محمد الشرعبي بهجة وفرحة عارمة عمت الوسط الصحفي برحيل مُعسكر الصحافة اليمنية من ثلاثة عقود، فبعد الغياب الإجباري لنائبه في أسبوعية «26 سبتمبر» («13 يونيو» سابقاً) والسكرتير الإعلامي لصالح عبده بورجي عن المشهد السياسي العام في البلاد بداية يوليو 2011، لم يصمد علي الشاطر في دائرة التوجيه المعنوي التي كان يعتبرها مؤخرة لدار الرئاسة لأكثر من سبعة أشهر في منصبه أمام طوفان الثورة الذي اقتلعه أمس الاثنين اقتلاعاً بفعل احتجاج سلمي لموظفي التوجيه الذين هتفوا من عميق قلوبهم «لا شاطر بعد اليوم» و«لا للظلم.. لا للاستبداد، نعم للحرية» في مكان لا يسمع فيه غير أنين ضحايا الشاطر علي من صحفيي وموظفي التوجيه منذ زمن. هب وزير الدفاع لاحتواء احتجاج منتسبي «26 سبتمبر» الذين أعلنوا تعليقهم صدور أسبوعيتهم وإغلاق مطابع الدائرة حتى إقالة الكابوس علي الشاطر، اقر لهم الوزير بألا صلاحيات لديه بعزله أو إقالته، وأصدر قراراً قضى بتكليف اللواء علي محمد صلاح نائب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة «لتسيير أمور دائرة التوجيه» وبإشراف لجنة شكلها موظفو الدائرة. مثّل الشاطر لغز ثلاث جمهوريات (الحمدي، الغشمي، صالح) مرت عليه وهو في رئاسة هذه الدائرة التي تتبع دار الرئاسة وليس وزارة الدفاع، وهنا تكمن عُقدة الرجل، وسوء تعامله مع منتسبي هذه الدائرة العسكرية التي يعتمد عليها صالح ونظامه ويخصص لها ميزانيات خيالية تخدم توجهات صالح ونزواته الاستبدادية على أكثر من صعيد وبالذات الإعلامي والسياسي. كان الشاطر علي في عصر ولي نعمته علي صالح كابوساً يؤرّق منتسبي هذه المؤسسة العسكرية، حكمها الرجل لعقود ثلاثة بعقلية شمولية غير مسبوقة في شموليات الحكم في الكون، ولإثبات ولائه لعلي صالح ترصد موظفيه وفرض حظراً على تحركاتهم ومنع معظمهم من مزاولة أي عمل آخر خارج إطار الدوام الرسمي، وله مع كل حر أو إنسان ناجح في دائرته قصص تعذيب وتنكيل وتتبع حد وصول إصابة عدد منهم بأمراض نفسية وقرارات فصل تعسفي من الوظيفة العامة طالت مئات من منتسبي هذه المؤسسة التي يحكمها مزاج العميد الشاطر وتقارير مخبريه الذي يطلقهم كالجراد في كل اتجاه لرصد أنفاس البشر... بالفعل، ما حصل الاثنين من احتجاج سلمي في مؤسسة عسكرية فشل بقايا نظام صالح وبلاطجتهم من فضه بالقوة التي قوبلت ببسالة وصمود، يعد خطوة غير مسبوقة في التوجيه المعنوي ومفاجئة غير متوقعة في هذه الأيام الاستثنائية. وضع أحرار التوجيه المعنوي نهاية للكابوس الشاطر علي، وخطوا بموقفهم هذا نهاية تليق بمستبد صغير تفرعن بسادية مقرفة على شريحة نوعية من منتسبي الجيش اليمني الذي يكابد أفراده مصاعب الحياة بعيداً عن الشاطر ونظامه. العمل لديه محصور بين التنفيذ والزنزانة ولا بديل ثالثاً في مهنة أصابها الشاطر بلعنة «الميري». ولأن لكل طغيان وطول بقاء الشاطر ألف مبرر موضوعي، نعود إلى بدايات الرجل في تسلق المناصب وتسلله إلى قائمة رجال القصر، يعُرف عن هذا المخلوق العجيب ارتباطه بصالح قبل طموحه الذي تحقق في 17 يوليو 1978 في حكم اليمن خلفا للرئيس الغشمي، عرف من يومها علي حسن كشخص مخلص لصالح فقط، وشاطر في محاكاة تقلب مزاجه، ولأنه كذلك وأزيد، تعمر الرجل في منصبة في التوجيه المعنوي حتى نهار يوم أمس الأول. حاول الرجل باكراً وبشكل مقلق البروز كقطب مؤثر في نقابة الصحفيين اليمنيين بعقلية عسكري أبله، قبل وبعد الوحدة اليمنية، ونجاحه في تنسيب عشرات ومن ثم مئات من أفراد دائرة التوجيه في نقابة الصحفيين فتحت شهيته ونائبه عبده بورجي لدور أكبر خدمة لأجندة صالح ونظامه الاستبدادي، ومع ذلك كان أعضاء النقابة ومجالسها منذ تأسيسها يقابلون كل توجه من هذا القبيل بيقظة وتحدٍ، يحسب لكوكبة عظيمة من الصحافيين اليمنيين، لا يتسع المجال لذكرهم... يقال إنه صاحب فكرة تغيير اسم صحيفة «13 يونيو» إلى «26 سبتمبر» في 26 سبتمبر 1982، وهذا قرار من مئات القرارات التي أصدرها علي صالح لطمس مرحلة عهد الرئيس الحمدي الذي أصدر صحيفة بيوم إطلاق حركته التصحيحية في 13 يونيو، وهذا ما كان يستفز صالح عقب توليه الحكم ولأكثر من ثلاث سنوات، ليبدأ بعدها مشروعه الخاص الذي كان يتمثل يومها بالانفراد بالحكم والانقضاض على كل إنجاز لأسلافه وبالذات الرئيس إبراهيم الحمدي. وبطرقه وأساليبه ذاتها في القتل والقمع تحول صالح إلى مستبد وطغياني أعمه، ومن حوله نبت مستبدون صغار، صاروا - بدورهم - كوابيس أبدية، تئد كل حلم وتهد كل طموح فردي أو جماعي دون مبرر. الشاطر المتهم برئاسة المطبخ الإعلامي لصالح وبقايا نظامه واحد من هذه الكوابيس التي ثار الناس ضدها في ثورة شعبية سلمية طموحة تبدأ من إسقاط صالح ونظامه العائلي وكبار معاونيه -على غرار الشاطر- ومحاكمتهم على خلفية تورطهم في قتل شباب الثورة والمدنيين في أكثر من مدينة يمنية. الآن وبعد رحيل علي الشاطر من دائرة التوجيه بقرار تكليف وزير الدفاع لنائب رئيس هيئة الأركان لإدارة شؤون التوجيه المعنوي لنظام علي صالح، ومغادرة عبده بورجي خارج اليمن والى غير رجعة، يبدو أن المشهد الصحفي نظيف للغاية على غير عادته، وفرصة مواتية لتدشين مرحلة جديدة من العمل النقابي، يفترض بنقابة الصحفيين تبنيه، بهدف الإسراع بعملية الارتقاء بمهنة الصحافة دونما تبرير للعوائق التي كان نظام صالح عبر الثنائي المقيت (بورجي والشاطر) يفتعلها لإعاقة كل خطوة هادفة للقيام بإحداث يخدم المهنة ومنتسبيها...