لو إن الأمور سارت كما أراد لها الرجال المخلصون الذين ضحوا بحياتهم دفاعا عن الدين و الكرامة و الأرض و العرض، فإنه من المفروض و من الطبيعي أنه بعد تطهير عدن و المحافظات الجنوبية المجاورة، ان تستقر هذه المناطق المحررة، و أن تقوم دول التحالف و السلطة الجنوبية و حتى الشرعية،و هي المعنية بدرجة رئيسية، في الإنتقال إلى طور متقدم في تطبيع الحياة، و جهود حثيثة تعويضية تراعي ما عانيناه من ويلات العدوان التتاري.. أقل تقدير، كعرفان بالجميل و مكافأة للصمود الأسطوري الذي قدمه أبطال مدينتا عدن و الجنوب، و الذي ساهم ان تسترد مايسمى ب الشرعية، كرامتها و ان يستعيد التحالف الثقة في امكانية صنع النصر، لوجود هذا المخزون الهائل من الرجال الأشداء و المخلصين...كان المفترض بهذه القوى ان تضع يدها معا، تتعاضد كتف إلى كتف كما كانت عند الحرب، تفوت الفرصة على الأعداء بالتغلغل الى قلبها و زرع بذور الشقاف و الفرقة.. فتشمر السواعد مع إشراقة اليوم الأول من بعد التحرير، لتطبيع الحياة و إستتباب الأمن و البدء بالإعمار و خاصةً في الحبيبة عدن! تلك الحسابات البديهية يعرفها كل إنسان عاقل، و أن تحقيق ذلك الامر كان سيسهل مهام الأطراف المنتصرة، و حتى انهم سيكسبون ثقة الناس في المناطق المحررة و سيلتف الناس حولهم، بل ان الفارق في تحسن أوضاع الناس في المناطق المحررة، كان سيساعد قوى التحالف و جيش الشرعية و المقاومة الجنوبية، بأن يكسبوا تعاطف الناس، في الأراضي الواقعة تحت هيمنة كابوس مليشيات الحشد الحوثوعفاشي، و قد يساعد في سرعة حسم أمور تلك المناطق... فإن حدث ذلك الامر و تفرغ التحالف بمساعدة السلطة المحلية الجنوبية و حتى الشرعية في إعمار ماخربته الحرب و إستقرار حياة الناس، كان الشعور الإيجابي سيعم الجميع، و ستضيق مساحات الإصطياد في المياة العكرة، و سيختنق نافخوا الكير و لن يجدوا فرصة للإنغماس و نفخ سمموهم في مسامع الناس.. كان من الطبيعي، بعد دحر الغزآة، توفير متطلبات الناس من محروقات و مشتقات نفطية، و متطلباتهم المعيشية، و تحسين الخدمات المدنية و السياحة، و إعادة فتح مكاتب البعثات الدبلوماسية و اعادة تفعيل مطار عدن لإستقبال رحلات طيران دول العالم، بدلا من جعلها حكرا لطيران اليمنية فقط، و هذه النقطة بالذات في غاية الأهمية، حيث نشعر الآن و كاننا في سجن كبير ليس له أسوار، لا نملك فيه أبسط مقومات العيش البشري.. و كان لابد منذ اليوم الأول أيضاً، تحسين غيرها من الأشياء، التي كانت بسيطة و ممكنة، و لكنها أصبحت تتعقد مع مرور الزمن و تكاثر المنظرون و الفاسدون و الباحثون عن عيشة و لقمة حرام في كل مشروع لتحسين أوضاعنا، مثلهم كالبعوض الذي يتكاثر في بحيرة آسنة ينشر جراثيمهم في كل مكان.. شيئاً فشيئاً حتى تخرج الأمور عن السيطرة! و بدلاً من الجدية في إستشعار المسؤولية من قبل التحالف وانصارهم و ما تسمى الشرعية.. و بغرابة شديدة و عمل متضارب غير منسجم بل و عدائي