الامتناع عن دفع فواتير استهلاك الكهرباء والمياه والصرف الصحي من قبل أغلب المشتركين في عدن مشكلة عامة لازالت تتفاعل ، وهي بصراحة مشكلة جديدة ومفتعلة لم تعرفها عدن في تاريخها كله . فما هي طبيعة هذه المشكلة؟. تعرض المؤسسة العامة للكهرباء المشكلة كما يلي : - أصبحت المؤسسة مستقلة مالياً في عدن منذ عام 2013م ، وتعتمد في تغطيتها لمصاريف التشغيل على الإيرادات المتأتية من تحصيل رسوم الاستهلاك للمواطنين عبر الفواتير . - لقد بلغ حجم ديون المؤسسة لدى المشتركين "25" مليار ريال يمني . - إن عدم دفع مستحقات المؤسسة لدى المشتركين قد تسبب بعجزٍ في دفع رواتب العاملين لديها ، وعجزٍ في مصاريف التشغيل ، ما قد يؤدي إلى توقف الخدمة نهائياً . - ترى المؤسسة أن التوجه إلى مكاتب التحصيل لسداد الفواتير سيساعد على إنقاذ المؤسسة من الإنهيار . وحسب المعلومات المستقاة من مصادر داخل المؤسسة فأن المشكلة تفاقمت بالتدريج بعد أحداث 2011م وبلغت نسبة المشتركين الذين يدفعون فواتيرهم حتى عام 2014 نحو 40% من إجمالي عدد المشتركين في المحافظة ، وقد انخفضت هذه النسبة بعد حرب 2015 لتصل إلى نحو 12% فقط من الإجمالي أي أن من 85% من عدد المشتركين لا يدفعون فواتيرهم . وبالنسبة للمؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي فالمشكلة تُعرض كما يلي : - إن المؤسسة هي مؤسسة محلية مستقلة مالياً وإدارياً . - بلغ حجم ديون المؤسسة لدى المشتركين نحو (11.522) مليار يمني ، موزعة على القطاع المنزلي (7.051) مليار ريال يمني ، و (1.281) مليار ريال يمني على القطاع التجاري ، و (3.190) مليار ريال يمني على القطاع الحكومي . - على المؤسسة التزامات تجاه الغير بمبلغ (4.5) مليار ريال يمني . - لقد انخفضت نسبة المشتركين الذين يدفعون فواتيرهم إلى نحو 14% فقط من إجمالي عدد المشتركين عام 2016م . ومن المهم - بناءً على مصادر المؤسسة - إيضاح ما يلي : - إن حجم التوصيلات المنزلية بالنسبة إلى جميع التوصيلات بلغ عام 2013م نحو 88.4% ونحو 90,8% عام 2014م , - إن نسبة الفاقد من المياه بلغ نحو 40% من إجمالي المياه المنتجة في العام ، وقد بلغ الفاقد نحو 58.6% من إجمالي المياه المباعة عام 2013م ونحو 68.9% من إجمالي المياه المباعة عام 2014م . . هذا الفاقد مثّل نحو 77.9% من إجمالي الكميات المباعة للمنازل عام 2013م ، ونحو 91.3% عام 2014م. من ضمن ما نستخلصه من المعلومات السابقة فإنه إذا كان الفاقد من المياه يعادل نحو 91% من كمية المياه المستهلكة في المنازل ، فإن إصلاح شبكات المياه سيوفر كمية كبيرة من هذا الفاقد ، وسيتحسن بالتالي مستوى الإمداد للمياه للإستهلاك . ومن هنا فإن دفع مستحقات المؤسسة من قبل المواطنين سيوفر قسطاً من المبالغ المطلوبة ، وسيسد الذرائع أمام المؤسسة من ناحية أخرى لرفع كفاءة أدائها في الإمداد وإصلاح شبكات الصرف الصحي وتشغيلها ، إضافة إلى دفع مستحقات الغير وخاصة أثمان الوقود التي تحتاجها المؤسسة . وعلينا هنا أن نؤكد على عدد من الحقائق التالية : أولاً : إن حصول المنزل ، المحل والمؤسسة على الطاقة الكهربائية وعلى المياه عبر المؤسستين يتم بعد توقيع عقد بين المستهلك وكل مؤسسة على حدة ، ولا يتم تحصيل رسوم الإستهلاك من المستهلكين للطاقة الكهربائية والمياه بقرارات حكومية أو رئاسية ، بل هناك قوانين تنظم هذه العلاقات. ثانياً : القواعد المتعارف عليها وفي عدن بالتحديد تجعل من فواتير الكهرباء والمياه (فواتير أخر شهر) هي أدلة على ملكية العقار (منزل أو محل) لمن هي مسجلة باسمه فيحصل على الخدمات المطلوبة (مثل خط هاتف أو أي خدمة أخرى )، وكون الفواتير مدفوعة إلى أخر شهر فذلك يعني أن صاحب العقار مواطن صالح . كلنا نعرف إن الدعوة إلى عدم تسديد فواتير الكهرباء والمياه بعد عام 2011م لم تكن مبادرة جماهيرية أو دعوة أفراد بل كانت منظمة وهدفت إلى إرباك الحياة في مدينة عدن بالأساس ، ولأنها المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان ، لذلك تكون هي وقاطنيها أكثر تضرراً وتتضرر المؤسسات الموجودة في عدن باعتبارها مؤسسات محلية ولا يمس الضرر الحكومة