صباح الفل اللحجي الحزين ..الشامخ رغم الحزن في زمن الانكسار ..تضوع رائحته وتحاول الصمود أمام روائح الحرب ..الدم ..الموت والدمار لا بل وتنتصر عليها ..امام رائحة الحرب هاهي رائحة الفل اللحجي تنازلها بكل ضراوة لتكسب جولتها الاخيرة في صراع الحياة. هي لحج الأرض التي نحبها بل نعشقها حتى في خرابها الأخير كيف لا وهي التي احبتنا رغم كل شيء, انتهت الحرب وفرح اللحجي بأن معاناته في كل تفاصيل حياته ستنتهي لكنها ازدادت وتفاقمت ..الفل لم يزل حزينا ..والحياة هنا في لحج تهددها عراقيل عدة ككل المناطق التي طالتها الحرب , يخاف الناس من منظومة فساد جديدة أن تحكمهم , من جماعات متشددة لاتنتمي للحياة , من ذات الظروف المعيشية الصعبة وذات الخدمات المتردية ..من انكسار الإنسان وهوانه على أرضه وبين ناسه , ذلك الخوف يجب ألا يشكل عائقا أمام الجميع حتى وإن تكرر ما سبق ..لحج ما قبل الحرب ليست لحج ما بعدها ذلك ما آمله وأظنه ويظنه الجميع رغم أن الأمل والظن الحسن وحده لايكفي فالحياة الكريمة تتطلب قدر كبير من الشجاعة والعمل . الأوطان لا تصنعها الأمنيات ..لا الكلمات بل المواقف الوطنية الصادقة وللأسف الكثيرون حول السلطة والقليلون حول الوطن وهمومه , وتلك الأقلية أمامها طريق شائك من العراقيل والصعوبات وتركة فساد ضخمة جدا .. ولخصوصية وضع لحج ماقبل – وبعد الحرب بواقعية شديدة علينا أن نفهم ونستوعب جيدا كل تلك الصعوبات , ومن الواقعية ايضا ألا نيأس ونستسلم كالسابق فهناك شعوب وأمم قبلنا ومدن مُسحت تماما لكن إراده الإنسان وروح الجماعة كفيلة بصنع الأوطان .
الدمار الذي حل في لحج عليه أن يُفيق روح الإعمار والمبادرة ..لكل الفئات ..الجهات الحكومية التي اهملت لحج طيلة الحرب فلا مساعدات ولا إغاثة ولا إعلام محلي أو دولي أنصفها رغم الوضع الإنساني والبيئي الكارثي الذي عاشته وتعيشه المحافظة الآن . أو الجهات الغير حكومية من مبادرات آن آوانها أن تتشكل وتعمل بجهد على أرض الواقع .
الشكر الجزيل موصول لعمال الكهرباء الذين يعملون بصمت وجهد , لكل الذين يعملون في نزع الألغام في المناطق السكنية وفي القرى , لكل الجهود التي حاولت الإغاثة بالدواء والغذاء رغم قلتها ورغم أنها لم تصل للجميع كل ذلك يدل أن الخير موجود ولالمطلوب فقط أن يصبح قويا وكثيرا فلحج مكتظة بشباب مخلص لها ويحبها ومليئة بكوادر وخبرات وشباب يجب أن يُدعم ويُشجع للبناء والعمار ولا يُترك للتخريب في وطنه , تلك الكوادر من نساء ورجال عليها أن تتقدم الصفوف الأمامية الأن وبسرعة ولا تسمح لمن لا يستحق أن يستمر في التخريب والدمار وعلينا أن نشارك في كل الجهود في النظافة والإغاثة وغيرها فتلك مسؤولية الجميع .
تجولت في الحوطة ليومين لم تكفيني بعد لتصوير كل الخراب ,,أو تفقد كل الحارات والإستماع الى حتى جزء بسيط من قصص الحرب المؤلمة ..الوقوف على اطلال مدرسة المحسنية التاريخية وحدها تطلب ليلة طويلة حتى الفجر غرقت فيها بالدموع ..منازل نسفت واخرى تدمرت بقصف الطيران , مباني ومنشأت حكومية وخدمية تلاشت تماما , مساجد , مدارس , دكاكين على طول الشارع الخلفي والأمامي ..ناهيك عن دمار القرى من بيوت ومدارس , انتهى كل شيء شكليا ولم تنتهي الأوجاع ويبدو أنها لن تفعل ! الحرب الحقيقية تبدأ الأن لمحاربة كل أعداء الحياة ومانعيها في أن تدور عجلتها من جديد . نعلم جيدا أن لحج ما قبل الحرب لم تكن البيئة الصالحة للحياة , قوى الشر والفساد التي سيطرت عليها مابعد الوحدة أحالتها لخراب , أرض بور لم يعد ينبت فيها شيء , تاريخ الحسيني وذكريات الأرض الخضيرة التي تسقي الجميع الأهل والجيران لم تعد سوى ذكرى أغنيات القمندان نسمعها بصوت فيصل علوي ..نتألم ونتحسر على تاريخ جميل استطاع الشر أن يعبث به وقوى الخير ظلت أمامه عاجزة عن الدفاع .
