شهدت مدينة عدنجنوبي البلاد، الخميس الماضي، توترا أمنيًا طفيفًا لم يحمل صدام، بعدما نشرت مواقع إخبارية، خبرًا، تضمن منع قوة أمنية، سفينة إغاثة تركية من الدخول لميناء المدينة، لكن نسق الأخبار تصاعد حتى الواحدة ظهرًا حينما أوردت المواقع ذاتها، أخبار، عن إنتشار وحدات من الحرس الرئاسي في محيط الميناء العريق غربي المدينة الساحلية وبالتوازي مع الصباح، شوهدت مركبات أمنية تنتشر في محيط المطار الدولي إلى الشرق من المدينةالجنوبية. على صعيد ذي صلة، كان مصدر في ألوية الحماية الرئاسية، قد نفى الأخبار التي نُشرت من سابق عن نشر وحدات من ألوية الحماية الرئاسية بعض أفرادها فيما بدأ إعلاميا أنهُ محاولة لإدخال السفينة التركية. حتى اللحظة المدونة أعلاه، بدأ للعيان، أن توترًا أمنيًا تشهده المدينة لكن لا تأكيدات عن ما حصل حينها بالضبط. تواترت الأخبار سريعًا قبل إن تقود شخصيات وقيادات لم تُعرف بعد جهودًا للحل تكللت مع ظهر الخميس بالنجاح. لم يكن الحدث الخميس الماضي هو الأول من هذا النوع في المدينة، إذ إن عديد أحداث من هذا القبيل شهدتها عدن من قبل وعلى فترات متعاقبة وتندرج جميعها في إطار التباينات والإنقسام في أداء الأجهزة الأمنية، مع التداخل الغريب في المهام والإختلاف في الأهداف. ما يحدث في عدن يمكن قراءته في إطار تشكيلة متعددة من الألوان بدت كإفرازات طبيعية لما بعد الصراع الأخير الذي شهدته المدينة قبل عامين، بين رجال المقاومة في عدن، التي دُعمت من التحالف العربي الذي تقوده الرياض من جهة، والحوثيون وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح. آنذاك تشكّلت تلقائيًا وعلى محمل من العشوائية فصائل وفرق مسلحة، البعض منها دُعم عسكريًا من جهات ترتبط بعلاقات مع التحالف العربي والبعض الآخر أخذ سلاحه عبر إجتياح بعض المباني والمراكز العسكرية قبل واثناء إندلاع الحرب الأخيرة، وهناك فريق ثالث يملك السلاح منذ فترة بواسطة عمله العسكري والجزء الأكبر منه، تسلّح من مناطق الريف حيث تزدهر تجارة السلاح. حينما بدأ الصراع بدأت للتو حالة من التقسيم العسكري في الإطار العام لتحالف القتال ضد الحوثيين، لكن التقسيم حينها كان صحيًا ولم ينتج تباينات مثل التي تحصل الآن. في عدن مدينة المركز السياسي في جنوباليمن، تتقدم مليشيا مسلحة تملك السلاح عشوائيًا المشهد العسكري وهي كانت قد توغّلت في عمق الجهازين الأمني والعسكري بعدما تبوأت بعض قياداتها مناصب في المؤسسة العسكرية وبقت كما هي مع أفرادها ما بدأ إن الطيف واحد، وثمة حالة يمكن قراءتها في إطار ما يشبه العصبة الواحدة التي تظل كما هي بتماسكها وولائها لقادتها المحليين، وبالتالي بات من الطبيعي إن نرى حالة من الأنقسام والتضارب بينها وبين السلطات الرسمية، إذ إن مجالها التنظيمي وتوجهاتها لم تتغير. في عدن ظلت كل الفصائل التي قاتلت الحوثيون وقوات صالح كما هي قبل الحرب وبدأ إن موضوع صهر الأجهزة الأمنية (كذبة) مشابهة