بشكلٍ مباشرٍ ولا القوى المتنفذة في الدولة . وقد أطلق البعض على هذا العمل بأنه جزء من العصيان المدني وهو لا يمت إليه بصلة ،ولا يمت إلى التمرد بصلة أيضاً خاصة عندما يكون الفعل مضراً مباشرة بأصحابه وعامة الناس ولا يضرُّ بمن نتمرّد عليهم أو نحتجُ ضدهم . وقد قال آخرون لتبرير هذا الفعل : أن النظام يأخذ ما ندفعه للكهرباء ويشتري به أسلحة لقتل الناس وهو أمر غير دقيق لأن النظام قد استكمل بناء جيش جرار من أموال الدولة وحوّله من جيش لحماية الوطن والسيادة الوطنية إلى قوة لحماية المصالح الخاصة للعائلة الحاكمة ، وحوًل البلاد إلى مخزن أسلحة من خلال الإستيلاء على أهم الموارد الرئيسية للدولة ، ولكن في ظروف خروج الجماهير من كل حدبٍ وصوب تنادي برحيل النظام ورأسه ، كان يروق للقوى المرتبطة به أن يشجعوا التحريض على الأعمال التي تؤدي إلى تدهور نشاط المؤسسات وخاصة الخدمية منها وهدمها ولسان حالهم يقول: أن مجرد المطالبة بالرحيل يؤدي إلى هذا التدهور، فما بالكم لو حصل الرحيل فلن ترون سوى الجحيم . ويحاجج كثيرون وهم يدافعون ويبررون عدم دفع الفواتير بأن ما يدفعونه يذهب في جيوب الفاسدين ويسترسلون بحق في الحديث عن الفساد الذي يضرب كل مفاصل الدولة ومؤسساتها ويطالبون أولاً بمحاسبة الفاسدين قبل مطالبة المواطنين بدفع ما عليهم ، وهذا الأمر له وجهان : الأول : أمر مشجّع والمرء يرى مواطنين كثر متحفّزين ضد الفساد وينسبون إليه تدهور المؤسسات والمرافق الحكومية المختلفة ويشددون النّبرة بضرورة محاسبة الفاسدين ، وهذا يعطي أمل في توسّع البيئة المؤمل بها للنشاط في سبيل كشف الفساد ومكافحته بمعنى أن هذا الشعور وهذا الوعي يساعد على توسيع القاعدة الشعبية التي تعي مخاطر الفساد ومخاطر التعايش معه . الثاني: هو أمر الخلط من قبل هؤلاء المواطنين بين الإيفاء بالإلتزامات القائمة عليهم للمؤسسات كواجب يفترض الإيفاء به وبين المطالبة المُحقة بمكافحة الفساد . وهذا الخلط غير مقبول لأننا كمواطنين ينبغي أن تكون تصرفاتنا منطلقة من الحفاظ على المؤسسات وعدم الإقدام أو المساعدة على القيام بأية تصرفات تضر بها وإلاّ لكانت تحركاتنا ليست إيجابية بل هدامة . وقد برزت أيضاً تبريرات وردود تقول لماذا ندفع والهلال الأحمر الإماراتي يدفع تكاليف التشغيل للكهرباء ، ويأتي رد الحكومة على لسان نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سابقاً مستشار رئيس الجمهورية حالياً بأن "دولة الإمارات ليس لديها استعداد لتسديد فواتير الكهرباء وينحصر دعمها في شراء المولدات وتسديد تكاليف الطاقة المشتراة " ، هل من المعقول أن يطالب أو يتوقع مستهلكين للكهرباء والمياه في عدن من دولة أخرى ولو كانت شقيقة أن تدفع عنهم ذلك ؟ أوليس ذلك غريباً كل الغرابة ؟ .إن المساعدات الخارجية توجه لبناء المؤسسات ، ويبقى على المواطنين دفع رسوم الإستهلاك حتى يضمنوا استمرارية عمل هذه المؤسسات وكذلك تطويرها ومن ثم مطالبتها بتقديم خدماتها بكفاءة أعلى . وإجمالاً فإن عدم دفع استحقاقات المؤسستين من قبل المشتركين هو إخلال بالتعاقد الموقع بين الطرفين ، وهو يعني إخلالٌ بالقانون وبالتالي إخلالٌ بالمواطنة والإنتماء لهذه المدينة أو المحافظة أو الوطن كله. والتحريض في هذا السياق يهدف إلى إضعاف الإنتماء وضد مبادئ المواطنة ، والمواطن الصالح الذي يؤدي واجباته هو من يخول له الإنتقاد والإحتجاج والمطالبة بالمحاسبة وغير ذلك من وسائل الرقابة والفعل. وفي حالة تغاضي أو إقدام أية جهة من الجهات الرسمية المحلية أو المركزية بإعفاء الممتنعين عن الدفع ، فإنها بذلك تساعد وتشجع على التساهل والتلاعب بل والإمتناع عن أداء الواجبات وتسديد المستحقات المنظمة بالقوانين وهي تخطىء لأنها تشجّع على عدم الإنضباط والإنصياع للقوانين المنظمة للعلاقات بين عناصر بناء الدولة ، بل أنها تساعد على إضعافها وخلق الفوضى في المجتمع . وإذا تجاوزت أجهزة الدولة هذه الأمور كلها فسيكون من حق المواطنين الذين يدفعون المستحقات بانتظام المطالبة بالمساواة واستعادة مادفعوه إحقاقاً لمبدأ المواطنة المتساوية التي طالما خرج اليمنيون وكافحوا من أجل تحقيقه .