في اكثر الأحيان تتعقد أمورنا و تسوء خدماتنا، نقف كالمشلول، نعجز حتى عن رفع أنقاض مخلفات الحرب، و صرف مرتبات جندي جائع، أشعث، أغبر، يحج إلى معسكره كل يوم لا يهتم لمن تمزقت أجسادهم من رفاق، بحزام ذئب اندس بينهم خلسة، رفاق كانوا قبله يتجمعون لنفس الظرف.. او طاعنون في السن يقفون بالأيام أمام مكاتب البريد للحصول على رواتب تراكمت في جيوب المتلاعبين، دون رحمة لضعفهم و عجزهم و حتى عوزهم و عجزهم الشديد في الحصول على مصاريف الحج اليومي الى مكاتب البريد فيجعا بعضهم اماكن الظل بجوار مكاتب البريد سكنا لهم.. نحن نعرف وجود طابور خامس، و إن لم نستشعر الخطر و نقوم بعمل شئ حيال ذلك، فسيظهر طابور سادس و سابع وو..يقاتل بشراسة في كل الأماكن، مثل مواقع التواصل الإجتماعي لبث الفرقة و الحقد و الكراهية، و قد وصلت بعضها إلى درجة الإغتيالات ل شخصيات و إلقاء اللوم على اطراف اخرى.. الوعود الكاذبة، تمرد الإنسان، تجعله يفقد الثقة و تجعله صعب المرأس، لا يقبل مزيداً من الاعذار.. و الأمور السائبة و المتروكة تغري ضعاف النفوس تفرخ العصابات و البلاطجة الذين يبحثون عن المال تحت كل حجر و في ثنايا الشجر و تحت حبات الرمل ، و في الجنوب، إن ترك الجرح دون سرعة معالجته سيقيح و سينفجر، و حتى البتر ربما لن يفيد حين تستفحل القروح و تكثر الرؤوس المدملة.. فنحن نرى اليوم كيف تسير الأمور! يكاد لا يمر قرار واحد او عمل واحد او حركة واحدة او مشروع واحد، إلا و نتشظى و نتفرق و نختلف إلى شيع من الإختلافات و التخوين و التكفير.. هذا مع و ذلك ضد و ذلك وسط.. و هكذا لا نكاد نخطو خطوة إلى الامام إلا و هناك من يشدنا ثلاث خطوات إلى الخلف.. كان الأمر ليكون بغاية البساطة ان وجدت النية الصافية من الجميع ان يتوحدوا و يجعلوا قرارهم بلون واحد، بفريق واحد يعمل منسجما.. ان تتحقق الوعود و نرى الجدية في التعامل مع الناس كبشر، دفع رواتبهم، معالجة جرحاهم، تعويض من فقدوهم، و إعمار منازلهم... إعادة الرونق لجمال الحبيبة الحزينة عدن.. أن يعمل كل مامور مديرية بإخلاص لوظيفته و يركز على ما تحتاجه مديريته، يدعمهم محافظ يمتلك كامل صلاحيته و إستقلالية قراره، يسهل أمورهم.. دون تدخل احد، في مهام تطبيع الحياة في المحافظات دون عراقيل.. حينها سيظهر للناس من الذي يقف فعليا وراء معاناتهم و يتسبب في مآسيهم.. لذلك انصحكم ان تجعلوا من المحافظات المحررة أنموذجاً، و ستسقط بإذن الله كل قوى الشر في المناطق الأخرى، بأيدي الرازحين تحت الظلم و العبودية حين يقارنون حالهم بحال الإنسان في الأراضي التي تحررت، سيشعرون الفرق، و سيشتعل في قلوبهم السخط و الغضب على مليشيات القتل و الخراب و السرقة و الفيد.. اما و هم اليوم ينظرون إلى حالنا فلا بجدون اي فارق و تمييز.. فسلبيتهم مبررة، حيث لا يوجد شئ يمنحهم الثقة و يحفزهم للخلاص من مستعبديهم و ظلمتهم.. فكيف تمييز الليل عن النهار، مالم تكون هناك شمس تشع ضياء؟!