شتان بين من حدد طريقهُ بوضوح تام، وسيقف بين مفترق طريقين. فالأول: متحرر من عوامل الإرباك والارتباك الذاتية، وبوضوح رؤيته/هدفه _كإطار عام_ يمتلك كفاءة التعاطي مع العوامل الموضوعية، كفاءة توفرها الرؤية الواضحة، ولذلك فهو يتحرك وسط تعقيدات الصراع، مستغلاً كل الفرص المتاحة دونما التفاتٍ إلى الوراء، فالوضوح أسقط عنه كل أسباب التردد، فكأني به يجسد قول الشاعرالعربي: "إذا كُنتَ ذا رأيٍ فكنْ ذا عزيمةٍ * إنَّ فسادَ الرأيِ أن تَترَدَّدَا". إذ أن كل خطوة إلى الأمام تعني تقدم جديد لبلوغ نهاية الطريق (=بلوغ الهدف). أما الثاني:فإن تنازع طريقين له، سوف يقف بينهما غير قادر على تحديد مساره، أي أنه وقع في فخ انفصام الرؤية-الهدف، وهنا تصبح الإرادة مشطورة غير قادرة على إنتاج إجابة، لا نظرية ولا عملية، عن السؤال البديهي لكل إرادة فردية أو جماعية: ماذا يريد الفرد أو المجموع؟؟ وفي هذه الحال يغدو اللامتعيّن مؤطراً بالتردد والغموض، هو السمة المائزة لرؤية كهذه، والنتيجة غياب الفعل-الانجاز، حتى على الصعيد الشخصي، فما بالك بموقف كهذا في مضمار حرب تجلِّي الصراع العنيف بين إرادة شعبين وهويتين، كما هو حال الحرب الدائرة في أرض الجنوب وعليها؟! زد إلى الحقائق الجديدة التي أضافتها هذه الحرب، بدخول عنصر تقاطع وصراع المصالح الإقليمية والدولية فيها؟؟! (الخلاصة: أنَّ من يسير في طريقين يستحيل أن يبلغ نهاية إحداهما، دعكَ من كليهما) إن الفارق بين الأول والثاني، كالفارق بين من يعرف بوضوح ما يريد، ومن يجهل ما يريده أو تتوزع إرادته فتتوه. وانطلاقاً مما سلف وتأسيساً عليه؛ أعتقد جازما، بأن ذالك ماتعاني منه #المقاومة_الجنوبية الباسلة في هذه الحرب (=حرب إعادة إنتاج موت الاحتلال في الجنوب من قبل الحلف الجديد-القديم: الحلف الحوفاشي) سيما مع دخول تحالف #عاصفة_الحزم العربي فيها بالصيغة-الذريعة المعلن عنها، والخضوع للذريعة وأدواتها، ليس في إدارة الحرب وحسب؛ بل وفي تجاهل جملة الحقائق الموضوعية،.التي _بنظرنا_ أبرزها: 1- تجاهل موضوعية قضية شعب الجنوب الوطنية، بأنها أساس أزمة سلطة الاحتلال في ((صنعاء))، وما أفضت إليه من تداعيات، أفضت هذه الحرب وتشابكها المعقدة. 2- تجاهل ثورة شعب الجنوب السلمية، وهدفها التحريري (قيادةالتحالف تدرك ذلك، لكنها ما برحت تغلب الشكلي على الماهوي-المضموني، للإبقاء على واجهة ذريعة تدخلها). 3- إن أدوات شرعنة تدخلها العسكري، المهزومة في((صنعاء))، لم ولن تملك قبولاً في الجنوب المقاوم، ناهيك عن شرعية من أي نوع، بل تمثل الوجه الآخر للاحتلال الذي يشن حربه القاسية على الجنوب بغية إعادة الحياة فيه في الواقع، أما في النفوس فقد أفضت جرائم الاحتلال ضد الانسانية، وجرائم الحرب والإبادة الى ما يمكن وصفه، بصراع البقاء والوجود بين شعبين وهويتين (=عد _إن شئت_ إلى موضوع سابق للكاتب بعنوان :من الرياض إلى جنيف ..الاحتلال يعيد نتائج موته في الجنوب ) 4_ أن لا مقاومة للحلف الحوفاشي، مقاومة فعلية إلا في الجنوب، برغم عدم تكافؤ القوة، أما في مناطق ومحافظات الاحتلال (ج.ع.