ظهر صالح في خطابه الاخير بعد توقيع الإتفاق مع حلفائه الحوثيين و الذي أفضى إلى تشكيل مجلس سياسي أعلى كما سماه في خطابه أكثر إتزانا و تماسكا عن ذي قبل و قسم خطابه إلى ثلاثة محاور رئيسية وجه من خلالها رسائل عديدة للداخل و الخارج و هي كالتالي : 1_المحور الأول : و قد كان الأهم و قد تعمد صالح بأن يتحدث فيه طويلا و هو المحور الإقليمي و ركز على المملكة العربية السعودية باعتبارها الدولة المحورية في هذا الصراع من وجهة نظره فأرسل لها عدة رسائل كان أهمها على الإطلاق هو الدعوة إلى فتح حوار مباشر معها و أعتمد صالح في إيصال هذه الرسالة و الوصول إلى هذا الهدف على عاملين أساسيين هما : 1_ التاريخ (الماضي): فذكر صالح قيادة المملكة بأحداث عام 62 م و حرب المملكة مع ما أسماه قيادات الثورة السبتمبرية المباركة و التي استمرت سبعة أعوام على حد زعمه و افضت في الأخير إلى حوار مباشر مع المملكة في عدة عواصم عربية و اسلامية منها بيروت و اسلام آباد و أفضى الحوار في الأخير إلى مصالحة بين قيادة الشمال و المملكة العربية السعودية و احتضنت المملكة ما أسماهم صالح أسرة بدر الدين و الفارين من الوطن و قال صالح في حديثه بأن لدينا تجربة مع المملكة العربية السعودية توجت بالنجاح في عام 70 في محاولة منه لإرسال رسالة لقيادة المملكة الحالية إننا بإمكاننا الاستفادة منها لإنهاء هذه الحرب و استنساخ هذه التجربة . صالح و في نفس الوقت تضمن خطابه تهديدات ضمنية للملكة و دول التحالف حيث ذكر بأنه يوجد ما يقارب المليون و النصف مغترب يمني على الأراضي السعودية و قال أيضا هم من بنوا على اكتافهم نهضة المملكة و أمنها و استقرارها أشار صالح أيضا في حديثه بأن إذا كانت هناك رغبة لدى المملكة في تقسيم اليمن فإن المملكة أيضا ستتعرض إلى نفس المصير و ذكر بأن المملكة سيتم تجزئتها الى ثلاثة اجزاء ابتدأ من عسير و نجران و نجد و الحجاز كما ذكر في حديثه و هنا يظهر للعيان ما يحاول صالح أن يوصله من رسالة بأن مصير اليمن و وحدته مرتبط أيضا بمصير المملكة و وحدتها و هو تهديد واضح و صريح للمملكة العربية السعودية و أمنها القومي و وحدة أراضيها . 2_ الحاضر (الواقع) : استند صالح في خطابه على استخدام عبارات سلسة و غير نابية كما أشار في حديثه و منها الشقيقة الكبرى و الأشقاء و حسن الجوار و المغتربين أو المتواجدون في المنفى و غيرها من العبارات في إشارة منه على قدرته هو حلفائه على تقديم التفاهمات و التنازلات إذا ما رغبت المملكة في تسوية الأزمة القائمة نهائيا ثم أشار في خطابه إشارة واضحة بأن التفاوض يجب أن يكون مع من هم متواجدون على الأرض و يمسكون بزمام المبادرة في محاولة منه لإقناع المملكة بأن الشرعية هي شرعية من هم في الداخل و ليس في الخارج . حاول صالح من خلال خطابه هذا و رسائله الصريحة و المبطنة التأثير على قرار المملكة العربية السعودية و استراتيجيتها في التعامل مع الملف اليمني بصورة مختلفة غير التي تتبع الآن معتمدا على الهاجس التاريخي لدى المملكة و قيادتها و سياسة الأمر الواقع التي تحدث عنها . المحور الثاني :(الموقف الدولي) على غرار اسلوبه الذي اتبعه في خطابه و رسائله للإقليم تعامل صالح بنفس الأسلوب في خطابه للعالم و لكن بحدة أخف فقد أشار صالح بأنه تعاطى هو و حلفائه مع القرار 2216 بايجابية و الذي جاء تلبية للرغبة السعودية كما زعم في خطابه و أنهم قدموا التنازلات في سبيل إنهاء هذه الحرب و انهاء معناة الشعب اليمني كما زعم . و قال صالح في خطابه بأن اقدامهم على إتخاذ هذه الخطوة التي وصفها بالمباركة إنما أتت لإنهاء حالة الفراغ الدستوري الذي استمر لمدة عامين و حمل مسؤولية ذلك إلى غياب السلطة و الرئيس و عدم تحملهم لمسؤلياتهم . كما حاول صالح تبرير هذه الخطوة بأنها أتت لدعم المفاوضات في الكويت و ليس لإفشالها كما يحاول البعض أن يصورها على حد قوله و وصفهم بالكاذبين و هنا يحاول صالح نقل المفاوضات من مربع لآخر يضمن من خلاله إحراز تقدما و مكسبا سياسيا متقدما على الطرف الآخر في حال استمرار تلك المفاوضات و أكد صالح في حديثه على ذلك حيث قال في خطابه (( أنه يجب على المبعوث الأممي و الحوار في الكويت أن يتعاملوا وفق المعطيات الجديدة محليا و إقليميا و دوليا .)) يحاول صالح هنا على تثبيت سياسة الأمر الواقع التي يتبعها هو و حلفائه و بالتالي الحصول على اعتراف دولي بهذا الواقع و هو بالتأكيد يتعارض جملة و تفصيلا مع ما جاء في القرار 2216 و يسقط كل ما تضمنه ذلك القرار من فرض لعقوبات و انهاء سيطرته هو و حلفائه على مؤسسات الدولة الواقعة في المناطق التي يسيطرون عليها عسكريا بل يطمح صالح و حلفائه إلى تحقيق و إنجاز أبعد من ذلك و هو ضمان التواجد مستقبلا في مركز القرار . المحور الثالث : الداخل (الجماهيري) استخدم صالح عبارات و مصطلحات عاطفية في خطابه للداخل و تقديم وعود بإنهاء معاناة الناس و تعمد أن يوجه خطابه شمالا و جنوبا و تنوع في ذكر المناطق في إشارة منه إلى وحدة الوطن الذي زعم بأنه يحاول ان يحافظ عليها حاول صالح أن يلقي باللوم على ما حدث في الجنوب و تعز من دمار على التحالف و المملكة العربية السعودية و أشار إلى التاريخ أبان حكم الاستعمار البريطاني و محاولته تمزيق الوطن على حد زعمه و مع ذلك لم ينجح رغم وجود 22 مشيخة و سلطنة في الجنوب ثم وجه تحية إلى ما أسماهم الشرفاء في الجنوب و عدن اللذين ما زالوا على تواصل مع صنعاء و مواقفهم المشرفة و حتهم على الصبر و توعد صالح بأن عدن لن تبقى بعد اليوم تحت سيطرة ما أسماهم بالغزاة . كانت تلك قراة موجزة في أهم ما جاء في خطاب صالح الأخير و لكن السؤال الأهم هنا هل ينجح صالح في تسويق خطابه و رسائله و بالتالي هل ينجح في البقاء في المعادلة السياسية كأحد أهم أطرافها كما يحاول أن يبرهن له ؟.