الجنوب بعد الحرب بالتأكيد لن تكون كما قبلها ، تماما مثل الحالة الجيوسياسية ،التي ستنشأ في اليمن شماله والجنوب ،بعد أن تضع الحرب أثقالها ونتحسس جميعنا ،في الأذهان والقلوب خطاياها .فقد صنع شعب الجنوب اليمني لأنفسهم في الثمان السنوات الماضية من عمر ثورة الحراك الجنوبي صورة بطوليه في الشجاعة,في مقاومتهم الظلم والغطرسة والاستبداد. من أجل استعادة حريتهم وسيادتهم على وطنهم, بعد أن انتزعتهما منهم المؤسسة العسكرية والقبلية والدينية والتجارية الحاكمة في اليمن,والتي احتلت الجنوب في صيف عام 1994 وحولته إلى مزرعة مستباحة لهم وأقاربهم وأتباعهم ورجال خدمتهم المطيعين. وأعتقد أن شعبا تعرض للظلم والاستبداد والقتل, وحورب بجميع أنواع الأسلحة الاقتصادية والسياسية والعسكرية, بما فيها الأسلحة الفتاكة, وبقي يقاتل وحيدا على الرغم من إجماع دول العالم على عدالة قضيته,أضطر إلى إن يقاتل بسلاحه الشخصي التقليدي, كما فعل الشعب الجنوبي. حيث أثبت أبناء الجنوب عامة, وأبناء عدن خاصة أنهم, على الرغم من المظاهر المسالمة لثقافتهم ومدنيتهم, ثوّار مقاومون أكثر شراسة وجلدا ومراسا في القتال مما كانوا هم أنفسهم يتصورون. لكن, بمقدار ما أبداه شعب الجنوب من الشجاعة والإنجاز في ميدان القتال, ظهروا, في المقابل, شديدي الضعف سياسيا, أو فاقدين الحد الأدنى من الخبرة في هذا الميدان.. فقد توفرت كل العوامل الموضوعية لنجاح الثورة الشعبية الجنوبية, والتي تحظى بدعم ومساندة الملايين من جماهير الشعب الجنوبي. لكنها لم تفلح حتى الآن في إستثمار اللحظة التاريخية لأحداث تغيير جدّي في التوازن السياسي لصالح تلك الملايين.. فلن يقبل الجنوبيون بتسويات مذلة تحددها الأطراف المتصارعة على كرسي الحكم في اليمن ، أو تحددها دول التحالف العربي بقيادة السعودية, وليس أمام المتحاورين والمنظومة الدولية الراعية للحوار ,سواء الإنتصار لتطلعات الشعب الجنوبي, ومشروع بناء الدولة الجنوبية الديمقراطية المستقلة التعددية اللامركزية كاملة السيادة على ارض الجنوب والذي لن يأتي بالتمنيات بل بالتضحيات. لهذا لن نستطيع أن نقطف ثمار تضحياتنا العظيمة كشعب بالشجاعة والتضحية وحدهما من دون سياسة. حيث تتطلب السياسة التصور الواضح للشروط السياسية للمعركة التي نخوضها, وليس للشروط العسكرية فحسب. وتحديد أهدافنا النهائية وأهدافنا المرحلية بدقه. وتنظيم تحالفاتنا الدولية ومعرفة درجة رهاننا على كل منها وتنسيق جميع مواردنا الداخلية والخارجية, لتحقيق أهدافنا, وذلك كله يستدعي, قبل أي شيء آخر, احتفاظنا بسيطرتنا على قرارنا الوطني الذي من دونه لن نستطيع أن نبلور خطة عمل, ولا أن نتابع تنفيذها ونراكم مكتسباتنا في الميادين الداخلية والخارجية, ونبني صدقيتنا لبنة لبنة, ونكتسب ثقة الجنوبيين والدول الأخرى وعمق علاقتنا بها, حتى نستطيع, عندما نستعيد دولتنا الجنوبية, أن نستفيد من الشرعية التي أكتسبناها بتضحياتنا, لإنتزاع تأييد المجتمع الدولي لحقنا في إستعادة دولتنا التي تنسجم مع القيم والمبادئ التي خرج من أجلها الجنوبيون . وضحوا بأبنائهم من دون حساب ، دفاعا عنها .فقد ظلت مأساة الجنوبيين قائمة تحت مسمى الوحدة, وشعاراتها البراقة .بل الادهى والأمر أن الجنوب مورس بحقه النهب لكافة المقدرات ودرجه عاليه من الأستخفاف بحكم بعد هولاء عن قبضة السلاح ما جعلهم يبدون الطرف الذي يتعاملون معه بتجاهل تام بعد أن تمكنوا من خلق توافق دولي وأقليمي مع ما مارسوه من وهم وتضليل عبر اللعب بأدوار كثيره.