عيسى مقبل أجمل الأيام لم نرها بعد..أجمل الكتب لم نقراها بعد .. أجمل حياتنا لم تأت بعد !! هذه الكلمات الجميلة لقد تفنن في صيغتها الشاعر التركي ناظم حكمت إلى زوجته من داخل سجنه يشد بها أزرها وأزره ويقاوم بها اليأس من اجتماع الشمل استعادة أيام السعادة والحرية ولم تكن الظروف حوله تيسر باحتمال تحقق ما يصبو إليه ورغم ذلك فلم تمضي فترة طويلة حتى خرج من سجنه وانشد مع زوجته أناشيد البهجة والسرور .
والطبيب الألماني البرت شفايتزر غادر بلده شابا واختار ان يعيش في مجاهل في إفريقيا في اوئل القرن الماضي في قرية لا ماء نظيف بها ولاكهرباء ولاشي فيها من مباهج الحياة في أوربا فاعتبرته أسرته فاشلاً ضحى بفرصة في ان يصبح طبيباً معروف يجمع ثروة في بلدة كما يفعل زملأوه ، أمضى الطبيب سنوات عمرة يعالج مرضى الجذام وهو مرض جلدي كان يعتبر الرعب في نفوس الأطباء خوفاً من العدوى ، وأنشئ في قرية لامبارديني باالكونقو مستشفى بدائي لعلاج الجذام وسقط اسمه من ذاكرة الأصدقاء والمعارف والأوساط الطبية وليس مستبعدا أن يكون الندم قد ساوره في بعض الأحيان على ذلك لكن العمل الصالح لايضيع سدى ، فيما كان يعيش حياته البسيطة ويكتب من حين إلى حين مقالا يبعث به إلى الصحف الأوروبية عن الأحوال في إفريقيا وجد نفسه فجأة محط الأنظار في بلدة وفي العالم كله فالرحالة يأتون إليه في مشفاه البعيد والصحفيون يسعون إليه ويسجلون آراءه وكليات الطب تدعوه للمحاضرة فيها ويذهب هو إلى أوربا ليلقي المحاضرات وينشر الكتب والمقالات ويعزف الأورج في الحفلات ويجمع التبرعات لمشفاه فيفاجأ النقاد الفنيون بمستوى عزفه ويعتبرونه واحدا من ابرع عازفي الأورج في العالم ويرضى عن نفسه لذلك ويتصور انه قد نال بكل ماحلم به لكن الحياة تهدية أخرى لم ينتظرها هي جائزة نوبل فيستعد بتقدير العالم له ويعيش أجمل حياته إلى أن يرحل عن الدنيا عن 83 عام في سنة 1965
وكذلك الفيلسوف الألماني شوبهاور ظل 40 سنة يكتب ويؤلف ولا أحد يحس به أو يوليو بعض مايستحقه من تقدير واهتمام حتى بعد ان أصدر الجزاء الأول من مجلدة الضخم ((العالم إرادة وفكر)) فكان يمضي أيامه وحيدا صامتا لا ينطق أحيانا بحرف واحد لمدة أسابيع، رغم تولاه اليأس من أن ينال مايستحق من تقدير علمي فتوقف عن الكتابة 17 سنة متصلة لم يكن يفعل خلالها شيئا سوى القراءة وتناول وجبات الطعام في المطعم والتحديق صامتا بالساعات في تمثال بوذا الذي يضعه أمامه على المكتب تم استعاد حيويته فجأة ونشر مقالا فلسفي تم أصدر الجزء الثاني من مجلدة فإذا بالباحثين من كل الأنحاء يطرقون بابه وإذا بالدعوات تنهال علية من الجامعات وإذا بالأوساط العلمية تلتفت إليه وتضع على رأسه أكاليل المجد وإذا بالشهرة تفاجئه وهو يقترب من سن السبعين وهو يرقب كل ذلك متعجباً ويقول : بعد ان عشت حياتي وحيدا منسيا جاءوا فجأة ليودعوني إلى قبري بالهتاف والتهليل !!
أن تجارب الحياة قد علمت الإنسان منذ زمن طويل انه لاشي يتجمد في موقفة إلى الأبد وأن الفلك دائماً دوار يحمل الجديد والقريب في كل حين وانه يعتبر التطلع دائماً إلى الغد بقلب يرجو رحمة ربة ويخفق با الطموح لايستطيع أحد أن يتحمل الحياة تحقق أهدافها فيها الآن أو غداً أو في اي وقت أن السأم عدو السعادة وأيضا الإحباط واليأس أعدى أعداء ولأنة إذا ثبت المرء عينية على أوضاعه وتصور أنها سوف تستمر بنفس ظروفها إلى مالا نهاية لما غادر وشارك في الخوض في الحياة الصاخبة بحماس الراغبين في الفوز في تحقيق الأحلام والطموح المنشود .
يا أصدقائي ان قيمك الأخلاقية والدينية وخصالك الجميلة سواء كنت الطرف الذي سخت علية الحياة أو الجانب الذي لم ينل منها الا القليل لسبب هام هو انك إنسان وكل إنسان جدير بالاحترام لسجاياه وأخلاقه قبل كل شي آخر فلا تفقد نفسك دون ان يكون لك هدف نبيل في الحياة تسعى إليه وتستمد منة قوتك عند لحظات اليأس والإحباط وما أكثرها في هذا الزمان العجيب الذي ان لم تعرف لنفسك حقها فلن يعرفه لك أحد الا المنصفون وحدهم وما اقلهم في هذه الحياة الصاخبة وما أندرهم حين يتلفت الإنسان حوله باحثاً عن راحة القلب والنفس مع من يطمئن إليهم بدون هواجس ولا ظنون والسؤال يبقى في وجدان كل إنسان في مجتمعنا الحالي في هذه الحياة الصاخبة هل أصبح اليأس واقع اجتماعي بسبب الظروف التي تفرضها الحياة والتي حطمت ملايين الأحلام التي لم يكتب لها ان تشرق عليها الشمس أو ان الأمل مات وتورى تحت التراب في المجتمع !!!