الاهداء :إلى الأستاذة إحسان عبيد أي وطن يحتويني بعدك ، مثلما احتويتني ؟ حين يراودني الإحساس بالكتابة عن وضع وحقوق المرأة في اليمن ، تتعثر كلماتي بحبر القلم ، فما بالكم وأنا أجد في نفسي رغبة ملحة للكتابة عن المرأة العدنية حيث عدن واجهة الجنوب – أي عن المرأة الجنوبية أيضا . حينذاك يرتجف قلمي بشدة بين السطور وفوقها ، ويرتعش فؤادي فرحا بذكريات الحركة النسائية التي توجتها د/ إسمهان العلس في أجمل إبداعاتها عن نساء عدن في مرحلة تاريخية لم أعشها – لم تلدني فيها أمي ، ولكنها أضفت في عيناي أفق جديدا من ألوان الحياة ، ومضى عمري ولم أسمح بأن ترتفع يوما دقات طبول زمن الذل والمهانة لتكسرني وأنا سائرة على خطى ذلك الزمن الجميل ، رغم كثافة الغربان السوداء حولي بمسمياتها وشرائحها الكثيرة ، فلم ولن تخيفني يوما رغم أن معظمها كانت تحجب ضوء القمر، وتهددني باسم النظام وانتمائها للنظام حفاظا على مصالحها الشخصية والخاصة حفاظا على ذلك النظام باسم المرأة وحقوقها .
ومثل غيري ظننت وبعض الظن آثم ، بأنه سقط النظام ، وإذا بالنظام جاء مكتسيا هذه المرة بعتمة صماء ، تريد أن تقتلع كل شيء حتى غصون الفرح من حاضرا ومستقبل نتوق إليه في دولة مدنية حديثة نصيغ نصف دستورها نحن النساء ، إلا أن ما حدث من رد فعل نسائي في مجرد خبر كنت المراسلة فيه مرسل إلى صحيفة القضية بعنوان ( نساء عدن إلى محافظ / عدن وحيد رشيد - لا جدوى من إثارة صراع نسائي جنوبي – جنوبي) جعلني في حيرة من أمري ، بإننا نحن النساء سنظل نعيش أوهام حقوق المرأة " العدالة الاجتماعية ، المشاركة ، المساواة " وسنظل نلتحف الصمت في سبات عميق ، فقد كان بالأحرى ، أن تسأل النساء محافظ محافظة / عدن عن محتوى كلماته التي أدلى بها في صحيفة الطريق العدد رقم " 1237" الصادر يوم الثلاثاء بتاريخ 5/ 6 / 2012م صفحة رقم "6" وهن في غفلة عنه ؟ وأستغرب كيف لم تزعجهن ، حين تصبح حقوق المرأة مجرد احتياجات ومتطلبات ؟ وتصبح قضية بحجم الوطن المنهوب مجرد ورقة " رؤية " في مؤتمر سترسم فيه ملامح الوطن القادم ؟ ولعمري فيما يبدو بأن ماخفي كان أعظم ....؟ والصمت تجاه حقوق المرأة وتجاهل قضاياها في هذا الوضع وعن هذا الوضع ؟ معناه أننا سنظل حبيسات داخل فقاعات صابون ، وأقسى ما أنستطيع فعله هو الثرثرة عن بعضنا البعض ، ولكل واحدة منا عبق ورائحة تستطيع أن تميزها أنوف الناس بعد أن عرفت طريقها إلى ثورات الربيع العربي فليس بيني وبينكن أية مشكلة ، وإنما كنت أريد أن أتعافى من حماقات ثقيلة ، أكهلني بها الانتماء إلى هذه المدينة التي أحب وأعشق . أنا امرأة أكتب عما يجول في نفوس الضعفاء والبسطاء ، عن أحلامهم وعما يزعجهم ، فما بلكم أن كنت كتبت عن بنات جنسي " عن الفساد الذي عبث بكل حبة رمل في هذه المدينة وألتهم الأخضر واليابس " الأرض والإنسان " في كل مرفق من مرافق الحكومة ومؤسسات المجتمع نخرها سوس الرشوة والمحسوبية والوساطة ، عن ميزان عدالة أكله الصدأ فأصبح متهالكا في منطوق أحكاما أباحت دماء المظلومين هدرا ، عن منابر لتربية والتعليم عشش فيها بوم الغش واستهجان السلوك المؤدب وخدش الحياء ، عن صروح ، التعليم العالي التي نمت فيها الأرضة وترعرعت على حساب الكفاءة والخبرة والأمانة البحثية ، ومناقصات العرض والطلب المحددة سلفا بالقسمة والبيعة والحسبة ، عن معاناة أولياء الأمور لتوفير مصروفات التعليم الموازي الذي لا يوازي التعليم ، عن مقاولات منظمات المجتمع المدني وهي تمتهن التجارة في كل شيء حتى في حقوق الإنسان ، وعن تجارة الجسد والجنس والأعضاء المحمية بقوة الحاكم المقدس وبركة ولي الأمر ، وكيف تفشى كل ذلك في حضن عدن وماذا أصبحت عدنالمدينة المدنية والأخلاق التي طويت .
عن فتاوى دينية من الأزمنة الضحلة ، تمتهن أدميتي و إنسانيتي باسم الإسلام ، عن عقول أجثثت ملامح أحلامها من العنف والقتل من حرب 1994م ، لتجعلنا فيدا أخر بأدوات وآليات جديدة ، تسنى لها أن تستخدمنا نحن النساء ، عن تصريحات وفتاوى وخطب تمزق براءة وجودي في الساحات ، وتخيط نضالي بالعهر ، هذا ما نريد الحديث عنه في مؤتمر يلملم الكلم وتجتمع فيه الحروف ، نريد تغيير مقاييس وضعنا المؤلم والنظام الذي لم يسقط بعد ، نحن نشتاق للماضي لا ننكر هذا لأننا لم نعش أي فرح للحاضر، وليس من حق أي أحد اغتيال أحلام المستقبل ، لكن يبدو أنني أطوف في وقت موجع ، أحاول فيه أن أتوسد الأمل باحثة عن دفء موجات بحر من ذكريات نساء عدن ، أما عدن فلها الله ........... .