بدأ الكل مفجوعا وأثار الدماء تنهال والحطام يتناثر في كل مكان وبقايا أصوات أنين وصرخات تتعالى من هنا وهناك في مقدمة مسجد يقع وسط باحة القصر الرئاسي الذي يقطن فيه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح منذ 33 عاما . بالتأكيد ان المشهد هكذا بدأ حينما دوى الانفجار في مقدمة المسجد الذي كان ينوي الرئيس صالح الصلاة فيه أمس الجمعة قبل حدوث الانفجار الذي قالت مصادر في الحكومة اليمنية انه أسفر عن إصابة الرئيس صالح وعدد من ابرز المسؤلين الموالين له .
ورغم مرور أكثر من 24 ساعة على الحادث إلا ان الأنباء لاتزال حتى اللحظة تتضارب حول هوية منفذي الهجوم والآلية التي نفذ بها والوسيلة .
سارعت الحكومة اليمنية إلى اتهام زعيم قبلي مناهض للرئيس صالح هو الشيخ "صادق الأحمر" بالمسئولية عن الحادث وهو مانفاه مكتب الأحمر مؤكدا عدم صلته بالحادث .
وبداء واضحا حجم التخبط الرسمي تجاه إلقاء المسئولية على من ؟ فلم يصدر الاتهام الرسمي إلا بعد ساعات طويلة من وقوع الحادث وجاء عبر تسجيل صوتي منسوب للرئيس اليمني علي عبدالله صالح وجه فيه هذا الاتهام لمناوئيه.
اتجه كثير من المراقبين إلى الحديث عن قصف بقذائف الهاون على المقر الرئاسي من قبل قبائل مناهضة للرئيس صالح إلا ان أيا منهم لم يتطرق إلى فرضية لماذا لايكون الهجوم الذي نفذ على الرئيس صالح كان عبر صاروخ أمريكي قد يكون أطلق من البحر أو أطلقته طائرات أمريكية خاصة !.
يرى كثيرون ان هذه الفرضية قد تكون من أقوى الفرضيات التي يمكن طرحها اليوم حيث انه من غير الممكن لقذيفة هاون أو مدفعية اختراق تحصينات المسجد الرئاسي ولايمكن لها ان تكون بذات التصويب العالي الذي أصابت فيه القذيفة التي أطلقت على مسجد الرئيس صالح هدفها.
اجمع الكثير من المراقبين على ان القصف الذي أصاب مسجد الرئيس صالح لم يكن عشوائيا بل كان مركزا وبدقة أصابت القذيفة أو الصاروخ الذي لم يتم تحديد نوعيته حتى اللحظة مقدمة المسجد بشكل دقيق وهو ماكشفت عنه حجم الإصابات ونوعيتها التي أصابت مرافقي صالح .
جاء القصف بعد يومين فقط من حديث لوزيرة الخارجية الأمريكية هليري كلينتون قالت فيه ان على الرئيس صالح ان يتنحى وان يقوم بتسليم السلطة إلى المعارضة مؤكدة ان بقائه في الحكم يعني المزيد من التعقيد. واعتبرت كلينتون في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها البرازيلي أنطونيو باتريوتا في واشنطن أن بقاء صالح في السلطة أصبح "سببا لصراع كبير في اليمن، وكذلك لعمليات عسكرية وأعمال عنف هناك".
أكدت الحكومة الأمريكية مرارا وتكرارا على تزايد مخاوفها من توسع نشاط الجماعات المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة والتي ترى الإدارة الأمريكية بأنها تستغل حالة الاضطراب السياسية التي تعيشها اليمن بسبب موجة الاحتجاجات المناهضة للرئيس صالح .
قد يعزز القناعة بان الولاياتالمتحدةالأمريكية هي المتورطة في محاولة اغتيال الرئيس صالح هو التأكيدات الصحفية والأنباء التي تواردت مؤخراً عن قيام الرئيس صالح بتسليم مدينة زنجبار إلى أيدي الجماعات المسلحة وهو اثارمخاوف امريكا من سقوط المزيد من المدن بيد القاعدة وبالتالي عزز من قناعتها بضرورة اقتلاع الرئيس صالح عن الحكم .
كانت كل التقارير الواردة والأنباء وتسلسل الأحداث يؤكد ان قوات الرئيس صالح انسحبت عن زنجبار تاركة إياها للجماعات المسلحة وهو مالايمكن للإدارة الأمريكية ان تغفل عنه وبالتأكيد ان ذلك سيدفعها إلى التفكير جديا بوقف تمدد الجماعات المسلحة عبر إيجاد حل نهائي للازمة السياسية في اليمن.