لهذا كانت عاصفة الحزم ومعركة السهم الذهبي التي نفذتها دول التحالف بقيادة السعودية, نقطة تحول مركزيه, و فارقه في مسار الاحداث والتطورات على الساحه اليمنيه عامه والجنوب خاصه, حيث تمكنت المقاومه الشعبيه الجنوبية, المسنوده من قبل دول التحالف من تحقيق النصر, وتحرير كل المدن الجنوبية, من مليشيات الحوافيش.مما مكنها من الحضور بقوه في المشهد السياسي اليمني, مما خلق حالة خلط في أوراق المجتمعين الدولي والأقليمي على ما فيه من تغير واسع النطاق على الصعيد الداخلي ايضا. لم تعد المقاومه الشعبيه الجنوبية في زاوية ردفان والضالع التي أحرقت عبر سلسلة من الهجمات المتتالية الذي شنها النظام السابق منذ أنطلاق ثورة الجنوب السلميه عام 2007 ,كما أن من المستحيل أصلا جعل المقاومه الشعبيه الجنوبية يتخلون عن نصرهم هذا الذي لم يكن ليأتي إلا بشدة بأسهم وآمالهم الواسعه في الحياة بحريه,ودعم ومساندة دول التحالف بقيادة السعودية, وهو طموح دون ريب مشروع لكتلة بشريه بحجم شعب الجنوب الذي كان دولة مستقله ومعترف بها في الاممالمتحدة قبل عام1990, ولا يمتلك العالم إلا التعاطي معها والأعتراف بها بأعتبارها تمثل أرادة جماهيريه واسعة النطاق لشعب الجنوب الذي قاوم الظلم بضراوة..فما الذي يدفع السعودية على بقاء موقفها الرافض لأستقلال الجنوب, بعد ما تأكدت أن الحوثي ورقة من أوراق اللعب التي يستخدمها صالح لتوريث الحكم لنجلة احمد علي.والاشد غرابة ما بدرت من تصريحات لبعض المسؤلين في دول التحالف العربي بقيادة السعودية, تجاه الجنوب, و التي لاتوحي بجديد يذكر في طبيعة العقليه اليمنيه ونظريتها الجزئيه للجنوب,والتي تعتبر بعيده كل البعد عن الواقعية والأحساس بطبيعة معاناة شعب كانت له دولته بعلمها ونشيدها وحضورها على المسرح الدولي, إنهم يتحدثون عن تحقيق العداله ورد المظالم كما أن أشياء عينية مادية قد سلبت منا يمكن التعويض عنها, متخطين حقائق التاريخ وحقوق شعبنا الجنوبي المشروعة في إستعادة دولته. إن ما قاله وزير الخارجية السعودي " عادل الجبير " عن اليمن وتمسكهم بوحدته ،خلال كلمتة أمام مؤتمر ميونخ للأمن .هو موقف السعودية ودول الخليج عن مصير اليمن بعد الحرب ،لان الكلمات أعلام وشواهد لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل ،فالجبير وزير خارجية وليس مراقب أو محلل سياسي ،وما قاله هو حقيقة موقف السعودية ودول الخليج تجاه القضية الجنوبية وكما يقال " كل إناء بما فيه ينضح " .وفي إعتقادي إن موقف السعودية ودول الخليج تجاه القضيه الجنوبيه لا يقدم ولا يأخر ،إذا لم يكن هناك ضوء أخضر من امريكا في ما يخص مصير الجنوب بعد الحرب .لان الموقف الامريكي والدولي تجاه القضيه الجنوبيه هو الأهم من الناحيه السياسيه ،أما السعودية ودول الخليج فأن قرارها السياسي بيد أمريكا ،وما تريد
ه أمريكا هو الذي سينفذ ،على الكل .والدليل على ذلك موقف السعودية ودول الخليج حينها المؤيد للإنفصال في حرب صيف عام 1994 ،الذي ذهب ادراج الرياح ،لان الموقف الامريكي والدولي حينها كان مع اليمن ووحدته .لهذا فأن موقف أمريكا والمنظومة الدولية التي لا يمكن لسلطة أن تقوم وتستقر من دون إعترافها وإدماجها فيها ،هو الأهم بالنسبه لمصير الجنوب بعد الحرب . فهل تكرر أمريكا والمنظومة الدولية نفس الاسطوانة المشروخة التي طالما رددها اطراف النظام السابق " أن مستقبل اليمن يكمن في الحفاظ على وحدته ". أم إن الظروف تغيرت والتحالفات تبدلت وفقا لمشروع الشرق الأوسط الجديد ، وستدرك أمريكا والمنظومة الدولية أخيرا ،بعد كل هذا الحرب والخراب أن فكرة,,دار معمور ولاقرية خراب,, هي التي يمكن أن تجسد بعودة الدولة الجنوبية التي يمكنها أن تحفظ للمنطقة شيئا من الجوانب الأمنيه المفقودة ..