لتلك التي أدعت فيها الحكومة اليمنية أنها قامت بهيكلة المؤسستين العسكرية والأمنية قبل إن يبدو الأمر فارغًا من المضمون بعدما قاد صالح إنقلابًا على حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي بالقوات ذاتها وهنا تثار مخاوف السكان المحليون في عدن من إن يشكل تواجد المليشيا في عدن دافعًا لها لإنشاء قوات منظّمة خارج الإطار الرسمي وقد يُستغل الأمر من قبل بعض القوى ومراكز النفوذ ما قد يؤهل لدورات صراع مع تعزز حاله الخصام بين فروع المليشيا في عدن. بعد الحرب أرتكبت الحكومة اليمنية خطئًا كبيرًا حينما أبقت على كل الفصائل المسلحة في عدن ولم تبدأ بتذويبها في إطار القوات الرسمية، وبالتوازي أرتكبت خطأ آخر بعد ما فتحت أبواب التجنيد في وقت لم تتعافى المدينة بعد من التجنيد العشوائي الذي يحدث يوميًا في المدينة. كان من المفترض إن تبدأ السلطات الرسمية ومعها قوات التحالف العربي حينها، بإزالة كل مظاهر المليشيا بدءًا بإعادة فتح التجنيد لكل أفراد الفصائل المسلحة في الجيش والأمن على حد سواء وتفكيك الحالة العصبوية التي تتسم بها ما قد ينتج حالة إدماج وخلط لكل الفرق التي تحمل السلاح عشوائيًا تحت مظلة رسمية. لكن طريقة تعامل السلطات الرسمية وقوات التحالف العربي بدت وكأنها تعزز من وجود المليشيا في المدينة، حيث لم تبدأ كِلا الجهتان في البدء بعملية صهر لكل تلك الفرق المسلحة عبر إبدال كل أفرادها من مواقعها لمواقع أخرى وتغيير القادة مع ضرورة العمل على نقلها خارج عدن في المحافظات المجاورة لها. كان موقف الحكومة الشرعية والتحالف العربي خجولًا إزاء وجود تلك المليشيات وذهب الأثنان لدعم تلك الجماعات ما عزز من قوتها حتى باتت تشكل خصمًا للسلطات الرسمية. في عدن أصبحت قوة المليشيا تضاهي القوات الرسمية وصارت تنتشر في مديريات المدينة لكنها تتمركز بشكل قوي في مدن شمالي وشرقي وغربي عدن ولها معسكراتها المستقلة حتى وإن بدت البعض منها في الإطار الرسمي من خلال إنضوائها تحت مسميات ووحدات تتبع أجهزة أمنية لكنها لازالت تحتفظ بإستقلالها في الولاء والميول. الأمر الخطير هنا وهو ما يضاعف مخاوف السكان في المدينة الساحلية، هو التضارب الشديد في الولاءات والتوجهات السياسية لكل تلك الفصائل والجماعات التي تقف على النقيض من بعضها البعض وعدم وضوح الرؤية السياسية لها مما قد يجعلها موضع إستغلال لبعض مراكز النفوذ التي قد تستخدمها لضرب بعض خصومها في عدن ومدن الجنوباليمني. ثمة أمر خطير ثانً وهو إن جزء كبير من الفرق المسلحة في المدينة تنتمي إلى مركزي الخلاف في عدن وبالتالي ينعكس بشكل أكثر وضوحًا على مركزي الصراع التقليديين إلى الشمال والشرق من عدن. بدأ الفرز للقوى العسكرية في عدن يتضح أكثر ويتسع رويدًا رويدًا حتى باتت الأجهزة الرسمية التابعة لوزارة الدفاع والداخلية تمثّل مراكز نفوذ مناطقية في عدن، والنفوذ هنا لا يتجلى في عدد الأفراد قدر ماهو في وجود فريق يتزّعم الجهاز عبر القيادة ذاتها وهو من يقود ويوجه الخطاب السياسي، ويبدو هذا إنعكاسًا لتوجهات القائد نفسه غالبًا. ويمكن إن تصنف القوى الموجودة في عدن إلى صنفين يمثلان يخوضان خلافًا على جبهتين. الصنف الأول يحوي مراكز الصراع التقليدية عبر ثلاثة أجهزة رسمية وتندرج في لواءها بعض الفصائل والوحدات في قوات الجيش والأمن وهي كالتالي: 1-إدارة أمن عدن. 2-الحزام الأمني. 