ي)، فليست سوى ضرب من المغالطات، وإذ سقطت الجوف بيد الحوفاشية، فإن مأرب قاب قوسين أو أدنى من السقوط.. ولا نظن أن قيادة التحالف العربي، تجهل أسباب صمود #المقاومة_الجنوبية والإصرار على تحرير الجنوب من الغزاة، وإنما تتجاهل إرضاءً لما تسمى بالقيادة الشرعية، دونما تقدير للمخاطر المترتبة عن سياسية كهذه على سيرورة الحرب ونتائجها. 5_ إن استناد التحالف العربي ولا سيما المملكة العربية السعودية، على المهزوم في (صنعاء) وغير المقبول، في (عدن) _إن لم تقل: الوجه الاخر لعملة الاحتلال_ في إدارة المعركة، هو أشبه بطلب لبن العصفور، أي طلب المستحيل في كسب الحرب، وما الحقائق القائمة على الأرض منذ ثلاثة أشهر إلا دليل دامغ لهذه الحقيقة. 6_أن دوران التحالف العربي حول نص المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار، هو أشبه بالدوار، ولم يحقق أهدافه إلا بالخروج عن النص ظاهراً أو باطناً، وذلك لتحقيق أحد أهدافه، أي تأمين مضيق باب المندب، وذلك عبر الإقرار بحق شعب الجنوب في التحرر والاستقلال. *** عموما ..نعود إلى عنواننا.. وبإيجاز مفيد ما أمكننا ذلك.. فنتساءل: لماذا المقاومة الباسلة في الضالع، وحدها سطرت ملحمة نصر، أشبه بالمعجزة؟؟!! إذ كانت مدينة الضالع وضواحيها محاصرة بالمعسكرات والثكنات والمواقع المحصنة، كالخاتم على البنصر منذ عام الاحتلال 1994م، لم تكن الضالع تملك من العتاد والبشر ماتملكه شبوة على سبيل المثال، لكنها حققت نصراً، صحيح أنها قدمت وما زالت تقدم قوافل من خيرة وأشرف وأشجع رجالها وشبابها: شهداء وجرحى في سبيل دحر الاحتلال وتحرير الأرض من دنسه.. لكنها تدرك أن ثمن الحرية _دائما_ باهظاً. فلماذا لم يتحقق تقدم للمقاومة في شبوةوأبينوعدن، وردفان حيث تتجمع قوة بشرية وعسكرية في (سيلة بله) منذ ثلاثة أشهر ولم تتقدم شبراً واحداً؟؟ إن الشيفرة _بتقديرنا_ لم تعد سراً مغلقا، إنها مكشوفة تماماً، إنها انفصام الرؤية وازدواجية الولاء_للأسف_ لدى بعض القيادات التي منحت ثقة قيادة #المقاومة_الجنوبية بخوض معركة التحرير، فإذا بها تمنح ولاءها لمن أصدر قراراً بها _عن بعد_ وتخضع لأوامره دونما مناقشة وإبداء الرأي، من منطلق إنها هي القادرة على تقدير المواقف وفقاً لسير الحرب على الأرض من جهة، واستغلال فرص ضعف العدو أو التخطيط والتنسيق بين جبهات المقاومة لتضييق الخناق عليه لتحقيق النصر من جهة ثانية، زد إلى حاجة الشعب المحاصر في الجنوب لفك الحصار عنه، كما فعلت المقاومة الباسلة في الضالع، التي لاريب، في أن ملحمتها العسكرية ما كانت ستتم، لو أنها وقعت في فخ انفصام الرؤية والولاء.. فهي إذ صمدت شهرين بوجه قوات الاحتلال 25/مارس _25/مايو، خططت وقررت ووحدت الفعل والإمكانيات، لتحطم رأس الأفعى (=المعسكرات والمواقع العسكرية المحصنة) التي كانت تطوق المدينة وضواحيها في 25مايو2015م _كما سلفت الإشارة_ ولم تنم على هالة المجد الذي حققته، فما برحت تقاوم وتقدم المزيد من أشرف وأكرم الرجال والشباب:شهداء وجرحى (=الكثير من الجرحى ممن إصاباتهم بليغة لم يجدوا العلاج، حيث يحتاجون للتدخل الجراحي