(1) الجذور المعرفية لهذا المفهوم اللغوي (الانفصال الروحي) ،تنتمي إلى دلالات (الموت / الخطيئة / اللاوعي) ، إذ هو في الديانات السماوية تعبير عن لحظة الاحتضار التي تنفصل فيها الروح عن الجسد أو لحظة الخطيئة التي يكون العبد فيها منفصلاً عن الذات الإلهية ، بيد أنه في مدرسة التصوف تعبير عن حالة اللاوعي التي تسمو بها الذات الإنسانية عن واقعها المؤلم .
(2) لا غرو أن الذات اليمنية الجنوبية باتت تعيش انفصالاً روحياً عن واقعها المأساوي المؤلم ، سياسياً و اقتصادياً و ثقافيا ، و ذاك أمر بديهي ؛ لأن الوحدة اليمنية ارتبطت _للأسف_ بالدلالة المعنوية "الموت" أكثر من تجسيدها للدلالة المعنوية "الحياة" .
و الموت هنا ليس لفظاً دلالياً قاراً بحيث يرتبط بصيف 94م أو الانفصال الجغرافي ، بقدر ما هو حافز معنوي سلبي جامع لمبادئ و أهداف سامية نبيلة ، لكنها مفرغة المحتوى ، خاوية على عروشها ، وئدت في صحرائها الذات الجنوبية آلاف المرات ، بل صلبت على سواريها سنوات ضوئية لا تعد و لا تحصى ، بدءً بالوحدة المنهكة اليوم ، و انتهاء بالدولة المدنية الضائعة ، و الثورة المزيفة ، و الحرية المسلوبة ، على شواطئ الحقيقة المؤجلة .
(3) كلماتٌ عصيَّة على القلم ، تقطرُ دماً على ورق الكتابة ، لكنها ضرورية ، فلابد من جلد الذات و تقويم الأداء ، و تشخيص الداء و ترميم الأرواح ، إذا ما أردنا معالجة الواقع و الاقتراب من البؤر المفصلية للمشكلة ، و إذا ما أردنا الوصول إلى مراتب التوحد الروحي ، قبل الجغرافي و الديموغرافي ، و إلا سنظل عائمين في بحر لُجِّي ، فيه موج من فوقه موج ، ظلمات بعضها فوق بعض ، تدفع الذات الجنوبية إلى النفور من ضفاف واقع الألم إلى سماوات الانفصال الروحي .
(4) و بعيداً عن فكرة الانفصال الجغرافي ، نتساءلُ :
ما هي رؤية حكومة الوفاق الوطني و ثورتها للتعامل مع قضايا الناس في الجنوب ؟!
هل ثمة إستراتيجية وطنية واعية لدى الذات الشمالية لاحتواء صوت الذات الجنوبية المقهور ؟ !
الإجابة عن هذه التساؤلات ، تتطلب جرأةً و شفافيةً ليس بينها و بين العُتمة نسبٌ ، كما تتطلب التخلي عن فكرة تعنيف الصوت الجنوبي _ انفصاليين و فيدراليين _ بالعمالة و الخيانة و الرجعية ، و كذا التخلي عن سياسة الوصاية و الضم و الإلحاق ! أخيرا .. لانقول الا سامح الله السياسيين _ جنوبيين و شماليين _ اللذين جعلوا جيل الوحدة اليمنية ، يصل إلى هذا النقطة الاستوائية . * عدن الغد