أكد عدد من مسئولي الإدارة الأمريكية ان الرئيس صالح يرفض التنحي عن الحكم لكنهم في مواجهته واصلوا ممارسة الضغوط عليه بهدف إقناعه بالتنحي رافضين فكرة فرض أي عقوبات على نظام الرئيس صالح .
رفضت الإدارة الأمريكية فرض أي عقوبات على نظام الرئيس صالح لأنها ترى في ان التفكير في أي فرض عقوبات يمكن له ان يؤثر سلبا على أداء الحكومة اليمنية المنقسمة ذاتها حيال الاحتجاجات لذا فهي لجأت إلى العمل وفق سياسية عاجلة وطارئة . يرى مراقبون ان الإدارة الأمريكية قد تكون وجدت في حالة الاشتباكات المسلحة وأعمال القصف التي تشهدها صنعاء منذ أيام فرصة سانحة لتوجيه ضربة خاطفة للرئيس صالح عبرها يمكن لها ان تنهي الأزمة السياسية في اليمن حيث انه بمقتل الرئيس صالح ستستسلم كافة الوحدات العسكرية التابعة له وحينها يمكن الدخول على خط الوساطة بهدف تشكيل مجلس انتقالي عسكري يدير البلد ويجاهد لأجل طرد الجماعات المسلحة من زنجبار وغيرها من المدن.
وممايعزز فرضية وقوف الولاياتالمتحدةالأمريكية خلف العملية هي الدقة المتناهية لعملية القصف التي أصابت هدفها بدقة واختيار توقيت مناسب وهو لحظة تواجد الرئيس صالح ومعاونوه بداخل المسجد الرئاسي وهنا فان التوقيت يتصل بأمرين الأول وجود عملاء مناوئين لصالح بداخل القصر الجمهوري وهذا مايعتبره كثيرون أمر مستبعد والثاني وجود وسائل مراقبة متطورة رصدت لحظة تواجد صالح بداخل المسجد ومثل هذه الوسائل لاتملكها إلا الولاياتالمتحدةالأمريكية .
بعد ساعات فقط من الهجوم الذي استهدف الرئيس صالح فاجئ المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية الصحفيين بالحديث عن نفيه لتورط الولاياتالمتحدة في التحريض على قتل صالح .
وصف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر، اتهام الولاياتالمتحدة، خاصة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالوقوف مباشرة وراء التحريض علي قتل والانقلاب علي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح اليوم، بأنه كلام سخيف.
وقال إن تركيز الولاياتالمتحدة في الوقت الحالي ينصب علي التعاون مع الحكومة اليمنية والرئيس اليمني من أجل المضي قدمًا في تنفيذ عملية انتقالية ديمقراطية منظمة وهادئة وسلمية والتي يجب أن تتم عبر توقيع الرئيس اليمني علي الاقتراح المقدم من مجلس التعاون الخليجي، انطلاقاً إلي مستقبل ديمقراطي أفضل يحقق تطلعات الشعب اليمني.
وأضاف تونر، أنه لا يمكن السيطرة علي الوضع الأمني المتدهور في اليمن إلا من خلال نقل السلطة بشكل منتظم وسلمي.
بعد ساعات فقط ايضا مما تعرض له صالح اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، اليوم السبت ان اصابة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح خلال هجوم شنه مجهولون في محاولة منهم لاستهدافه ، بمثابة فقدان الحكومة اليمنية لقبضتها الحديدية وسيطرتها على الاوضاع وخاصة في ضواحى العاصمة صنعاء. وارجعت الصحيفة الامريكية في تقرير بثته على موقعها الالكتروني سبب تراجع قوة الحكومة اليمينة الى المظاهرات الحاشدة المتتالية - التي بدأت في الثالث من شهر فبراير الماضي والمطالبة باسقاط النظام - وكذلك تشجيع الجهاديين والجماعات المتمردة على مهاجمة القوات الحكومية. كل الدلائل تؤكد ان الإدارة الأمريكية وصلت إلى قناعة مفادها ضرورة رحيل الرئيس صالح عن الحكم لكنها بالتأكيد وجدت انه من الصعب اقناع الرجل بتسليم السلطة سلميا ولجأت حينها إلى تنفيذ هجوم مباغت لايمكن لأي أطراف الالتفات وبسبب الاشتباكات المسلحة إليه واتهام امريكا به . هل حاولت الولاياتالمتحدةالأمريكية قتل الرئيس صالح ومعاونوه ؟ هذا السؤال الذي يجب ان يطرح اليوم وان يكون جديراً بالاهتمام.