يخوض الجنوب معركتين مختلفتين شكلا لكنهما متكاملتان مضمونا، هاتان المعركتان هما: معركة المقاومة المسلحة التي أجبر الجنوب عليها إجبارا، والمعركة السياسية التي أمضى الجنوبيون أكثر من عقد ونصف من الزمن يعدون العدة لها ثم انطلقوا في خوض غمارها منذ العام 2007م.
يؤدي المقاومون الأبطال أدوارا قد لا تبدو ذات شأن لمن ينظر إليها نظرة عابرة دون الخوض في ميزان القوى بين المعسكرين المتصارعين، لكن التاريخ سيدونها كواحدة من المعجزات التاريخية التي قل نظيرها، إذ يواجه مجموعة من المسلحين الأبطال وبالأسلحة الشخصية الخفيفة وبعض الأسلحة المتوسطة، جيشا جرارا قيل إنه رابع أقوى الجيوش العربية تسليحا وتأهيلا وعددا متحالفا مع مجاميع مليشياوية تمتلك خبرة 10 سنوات من القتال الشرس ضد هذا الجيش الرابع عربيا قوة وتسليحا وعددا قبل أن تتحالف معه، ومع ذلك ينجح هؤلاء المسلحون محدودي العدد والقدرات والتسليح والعتاد والخبرة، في إلحاق الهزائم المنكرة بهذا التحالف القوي ذي القدرات الاستثنائية، . . .ولن نخوض كثيرا في تفاصيل المعركة المسلحة سوى التأكيد أن تعديلا بسيطا في ميزان القوى بين المعسكرين المتواجهين (معسكر الغزاة القدامى الجدد ومعسكر المقاومة الجنوبية ) كفيل بأن يقلب المعادلة رأسا على عقب لتندحر المليشيات الغازية ويسجل النصر النهائي للمقاومة الجنوبية على تحالف الشر وقوى العدوان، وهذا التعديل يتمثل في توحيد قيادة المقاومة وتحسين مستوى التسليح والتخطيط للمعركة، فمن يمتلك الإرادة والعزيمة كفيل بأن يهزم من لا قضية له ولا إرادة حتى وإن كان الأول محدود العدد والقدرات، وكان الثاني جيشا جرارا من المقاتلين بلا قضية وبلا إرادة وصدق الحق القائل "كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" (البقرة- 249).
المعركة السياسية لا تتوقف حينما تتكلم البندقية، وبما إن الجنوبيين قد أجبروا إجبارا على حمل السلاح وخوض غمار معركة المقاومة المسلحة دفاعا عن الأرض والعرض وسعيا للحرية والكرامة واستعادة الدولة، فإن على السياسيين تقع مسئولة جسيمة ينبغي أن يضطلعوا بها وإلا فإن عليهم أن ينسحبوا من المشهد السياسي ويدعوا المقاومة المسلحة تتولى أمرها بنفسها، . . .
تتمثل المعركة السياسية الجنوبية اليوم في أهمية حشد كل الطاقات السياسية الجنوبية نحو قضية مركزية واحدة وهي قيام إطار سياسي موحد يعبر عن الكيان الجنوبي ويؤمن حق التنوع والتباين والتكامل بين مختلف القوى السياسية الجنوبية المؤمنة بالتحرر والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة، وهذا لن يتأتى إلا من خلال لقاء وطني جنوبي شامل يفضي إلى قيام جبهة وطنية عريضة تستوعب كل القوى السياسية الجنوبية من مكونات حراكية وأحزاب وتنظيمات سياسية وشرائح وفئات اجتماعية ونخب ثقافية وفكرية وأكاديمية وحقوقية وشخصيات وطنية واجتماعية وسياسيين مستقلين لتولي مهمة قيادة العملية السياسية التي ينبغي أن تتناسق مع العمليات العسكرية على جبهات المواجهة بغية الوصول إلى الهدف النهائي وهو التحرر والاستقلال واستعادة دولة الجنوب كاملة السيادة.
مرة أخرى نؤكد ما قلناه مرارا: لا يمكن للجنوبيين أن يندمجوا اندماجا كاملا في كيان سياسي واحد، فلكل مكون واتجاه وإطار سياسي حقه في التميز والاختلاف والاستقلالية عن الآخرين، لكن هذا التميز والاختلاف والاستقلالية لا يقتضي بالضرورة أن يكون المختلفون أعداء لبعضهم متصارعين مع بعضهم، خصوصا وإنهم يلتقون عند معظم القضايا والشعارات والأهداف التي يناضلون من أجلها، وفي مقدمتها الحرية والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية الحرة الديمقراطية التعددية كاملة السيادة على مساحة الجنوب الممتدة من باب المندب وجزر حنيش وزقر وميون وكمران غربا حتي حدود المهرة مع سلطنة عمان شرقا.
لم يعد من الممكن تأجيل قيام الجبهة الوطنية الجنوبية العريضة المعبرة عن وحدة القوى السياسية ووحدة المقاومة الجنوبية على طريق الحرية والاستقلال وكل تأخير إنما هو في خدمة تأبيد حالة التبعية والاحتلال.