كأنه ولد زعيماً ، هكذا يبدو الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ، وهو يقبض على مقعده الرئاسي ، ويدير ظهره لكل هذه الجموع المليونية اليمنية شمالاً وجنوباً وفي كل المدن اليمنية ، وهي تصرخ في وجهه بكلمة "ارحل". لكن الرجل الذي يشعرك بأنه ولد زعيماً ، وأنه من الصعب عليه أن يفك ارتباطه الأزلي بمشيمة الزعامة ، وأن سنوات حكمه التي امتدت إلى مايزيد عن ثلاثين عاماً ، يمكن - بسبب المراوغة والدهاء واللعب بالنار - أن تستمر أبدية ، أو حتى يتم توريثها.
الرجل وبالرغم من أنه شاهد بالعين التلفازية سيناريو زين العابدين في تونس ، وسيناريو حسني مبارك في مصر ، والسيناريو الذي يوشك على وضع كلمة النهاية للعقيد القذافي ، إلا أنه يُعيد تلك السيناريوهات بكل تفاصيلها المملة , ويحاول أن يضع العراقيل ويتفنن في الدهاء السياسي معتقداً أن أرواح الشهداء من الشباب اليمنيين يمكن القفز عنها والذهاب إلى شيخوخة هانئة وهادئة.
والرجل يعي مستوى التحضر الذي وصلت إليه المعارضة الشبابية والقبائلية اليمنية وهي تتقدم نحو برجه العاجي بصدور عارية رغم الامتلاك المليوني لقطع السلاح في اليمن ، والرجل حاول أن يجر الوقار السياسي الخليجي إلى مساحته الفوضوية وهو يتعامل مع المبادرة الخليجية بين الرفض والقبول ووضع العراقيل البرتوكولية ، واستطاع حين حاصر بالبلطجية مقر السفارة الإماراتية في صنعاء ، حيث الوفد حامل المبادرة ، وبسذاجة سياسية واضحة ارسل طائرة هليوكوبتر كي تحمل الوفد الخليجي إلى القصر ، وكان له ما كان ، إلا أنه في اللحظة الأخيرة تخلى عن التوقيع ، مطالباً بحضور المعارضة إلى القصر كي توقع ، ويبدو أن الدهاء الزعامي قد دفعه ربما إلى التفكير على طريقة محمد علي حين دعا المماليك إلى حفل العشاء وقام بذبحهم الواحد تلو الآخر.
الرجل المصاب بالفعل بداء الزعامة ، بدأ هذه الأيام وبعد وصول اليمن برمته إلى باب مسدود ، يهدد بالفتنة والحرب الأهلية ، ومن يحدق بالمشهد الأفقي والعمودي للجغرافيا الديموغرافية اليمنية ، لا بد وأن يضع يده على قلبه رعباً وخوفاً من المذبحة القادمة على هذا الشعب العربي الأصيل. إنها عقلية داء الزعامة هي التي تورث اليمن وبعض دولنا العربية كل هذا العماء.