المعقد، لانعدام الوسائل الطبية في الضالع ويافع بسبب الحصار المفروض من قبل قوات الاحتلال). ولا ريب بأن هذه الحقيقة المؤلمة، تمثل مظهراً من مظاهر ارتباك قيادة تحالف #عاصفة_الحزم في إدارة الحرب، إذ أن من بين عناصر خطة الحرب بالتأكيد هو عنصر تأمين علاج الجرحى.. وطالما الحرب الفعلية تدور على أراضي ومدن الجنوب الثائر _المقاوم، فإن مسؤولية التحالف العربي، وفي صدارته المملكة أيضا العمل الجاد والحازم لتأمين منفذين لإخراج الجرحى _على الأقل_ الأول: عبر عاصمة الجنوب (عدن) لجرحى عدنولحج والضالع، والثاني: عبر شبوة لجرحى شبوةوأبين.. وهذا لن يتاتى إلا بتحرير طريق _لحج_ عدن وتأمين طريق من أبين إلى شبوة.. ولكن الوقائع _على مدى ثلاثة أشهر من الحرب_ تقول: إن هذا العنصر مغيب، بل أُسقط من حسابات الحرب، ولذلك تم تجميد مقاومة ردفان ويافع في (سيلة بله) وهو ما يضع خلف هذا التوقيف عدداً كبيراً من علامات الاستفهام حول الدوافع والأجنده غير المعلنة عن تأجيل تحرير مدينة (عدن) التي تعيش كارثة إنسانية، حيث غدا من يموتون بالأوبئة والأمراض بمستوى من يسقطون شهداء بقذائف وصواريخ ورصاص قوات الاحتلال، إن لم يكونوا أكثر، أي أن الأمر يتعلق بقرار تأخير تحرير (عدن) وليس باستحالة تحريرها.. إن التساؤل ب(لماذا؟) لم يعد مطروحاً بعد ثلاثة أشهر من الحرب، وإنما استقراء الخلفيات والدوافع، يكشف خطر ربط تحرير (عدن) بغير الجنوبيين، أي بقوة غير جنوبية، وبالتالي إخضاعها لإدارة إقليمية أو دولية، باستقلال عن خريطة دولة الجنوب السياسية (=وهذا يذكرنا بالمخطط القاتل الذي تحدث عنه القائد أحمد عبدالله الحسني عام 2012م، بما هو مخطط ينهي وجود الجنوب كدولة وكشعب من الخريطة).. أَوَليس من مصلحة التحالف تحرير (عدن) وكل الجنوب؟ فلماذا التباطؤ والتأخير؟؟! إننا هنا لا نوجه اتهاما إلى التحالف العربي، وإنما نعبر عن حقوقنا، وهذا حقنا، كأفراد وشعب يقدم أغلى ما يملك في سبيل حريته واستقلاله، وهو _كذلك_ حق مشروع يمنحنا ليس حق التساؤل وحسب، بل وحق الحيطة والحذر، وإعداد الذات لمواجهة كل الاحتمالات حتى يثبت العكس تماماً.. (=لن يتنكر شعب الجنوب، ومقاومته الباسلة لدور التحالف العربي بقيادة المملكة الشقيقة، في دعم صمود المقاومة الجنوبية، وسيتم الحفاظ _بالتاكيد_ على هذه العلاقة بمايحقق مصلحة الطرفين في الحاضر والمستقبل ). *** أيها الجنوبي المقاوم.. يا من تحمل الأمانة عن الشهداء والجرحى؛ لماذا تقاتل؟؟ لماذا كل هذا الاستعداد العالي للتضحية؟؟ ألم تقاوم قبل هذا اليوم بصدرك العاري، سلمياً، رافعاً عَلَمَك وهدف شعب الجنوب: التحرير والاستقلال؟؟ إن كل جنوبي حر، في الداخل والخارج، المقاوم والداعم والمساند والمنتظر دوره، معنيون جميعاً بالرد على السؤال: لماذا وعلامَ نقاوم؟؟ أن نقاوم؛ فأمر لم يعد موضوع نقاش بعد كل هذه التضحيات، لكن الاكتفاء بالمقاومة المسلحة وحدها، دون التفكير بما بعدها يعني: 1- إن قتال الاحتلال غداً بحد ذاته هو الهدف، لتغدو المقاومة ضرباً من الثأر السياسي وحسب. 2- إن المقاومة الجنوبية _بالفعل_ تقع في الدائرة المعلن عنها (=سلطة الاحتلال، أو ما توصف بالسلطة الشرعية) !!. 