أحسب نفسي في هذا المقام لا أطرق موضوع الرياضة من وجهة رياضية بحتة لأني و باختصار ممن لا يتقنون هذا الفن ، بل إني من أجهل القوم في هذا المضمار و لا فخر ، و لكن هي محاولة باهتة و بسيطة أن أجعل هذا الموضوع ينحو منحى تربوي لأن من يعنيهم هذا الأمر هم من فئة الشباب عماد الأمة و أساس نهضتها و دعائم قوتها و عزها الذين تغولوا في عشق الرياضة و الإلتهاء بها حتى ليخاف الناظر أن يكون هذا الجيل قد نما على طريق أن يكون مسخاً متجرداً من هموم أمته و وطنه ، لاهياً لاعباً صادقٌ فيهم قول القائل : شباب قنّع لا خير فيهم *** و بورك في الشباب الطامحين ليست تلك نظرة متشائم ، فليس كل الشباب ممن تماهوا في عشق الرياضة حتى أصبحت ديدنهم و شغلهم الشاغل بل يظل فيهم ممن يعنيه شطر البيت الثاني مما ورد أعلاه و لكنهم كما نعلم ( قليل ) ، و لئن كان الأمر لا يؤخذ بالكثرة فإن الحرص على أجيالنا و تربيتهم التربية الصحيحة هي من أوجب الواجبات و بضياعها ضياع حضارة و تاريخ و مستقبل أمة بأسرها لأن شباب اليوم هم رجال الغد .
جاء في البروتوكول الثاني عشر من بروتوكولات حكماء صهيون ما نصه : ( سنلهي الجماهير بأنواع شتى من الملاهي و الألعاب لملء الفراغ ، و سندعو الناس للدخول في مباريات شتى في كل أنواع المشروعات كالفن و الرياضة و ما إليها ) .
أعتقد أن اليهود قد نجحوا في هذا الأمر أيما نجاح بل وربما حققوا نجاحاً باهراً فيه ، و بنظرة فاحصة كيف هو حال الشعوب و من بينهم الشباب مع تلك الفنون و من بينها الرياضة يتبين لنا أنهم قد أفلحوا فيما يرمون إليه ،
و إن كنت شخصياً لا أحبذ أن نجعل من اليهود شماعة لعجزنا و مصائبنا و نسرف في نظرية المؤامرة ، و ننسب كل سوء يصيبنا أنه من صنع اليهود و هم من خططوا له و تآمروا ، صحيح أن اليهود هم أصل الشر في العالم ، و لكن ما كان لهم أن ينجحوا في خططهم لو وجدوا من يتصدى لها أو من يمتلك مناعة ضدها و ما أعظم التمسك بتعاليم الشرع من مناعة و منجا ( و إن تؤمنوا و تتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً ) ، و باختصار فإن قوتهم التي يظهرون بها ما هي إلا محلة لضعفنا و هواننا على الناس .
من مظاهر عشق الرياضة : لكوني لست ممن يحب الرياضة أو الثقافة الرياضية بشكل كبير فقد سألت عدداً من الشباب عن أهم المظاهر التي ظهرت على شباب اليوم ممن يعشقون الرياضة و لا يعتبرونها هواية فحسب بل هي عندهم كل الهم ، فعنها يتكلمون و فيها يلتقون و يناقشون و يدافعون و ربما ذهب بهم الأمر لأكثر من ذلك كما سيتبين .. فذكروا لي منها :
اللباس : فكثيراً ما تشاهد الحرص الكبير من الشباب على شراء الفانيللات على حسب لون من يعشقون من الفرق أو النوادي أو اللاعبين أحمراً كان أو أصفراً أو أزرقاً أو غير ذلك ، و لا تتفاجأ إن رأيت من يصلي أمامك و قد بدا على ظهره اسم لاعب نصراني ،
أو أن ترى شعار نادي أو فريق و قد تمت حياكته بشكل يستعصي معه الإزالة و قد تضمن صورة الصليب ، و إن جئت تنصح يُقال لك : ما حيلتنا و هو لا يزول بتكرار التغسيل ، فكأني بهم قد شروه مكرهين أو ابتاعوه بثمن بخس دراهم معدودة ، بل و أعرف من يجعل لون حذاءه و غير ذلك من ملبوسه على حسب لون فريق من يعشق من لاعب و لا حول و لا قوة إلا بالله .
الصور : و منهم من يعلق صور لاعبه المعشوق على غرفته أو دراجته أو سيارته أو على جواله و حاسوبه أو على دكانه و بقالته أو محله أو مذكراته أو غير ذلك ، و قد علم ما حكم الصور في الشرع أو على أقل تقدير حكم من يعلق صور أحد الكافرين و المخالفين في الملة و الدين .
التقليد : في قصات الشعر و الحلاقة بل و حدثني بعض الإخوة أن هناك من يقلد لاعبه المفضل حتى في المشي .
المراهنة : و قد ظهر بكثرة بين الشباب إذ يتراهنون على أن من يفوز فريقه فله عند المهزوم كذا و كذا و تتنوع من مشروبات إلى عزيمة غداء في مطعم و غير ذلك .
المشاعر الجياشة : طالب لا يداوم في المدرسة إذا هُزم فريقه المفضل ، آخر يبكي بحرقة و ألم و يتوارى من القوم إن غُلب فريقه ، هذا ما يحدث بين شبابنا فماذا يقول المربون ؟!
الدخلات : و تسمى المدخل وهي تحدث كثيراً في المدن ، إذ يقوم الشباب بالتطواف بدراجاتهم النارية الكثيرة وسط ضجيج و إزعاج واحتفاء بالفوز ، يخالطها شيء من النكاية و التحدي لأنصار الفريق المهزوم و ربما لا يخلوا الأمر من أحقاد و مضاربات .
جلسات القيل و القال : و كثرة الحديث و ضياع الأوقات بالتحليلات و التعليقات و المشاهدة الطويلة في أوقات متأخرة من الليل ما ينتج عنها ضياع الصلوات و الواجبات .
لعل ما أوردناه من تلك المظاهر وغيره كثير ربما يبدو كافياً لندق ناقوس الخطر و أجراس الحزن على جيل قد بَعُد عن هموم أمته و وطنه و أضحى مرتهناً لثقافات وافدة تحركه كالدمية و تتصرف في أوقاته و اهتماماته و مشاعره ،
وهو أمر يدعو للحسرة و الألم ، و سيظل الحال على ما هو عليه إن لم يزدد سوءاً ما لم نتدارك أبناءنا ، فيعمل الجميع مجتمعاً وأسراً و مدارس و مواطن تربية و تنشئة على انتشال الشباب من هذا الواقع المرير .