إن من يطّلع على التاريخ القديم بشكل عام سيجد فيه الكثير من الأساطير والتناقضات الحادة والكثير من المغالطات والأخطاء، وقد قال العرب عن تاريخ اليهود إن فيه كثير من المغالطات والإفتراءات وتزيّيف الوقائع والأحداث التاريخية. وقد يكون صحيحاً حول ما قيل عن اليهود، فكثير من المؤرخين من غير العرب قالوا أن اليهود قديماً قد استحوذوا على قصص وأساطير وأمجاد حضارات قديمة وأضافوها إلى تاريخهم وسطّروها باسم الإسرائيليات بعد إن قاموا بتعديلات بسيطة عليها. ولو أن المؤرخين العرب وحدهم من شكك في تاريخ اليهود لما وضعت لتشكيكهم أي إعتبار، لأن التاريخ العربي القديم لا يقل سخفاً عن مرويات وقصص بني إسرائيل، ففي تاريخ العرب القديم الكثير والكثير من القصص التي لا يقبلها عقل ولا يصدقها عاقل، وكأن أغلب كتب تاريخنا العربي قد كتبت خصيصاً للجهلاء وحصرياً للأغبياء، وقد قال أحد الساخرين في هذا الصدد (إذا أردت أن تعرف المعنى الحقيقي للغباء فما عليك إلا أن تقرأ كتباً عربية تتحدث عن تاريخ العرب القديم). وإذا ما تطرّقنا إلى أصل العرب، فدائماً ما نجد المصادر التاريخية حينما تتطرّق لحدث ما، أو نسب ما، فإننا لا نجد توافق أو إجماع في المصادر، وهذا شي طبيعي لا يثير إستغراب أحد، ما يثير الإستغراب والدهشة حقاً هو ما ذكره الكاتب العراقي فاضل الربيعي في كتابه «شقيقات قريش» حين قال (أن قدماء العرب أتفقوا وبإجماع يكاد يكون مدهشاً من نوعه على إن اليمن القديم هو الوطن التاريخي الذي هاجرت منه كل الجماعات والشعوب والقبائل والتي وجدت تالياً في نطاق الجزيرة العربية مثل العماليق وثمود وطسم وجديس). ولكن علي هنا أن أقف على هذا الكلام وأتسائل، إذا كان قدماء العرب أنفسهم يصنفون العماليق وثمود وطسم وجديس بإنهم من العرب البائدة، فكيف سيكونوا أصل العرب اليوم وهم قد بادوا وهلكوا كما تم تصنيفهم. وأيضاً كثير من مؤرخي العرب قالوا أن النبي إسماعيل بن إبراهيم هو أول من تكلم العربية، وقد نسبوا قحطان الجد الأعلى للقبائل اليمنية إلى إسماعيل. فكيف يكون اليمنيون هم أصل العرب ونسبهم يعود إلى إسماعيل؟؟ فهل نقول أن إسماعيل بن إبراهيم يمنياً.؟؟ قد يبدو للقارئ إن سؤالي هذا لا يعدو كونه سخيفاً وغير منطقي، لأن كثير من المصادر التاريخية تقول أن إسماعيل حينما سكن وادي مكة بعد أن أتى به إبراهيم هو وأمه من فلسطين كان قد حالف قبيلة جرهم اليمنية وتزوج إحدى بناتها، ولكن المؤرخ اليمني الهمداني صاحب كتاب «الإكليل» زعم أنه أطّلع على قوائم أنساب قديمة تتضمن نسباً منفرداً لقحطان يصبح فيه إسماعيل نفسه ابناً لقحطان!! فهل هذا معقول ومنطقي أم أن الهمداني متعصب لأبناء جلدته وتاريخهم الأسطوري مثله مثل الذين يتعصبون اليوم لليمن واليمننة، ولهذا فقد قال أحد الفلاسفة (ما أتعس التاريخ، عليه أن يتحمل نزوات المؤرخين على الدوام). قد يقرأ مقالي هذا أحد الذين يفتخرون باليمن ويتعصبون لليمننة ويقول لي إن سام بن نوح من أصل يمني، ويربط بين صنعاء واسمها القديم كدليل قاطع وحجة دامغة على عراقة اليمن وأصالة اليمننة. ولكني سأجيبه بالقول إن آدم أبو البشرية هو يمني أصيل، كي أنهي نقاشي معه قبل أن يتطاول على الله ويدّعي بيمننة الذات الإلهية.