3- غياب الرؤية السياسية الواضحة والموحدة، للتعاطي مع ماهية الصراع الذي تمثله الحرب القائمة وعن كيفية استثمار هذه الفرصة التاريخية لخدمة قضية شعب الجنوب الوطنية وانتصارها.. وهذا _إن لم يفكَّر به_ يمثل خطراً سياسياً يسهل للعدو استغلاله، لا شك بأن التعقيد أمام قضية شعب الجنوب الوطنية صار أشد مما كان عليه سابقاً، لكن مسار الحرب _كما تكشف معطيات الفترة الماضية_ يقدم للمقاومة الفرصة الذهبية، حيث لا يساعدها على بناء قوتها الخاصة وحسب؛ بل وبما يمكّنها من إيصال قيادة التحالف العربي إلى قناعة بأهمية وضرورة الأخذ بمطلب شعب الجنوب إذ كلما ينبغي _ينتظرنا_ هو عدم الوقوم في فخ انفصام الرؤية-الهدف، والتركيز على هدف تحرير الأرض والسيطرة عليها، وتوفير أسباب وعوامل احتمالات خطر وأد القضية، وإهدار تضحيات شعب الجنوب لصالح أجندة الاحتلال، بتعبير آخر: وضع البدائل-إعدادها، لاحتمالات خطر تقديم الجنوب: الأرض والإنسان، وتضحياته الكبيرة قرباناً لتسويةٍ ما، (=عد إلى مقالاتنا المعنونة "حتى لا يكون الجنوب قرباناً) حيث استقرأنا المؤشرات والمعطيات المنذرة بحدوث هذا الخطر القاتل، ومن ثَمّ ما على المقاومة الجنوبية الباسلة النهوض به للحيلولة دون وقوعه، أتصور أن جل القراء الكرام، إن لم يكونوا جميعهم، سيقولون أن شعب الجنوب سيقاوم بمساعدة التحالف: #عاصفة_الحزم ويقدم كل هذه التضحيات في سبيل تحرير أرضه واستقلاله؛ لا اعتراض، ولكن هل الوقائع والحقائق السياسية -في الواقع- تؤكد ذالك؟؟ نوهم أنفسنا إن أجبنا بالإيجاب قطعا،ً ونخطئ لو ردينا بالنفي قطعاً.. لأن ما وفرته الحرب القائمة للجنوب المقاوم لا يحتاج إلا إلى فهم ماهية الصراع أطرافه أجندته، ومن ثم التعاطي السياسي الواعي والمحنك من قبل #المقاومة_الجنوبية أولاً، معها العقل السياسي الجنوبي ثانياً، تعاطي سياسي هادف، يرقى إلى مصاف المقاومة الملحمي، أي تأطير المقاومة المسلحة بديناميكية سياسية تستوعب سبل وعوامل بلوغ الهدف المركزي، ليس بتوحيد القيادة والهدف وبسط السيطرة على الأرض فحسب؛ بل وفي التأثير على الأحداث بما يؤثر على القرار الإقليمي لصالح هدف شعب الجنوب، عموماً.. إن انفصام الرؤية/الهدف، وسط #المقاومة_الجنوبية له مخاطره ولعل من تجلياتها التالي: 1- عدم وجود قيادة عسكرية سياسية موحدة، تنسق وتنظم وتخطط لإدارة المعركة مع الاحتلال. 2- غياب الرؤية السياسية الموحدة لدى المقاومة، ل(=الهدف الموحد) ومن ثم وحدة التعاطي الساسي الهادف مع ماهية الحرب وأجندتها وأطرافها، وكيفية استثمار المناخ لخدمة هدف تحرير واستقلال الجنوب. 3- ازدواجية الولاء بين الولاء للجنوب-الوطن، والولاء لقيادة الاحتلال _فالرضوخ لتوجيهاتها_ كما أسلفنا. 4- غياب المبادرة من قبل قيادة المقاومة ومن السياسيين لتوحيد الرؤية القيادة. 5- تجاهل خلفيات ودوافع تأخير تحرير ((عدن)) وإخراج حضرموت والمهرة من الصراع (=لا جنوب بدون حضرموت، ولا حضرموت بدون الجنوب) أليس مقلقاً ومثيراً للخوف وضع كهذا؟؟! - انتهى -