لست ممن يؤمنون بنظريات المؤامرة، التي تملأ سماء عالمنا العربي، والتي نجيد صياغتها عند مواجهة أي نوع من التحديات، ولكن يظهر أننا في زمان أصبح خالياً من المسلّمات ومليئاً بالمتغيرات، والأمر الذي كنّا لا نؤمن بصحته قد نراه واقعاً أمامنا ومدعوماً بالوثائق والحقائق.
التشويه المبرمج للمسلمين وترسيخ النظرة النمطية السلبية عنهم في وسائل الإعلام لم يعد تكهناً، وإنما حقيقة أثبتتها دراسة علمية حديثة نشرت نهاية عام 2015 من مركز دراسات كندي (416 labs) في تورنتو، هذه الدراسة اختارت التركيز على صحيفة أميركية واسعة الانتشار، وهي صحيفة نيويورك تايمز، ومن خلال درس إحصاء وتحليل لمواضيع وعناوين هذه الصحيفة لفترة ال25 سنة الماضية، وجدوا أن الصحيفة تمكنت بنجاح من رسم صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين، أكثر من الصورة السلبية عن أكثر الأمور ضرراً كالإصابة بالسرطان وإدمان الكحول والمخدرات.
التخوف من الدين الإسلامي والمسلمين أو ما يسمى ب«الإسلام فوبيا» أمر كشفت هذه الدراسة عن التخطيط المبرمج لنشره وترسيخه لدى الشعوب الغربية.
بعد متابعة الدراسة التحليلية لأكثر من مليونين و600 ألف مقالة وعنوان للصحيفة الأميركية، على مدى ال25 سنة الماضية توصلت إلى النتائج الآتية:
1- إن 57 في المئة من العناوين، التي تحوي كلمة (إسلام/ مسلم) هي سلبية جداً، والإيجابي منها لا يتعدى ثمانية في المئة.
2- عند عمل مقارنة إحصاء بين لفظ (إسلام/ مسلم)، ولفظ (سرطان/ كحول) في محرك الصحيفة المذكورة، وجد أن لفظ (إسلام/ مسلم) أخذ أعلى درجة من السلبية على مدار ال25 سنة الماضية.
3- أكثر وصف استخدم مرادفاً للفظ (إسلام/ مسلم) هو ثوار وميليشيات، ولم يستخدم وصف إيجابي واحد مرادف للإسلام. خلاصة هذه الدراسة، أنه على رغم أن نسبة الوفيات الناتجة من الإصابة بالسرطان أو إدمان الكحول والمخدرات لا تضاهي نسبة الوفيات من العمليات الانتحارية، أو ما يسمونه في الغرب «العمليات الجهادية»، إلا أن الصحيفة استطاعت، ومن خلال عناوين ومقالات متواصلة وممنهجة، تشويه الصورة عن الإسلام.
الباحث الرئيس ستيف جو، المسؤول عن هذا البحث أوضح في لقاء له أن الإعلام استفاد كثيراً من أحداث ال11 من أيلول (سبتمبر)، في إيجاد المناخ العدائي ضد الإسلام، وأنه استطاع من خلاله إنشاء ظاهرة التخوف من الإسلام «إسلام فوبيا»، وعلى رغم أن كثيراً منا يعلم عن «الإسلام فوبيا»، الذي أصبح ظاهرة لدى الشعوب الأميركية والأوروبية، إلا أن أحداً لم يُقدِم على دراسة علمية تثبت دور الإعلام في أن ترسيخ صورة العنف والعداء للمسلمين والإسلام، بحسب أجندة مدروسة كما هي الحال لهذه الصحيفة الواسعة الانتشار عالمياً.
بالطبع ما توصلت إليه هذه الدراسة لا يثير دهشتنا في عالمنا العربي والإسلامي، فقد اعتدنا على هذا التشويه لتعاليم ديننا العظيم المتسامح الداعي إلى أرقى القيم الإنسانية، واعتدنا من الغرب تجاهل ما يقوم به ملايين المسلمين من إسهام في نهضة ورقي العالم، ليس فقط في بلادهم، وإنما من خلال اندماجهم ومشاركتهم الحضارية علماً وعملاً في عدد من الدول المتقدمة.
واعتدنا على النظرة غير العادلة بالحكم على دين عظيم مثل الدين الإسلامي بأكمله، من خلال اختزال هذه النظرة في مجموعات إرهابية، ينظر إليها المجتمع الإسلامي نفسه بأنها مجموعات شاذة ومتطرفة ويجب مكافحتها. المسلمون كانوا ومازالوا أول من يستنكر ويحارب هذه المجموعات المتطرفة ويعاني من أفعالهم الإجرامية.
الدراسة لم تأتِ بجديد بالنسبة إلينا، ولكن لعلها تكون رداً لكل من يعتقد بأن الإسلام «فوبيا»، هي نظرية مؤامرة لا توجد إلا في عقولنا نحن المسلمين.
نقدي الوحيد لهذه الدراسة أنها قدمت توصية بأن يتم تثقيف الكتاب والمحررين في الصحيفة عن الإسلام والمسلمين، من خلال زيارات يقومون بها إلى بلاد العالم الإسلامي، لتغيير نظرتهم السلبية قبل أن يتعمقوا بالكتابة عن عالم لم يروه، وإنما اكتفوا بالسماع عنه.
أنا لا اعتقد بأن هذه التوصية بالفعل مجدية، لأنه إذا كان لهذه الصحيفة ومن يسير على نهجها أجندة مسبقة للوصول إلى هدف معين، وهو، في هذه الحال، الهجوم الممنهج لتشويه صورة الإسلام، فلا أعتقد بأن زيارات كتابها أو تثقيفهم سيغير شيئاً، لأنهم في عقولهم حاكموا وحكموا ثم كتبوا، ليس بهدف إظهار الحقيقة وإنما لإظهار ما يرغبون فيه.
من سيقضي على ظاهرة «الإسلام فوبيا» ويقوم بتصحيح تلك النظرة المشوهة هم المسلمون أنفسهم، من خلال تحالفهم في القضاء على جميع المنظمات الإرهابية بكل أشكالها وطوائفها، وهذا بالضبط ما تسعى إليه وتعمل عليه مملكة الحزم.
لذا فلا يجب أن نستغرب أن تكون الأجندة المقبلة للإعلام الغربي هي إنشاء ظاهرة جديدة اسمها «سعودي فوبيا».