لم أسمع من قبل مثل الكلمات الحزينة المؤثرة التي قالها خيرت كابالاري، المدير الإقليمي لليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال مؤتمر صحفي عقد في عمان "الأردن" يوم الأحد الماضي التي حملت للأطراف المتحاربة وأمراء الحرب في اليمن رسائل لها أبعادها الإنسانية عندما قال: إن" الوضع في اليمن يفطر القلب صدمت الأسبوع الماضي في صنعاء برؤية مئات بل آلاف الأطفال يتسولون في الشوارع" وقوله: إن " الحرب استمرت ثلاث سنوات في اليمن أودت بحياة آلاف الأطفال وأوقعت إصابات خطيرة بآلاف الأطفال. و" آن الأوان لوقف هذه الحرب الوحشية ويجب أن تتوقف اليوم لا غداً". توكد إحصائيات صادرة مؤخراً عن منظمة اليونيسيف مقتل وإصابة نحو (5000) طفل في اليمن منذُ مارس 2015م، وإن نصف مليون طفل لم يحصلوا على أي تعليم خلال نفس الفترة. كما أكد السيد جون غينغ مدير تنسيق الاستجابة الإنسانية في الأممالمتحدة خلال جلسة مجلس الأمن الدولي في فبراير الماضي على حاجة 22 مليون شخص المساعدة الإنسانية، والحماية في اليمن، فيما لا زال الوضع الصحي متدهوراً في ظل نقص الخدمات وتفاقم الأزمة الإنسانية لايزال وباء الكوليرا يهدد أرواح مليون شخص منذُ تفشيها العام الماضي حسب تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتفيد تقارير أممية نشرت في وسائل إعلامية إلى (2) مليون طفل يعانون من حالات حادة من سوء التغذية ويحتاجون لمساعدة فورية. وأن أكثر من مليون طفل حرموا التعليم، ومليونين من ستة مليون طفل انقطعوا كلياً عن المدارس، واتجهوا إلى سوق العمل في ظل ارتفاع معدل البطالة الى 85٪ ، وتشير إحصائيات شبة رسمية عن تجنيد ( 6000) طفل والزج بهم في جبهات القتال، بالإضافة إلى حاجة (20) الف طفل إعادة تأهيلهم. عندما يدقق المرء في أعداد ضحايا الأطفال بسبب استمرار الحرب بصورة مباشرة أو غير المباشرة التي تتضاعف بسبب استمرار الأزمة الإنسانية، سيتبيّن له إن اليمن يعيش مأساة كبيرة الحقتها الحرب وتداعياتها بالأطفال ويحتاج لعقود من الزمن للتغلب عليها لمعالجة أثرها الجسدي، والنفسي، والمعيشي والتربوي، الذي طال هذه الفئة الهشة وحولتها الحرب إلى وقوداً لها. لا شك أن هذه النتائج المرعبة ستخلق عوامل وظروف جديدة مضافة ستساعد في نمو وزيادة الخطر على المجتمع لأن هناك من سيدفع بالضحايا للاتجاه للقيام بالأعمال الممنوعه وتشجيعهم على ارتكاب المخالفات، والسقوط في مستنقع المخدرات، والممنوعات، والجريمة، والإرهاب، وسيزيد حمل المعاناة والتحديات الأمنية على المجتمع اليمني.. فهل ينقصنا هذا التحدي ؟!. فعلاً نلمس جهود تبذل من المنظمات الدولية الإنسانية؛ لمساعدة اليمنيين لتجاوزهم هذا الوضع المأساوي، لكن لا يزال هناك قصور محلي وعدم الاستجابة الكاملة لها، وتسهيل الصعاب أمامها، بالإضافة إلى غياب الجدية من الأطراف المتحاربة في التعامل مع حجم المأساة، والضرر الذي تخلفه الحرب.. ولو أنها تدرك أثار هذا الضرر مستقبلاً على المجتمع؛ لسارعت بالاستجابة السريعة لدعوات المجتمع الدولي، وتحكيم صوت العقل ومعالجة الخلافات والمشكلات بالحوار، وجعله الصوت البديل، لأصوات المدافع وأوقفوا الاقتتال. بالأمس مرت على الحرب ثلاثة أعوام، ولم تحقق منها الأطراف المتحاربة غير الدمار والقتل والنزوح والمجاعة للشعب اليمني، وإنتاج واقعاً جعل الأطفال أكثر فئات المجتمع تضرراً ووقوداً لها، ومع دخول عامها الرابع وازدياد المعاناة الإنسانية لليمنيين في ظل تحذيرات أممية من اقتراب اليمن إلى حافة "المجاعة"، وصل الحال بالمواطن إلى قناعته بوقف نزيف الدم، وتتعالى هنا وهناك الأصوات المطالبة بوقف الحرب التي حولت أطفالنا وقوداً لها. لا يسمع صدى الأصوات البعيدة الصادرة من أصحاب القلوب الرحيمه المطالبة بوقف الحرب إلا أهالي الضحايا، ومن يذوق مرارة الحرب، ويعيش مأساتها، ويستشعر الخطر القادم، لنجدها تمتزج مع صيحات ألمهم، بعد إن ضاق بهم الحال لتتعالى صرخاتهم أوقفوا الحرب!. يبقى هنا التساؤل: بعد إن رقت قلوب الأخرين وأشفقت على وضع أطفالنا ومأساتهم، وتوحدت أصواتهم مع أصوات معظم اليمنيين. ترى متى مأساة أطفالنا ستفطر قلوب قادة الأطراف المتحاربة وتصفع قلوبهم؟!