هل مقدر للحج أن تبقى أرض الفل الحزين وكما وصف الصحفي والروائي الفلسطيني الكبير غسان كنفاني أرضه بأنها أرض البرتقال الحزين ولم ينكف عن الكتابة عن قصصها وأوجاعها , هل سيغمرنا اليأس ونحن لا نكتب إلا عن أوجاع لحج وأحزانها .. ماقبل الحرب ..عن دمارها الإنساني ..أزماتها في الماء والكهرباء , ثورات المجاري المستمرة , التربية والتعليم التي أضحت في خبر كان , كل الفساد الذي ينخر في كل المنشأت الخدمية في المحافظة الحكومية والخاصة ,غياب المجتمع المدني وفراغ الشباب الذي , الطواهيش الذين نهبوا مقدرات المحافظة لسنوات طوال في كافة المجالات وغيرها من المآسي التي ظلمت البشر وسلبتهم حقهم في الحياة .
أما ما بعد الحرب أضف الى ما سبق دمار الحرب ..ليس الشكلي فقط بل النفسي ..إنكسار الأرواح كيف له أن يُجبر ,,بأن تعود الحياة الى لحج من جديد ليست الحياة الميتة التي كنا نعيشها في السابق بل أقصد هنا حياة تليق بالإنسان ..لحج التي قدمت خيرة شبابها ورجالها مقاتلين في كل الجبهات ..وأرضها التي رُويت أخيرا بالدماء الغالية بعد سنوات من الحرمان والجفاف .
عادت الأسر اللحجية الى ديارها ولكل منها قصة طويلة ومؤلمة في النزوح وهناك من عاد ليجد بيته حطام وهناك من لم يعد فكل منا لديه أحبة وأهل وجيران , معاريف من قريب أو بعيد , نساء شيوخ ..أطفال وشباب في عمر الزهور طوت الحرب صفحة حياتهم لتتركنا في ألم وحسرة لفقدهم . عاد شباب منتشون بنصرهم الى الديار ولم يعد رفاق لهم في الساحة , عادت أجسادهم باردة مخضبة بالدماء , عاد رفاقهم يحكون قصص بطولاتهم ولحظات استشهادهم . ولم يعد بعد العديد من المخفين لم يزل أهلهم , لم تزل الأمهات ..الزوجات والأبناء في حسرة وألم وانتظار مخيف ..! ومن لكل هؤلاء من منقذ ومعين ؟!
لحج الأن دون ماء .. ونحن في فصل الصيف الحار حيث المحافظة العريقة , الخضيرة التي تسقي عدن وما جاورها أهلها عطشى لرشفة ماء لا بل أصبحت " البوز" ملاذهم الوحيد رغم أرتفاع اسعارها ..هناك من يقدر على الشراء وهناك من لايقدر ..محافظ لحج الجديد أين هو من كل هذه المعاناة لا أدري أن يعيش الأن بالتأكيد إن كان في لحج سيكون حاله مثلنا , يسجل اسمه عند صاحب البوزة وينتظر دوره إلى أن يأتي أن يشاركنا المسؤولون الجدد معاناتنا اليومية تلك ذلك يخفف عنا الكثير لكن الكثيرين طيلة الحرب يتحدثون عن الوطن والوطنية والبطولة ولربما لم يسمعوا رصاصة واحدة في حياتهم .
على لحج ان تغلق ملف كل ما سبق من مسؤليها الفاسدين ويجب أن يتم التعاضد حول كل من يريد أن يعمل بصدق من أجل الناس وعدم السكوت على من يريد عكس ذلك فلحج لا يليق أن يحكمها ويضمد جراحها الإ من يحبها حقا ويعمل من أجلها بصدق . فاللحوج على امتداد التاريخ شرفاء ..أبطال أراهم في نظري كذلك وأفخر أني منهم فتكيف اللحوج طيلة الحرب مع ظروف معيشية صعبة , وهم في القرى أو في محافظات مجاورة يدعو للفخر حيث تأقلموا مع كل الصعوبات وعاشوا رغم انه لم تصلهم طيلة الحرب أي اغاثة تذكر ..ناهيك عن الذين لم يغادروا الحوطة قط منذ أول رصاصة حرب إلى آخر رصاصة فرح بالنصر .
الحياة الكريمة تليق بلحج ومن حقها والحياة الكريمة ستشكل نقطة مهمة في جبر ضرر الحرب , أهالي الشهداء سيفخرون بأن دماء أبنائهم صنعت حياة تليق بالمستقبل ..فللحرية ثمن وللحياة الكريمة ثمن أيضا ..وإن كنا تخاذلنا لسنوات طوال عن الإنتصار للإنسان فينا , أتمنى أن تجر الحرب الأخيرة كل ما سبق والأوجاع التي تشاركنها جميعا بسبب هذه الحرب تخلق إرادة وعمل وطني حقيقي من أجل الجميع ومن قبل الجميع , من أجل لحج كي لايبقى فلها حزينا !