين لواء السواد الأعظم فيها من أبناء الشمال أو ما درج الناس على تسميتهم بقوات الاحتلال . 1. انشغال النشطاء الشباب بالتسجيل ضمن اللجان الشعبية أو المجهود الشعبي لحماية حدود مناطقهم الحدودية بالذات جعل ساحة الاعتصام في عدن تعاني بشكل واضح من الفقر في التواجد الشبابي من تلك المناطق وافقد الساحة الزخم الذي كان لها قبل ذلك .
1. استجابة الوفود الشعبية وان كانت على مضض لكنها شكلت التزاماً أدبيا بتأييد هادي واستيعاب إيحاءاته لهم بأنه يتفهم تماماً هدفهم ويسعى له أكثر منهم جعل الناس يتحمسون له أكثر .
وفي هذا السياق يخطئ الكثير من الناس حين يعتقدون أن تلك الإيحاءات قطعية بينما إن كانت كذلك فأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبديها لهم وهو يستمد تعزيز شرعيته من الإقليم والمجتمع الدولي باعتباره ريساً للجمهورية اليمنية وهذا الهامش من الإيحاء قابل للتأويل والتعليل ولايحمل في الحقيقة سوى الوعود بأن تكون هناك ملامح جنوبية لكنها لن تكون كما يفكر الكثير من الناس في إطار الحراك الجنوبي السلمي التحرري وسوف يجدون أنفسهم يسيرون بشكل تدريجي نحو الدخول في العملية السياسية الانتقالية التي طالما رفضوها جملة وتفصيلا .
1. تجييش الناس بحجة مواجهة العدوان المذهبي المحتمل, جعل الاتجاهات تنحرف إلى مسار آخر ليس له علاقة بنضال الشعب الجنوبي . وهذا الترويج بالذات يقوم به المنتسبون لحزب الإصلاح الذي أصبحوا هم المقربين للرئيس هادي في هذه الفترة ووجدوا من يستمع إليهم في الشارع الجنوبي بتأثيرات مختلفة ومتعددة قد تذهب بالنضال التحرري السلمي طوال الفترة الماضية إلى خيارات أخرى ليس لها علاقة بالبعد الوطني الجنوبي وتفتح الاحتمالات على متغيرات كثيرة قد تشمل المنطقة كلها وربما تكون نقطة الانطلاق الكبرى نحو إعادة رسم الخارطة السياسية للشرق الأوسط الكبير الذي يتم الترويج له منذ فترة ليست قصيرة . 1. تمكين أنصار الله من صنعاء بالتحالف مع الرئيس المعزول الذي بحث كثيراً عن الأيدي الآمنة وسلم السلطة لهادي حينها . وهذا الأمر جعل الأمور تبدو وكأن ثمة صفقة قد تمت لتمكين الحوثيين من إحكام السيطرة على صنعاء لاسيما وأنه تم التناول الإخباري فيما سبق بشأن الدور الذي لعبه هادي ووزير دفاعه حينها في تمكينهم من عمران ثم صنعاء بالإضافة إلى كيفية تسليم الرئيس المخلوع السلطة وقصة بحثه عن الأيادي الآمنة.
1. البدء بتشكيل سلطة في عدن وسلطة في صنعاء إنما هو تكريس للأقاليم . وفي هذا السياق فأنه يجدر بنا أن نعلم أن السيناريو الدولي يقتضي التقسيم للمنطقة بكلها وبالتالي فأن ملامح تشكيل سلطة في صنعاء وسلطة في عدن قد لاتخرج عن هذا السيناريو ولها مابعدها من خطوات ربما لايعلم عنها الحوثيون ولا هادي ولا غيرهما شيئاً . وكل ذلك لاشك قد أثر بشكل مباشر على الزخم الجماهيري للحراك الجنوبي السلمي التحرري الذي تعرض لهزة عنيفة لاسيما أنه لم يكن بإمكانه فيما سبق أن يلتئم في إطار توافقي جامع ,وجعل قطاع كبير من النشطاء ينجرون بكل سهولة إلى الملامح الجنوبية التي بدأت بالتشكل ظناً منهم بأن ذلك هو بداية معانقة الحلم الذي ظل يراودهم طيلة السنوات الماضية وأن هادي هو الأقدر على أن يحققه للجنوبيين , كما وقع العديد من المحللين السياسيين وقيادات مكونات الحراك في المحك لتفسير المفاهيم المتعددة وضبابية الرؤية في التوصيف السياسي للقضية وعدم وضوح المشروع الذي يضمن تحقيق الغاية من النضال السلمي التحرري للشعب الجنوبي مما أدى إلى بداية الغلبة للعقل السياسي الجنوبي الحصيف والأكثر إعتدالاً في معالجة الأمور ولعل مايتم التحضير له في هذه الأثناء من لقاءات في عواصم عربية تسير في هذا الاتجاه الذي لايخلو هو الآخر من العبثية السائدة في السياسة الدولية في المنطقة بشكل عام .