3-قوات الأمن الخاصة. 4- لواء النقل 5- اللواء الرابع حماية رئاسية فيما يتشكل الصنف الثاني في قوات رسمية وهي الألوية التابعة للمنطقة العسكرية الرابعة وقوات الحماية الرئاسية وهذه الأولى توالي الرئيس اليمني وإن كان يثار حديث حول إرتباط بعضها بقوى سياسية من خارج مدن جنوبياليمن لكن متابعون يعتقدون إن هذه القوات تضم طيفًا واسعًا مشكلًا من كل المدن الجنوبية بخلاف الوحدات المذكورة أعلاه وإن كان أغلب قادتها ينتمون لأحد مراكز الصراع التقليدي فيما الجزء المتبقي يوالي الرئيس هادي في إطار تحالفات وإصطفاف ديني. القوتان المذكورتان أعلاه أولًا تمثلان توجهات متعددة وهناك حالة من عدم التكامل والعمل بينهما وعلى سبيل المثال فإن الحزام الأمني هي قوة ليست رسمية وتبدو أشبه بالشركة الأمنية ولها وحدات تابعة لها في عدنوالمحافظات المجاورة لها، فيما إدارة الأمن ترتبط بعلاقة متوترة مع قيادة وزارة الداخلية التي يفترض أنها تكون تابعة لها. فيما قوات الأمن الخاصة توالي الرئيس اليمني عبر قادتها المقرّبين من هادي لكنها لا تمتلك علاقة سيئة مع القوتين أعلاه. تمتلك وحدات وفصائل مسلحة في عدن علاقة سيئة مع حلفاء أبوظبي وأندلعت مرتين إشتباكات بين هذه القوى ما يؤكد الإنقسام الصارخ جنوبًا وظاهرة الملّشنة في المدينةالجنوبية. وبالمقابل تسيطر بعض المليشيات المسلحة على مراكز النفوذ الحيوية في عدن ما يعزز الخطأ الفادح في إبقاء المواقع الحيوية بيد قوى شعبية غير رسمية. في عدن يرتفع الصوت عاليًا مجددًا حول تحجيم مراكز الصراع في عدن وإزالة ظاهرة المليشيا التي باتت تتوغل في العمق الحيوي والأجتماعي للمدينة العريقة. يعتقد متابعون إنه يجب العمل على إزالة كل مظاهر المليشيا عبر دمج كل الفصائل المسلحة في الأجهزة الرسمية للدولة سواءً تلك التي بدت في صورتها الرسمية أو المليشياوية، والبدء في أعادة توزيع تلك القوات بشكل سلس ومنظم بشرط أن تضم شتى ألوان الطيف الجنوبي مع ضرورة إزالة كل أسباب التخندق المناطقي في المؤسستين العسكرية والأمنية. ويمضي آخرون بالقول مجددين دعوتهم للسلطات الرسمية بتحجيم مراكز الصراع التقليدية وإعادة دمج أفرادها مع ضرورة إخراجها من المدينة والبدء في عملية نقلها بشكل رسمي خارج عدن وتوزيعها في المدن المجاورة. يرى متابعون إن وجود كل هذا الكم من الفصائل غير الرسمية لا يعد أمرًا صحيًا لعدن ويعزز من حالة الإحتراب والإحتقان وبالتالي بات من الضروري إعادة تنظيم تلك القوات بشكل رسمي في سبيل دعم وتعزيز الأمن في المدينة.