منذ طفولتي و انا أرى والداي و هما يعاملان رجل الدين بمنتهى الاحترام و التبجيل ولد ذلك عندي قناعة بقداسة شيوخنا و ان معاملتهم بالتأكيد وجب ان تكون مختلفة عن التعامل مع الناس ( العاديين )،، و كنت أرى المرتادين المساجد من عامة الناس و الشيوخ في ظهيرة يوم الجمعة كنجوم تتلألأ في عز الظهر بصورة يتجلى العيد فيها ،، رغم ان تلك الفترة كان النظام الاشتراكي هو المسيطر على أمور الدولة الا ان مرتبة الاحترام لرجال الدين كانت لها مكانتها. في مرحلتي الابتدائية -كانت لنا حصة- في الأسبوع ندرس فيها الدين الإسلامي ، و كانت سورة الجمعة إحدى المقررات في تلك المرحلة ، معلمة الدين قالت لي ان سورة الجمعة سميت بهذا الاسم لأنها تجمع الناس لحل مشاكل المجتمع ، و تمحو الكراهية بين الناس و تنشر الحب و السلام وان الله سبحانه و تعالى قد أطال وقت خطبة الجمعة حتى نأخذ وقتنا في سماع مشاكلنا و إيجاد حل لها و حتى يهب خطيب المسجد بتفجير مشكلة مجتمعية و يلفت أنظار المصلين إليها .
مؤسف ما يحدث اليوم في مساجدنا و في خطبة الجمعة بالذات ، يكاد لا يخلو مسجد من خطبة المخطط الإسرائيلي الصهيوني على العرب ،، و من خطبة "مكر الشيعة " و عن الفتنة التي ستصيب " السنيّين " و تعبئة عامة المصلين و بالذات الشباب لمحاربة الشيعيين و الا فديننا الإسلامي سيصيبه التصدع !! فنراهم يؤكدون علينا فريضة الجهاد في سوريا و أفغانستان و دماج معمّدين ذلك بفتاوى مجلجلة من كبار الشيوخ اليمنيين ذوي النفوذ ، تتبعها سجلات لتدوين بيانات المشاركين في حملات " الجهاد" إلى تلك الأماكن ضاربين بعرض الحائط المشاكل التي تعصف بمجتمعنا و التي يجب علينا كافة ان نجاهد لإزالتها . مختزلين مشاكل مجتمعنا بين الشيعة و إسرائيل ..
ما يثير الحنق إننا لا نجد خطيب مسجد ( وطني ) يضع نصب عينية المشاكل التي عصفت بالمجتمع و التي أضرت بالإنسان و خاصة الشباب الذي هم الحاضر و عماد المستقبل . فاكتفوا بسرد القصص النبوية و مواقف الصحابة حتى أصبحنا امة تهيم في نجاحات التاريخ الإسلامي القديم فنخرج من خطبة الجمعة حاملين أحلام روحانية هشة تتحطم عند أول مطب نصطدم به في واقعنا فتترسخ قناعة لدينا إننا عاجزون لأنّا خلقنا من ماء و طين و هم خلقوا من نور .
شيوخنا الإجلاء لا يقتصر واجبكم في التغريد بالابتهالات الدينية و التلاوات القرآنية و تحفيظ القرآن فقط بل هناك مهام مناطة بكم يجب عليكم ان تلتفتوا إليها و ان تلتفوا حولها ، ويجب عليكم ان تعوا إلى خطورة ما يمر به مجتمعنا اخلاقياً و دينياً فلا يخفى عليكم ظاهرة سب الله و نبيه حتى أصبحنا نشيح بوجهنا عمن يقولها و كأننا نهش على ذبابه ،، ظاهرة المسلسلات المدبلجة و التي تجعل من القاتل بطل في نظر المشاهد بالتأكيد سترسخ ثقافة القتل ( المشروع ) لدى الأطفال ،،و تلك المسلسلات التي تجعل من الزاني محب و عاشق مغلوب على أمره ، أي ثقافة هذه التي يكتسبها أطفالنا من تلك المسلسلات ، و الأدهى و الأمر إننا نجد الأطفال يشاهدون تلك المسلسلات برفقة الأبوين ؟؟!!! يا لها من رقابه ..
و كوننا أهملنا هذا الجانب و لم نقدر مخاطره حق تقدير يتكرر على مسمعنا تلك الأخبار حول اغتصاب الفتيان دون العاشرة من قبل طلاب معهم في نفس المدرسة يكاد لم يبلغ عمر الغاصب الثانية عشره فكيف له ان يرتكب تلك الجريمة و هو في سن الطفولة !! كيف له ان يصل إلى هذه الدرجة من الفساد في بلد تكثر فيه المآذن و يحكمه أصحاب اللحى ؟
و في ظل غياب دور الأسرة في الرقابة على أطفالهم فإن تغيير تلك الظواهر الدخيلة على شعب يحترم و يقدس دينه و يبجل شيخه بالضرورة يجب ان يبدأ من المسجد عبر التوعية أولاً تم متابعة التنفيذ من قبل خطيب المسجد ، و ليكن الدكتور عمرو خالد ( و ان لم يعجب البعض ) ليكن لكم مثلاً في القول و العمل ، اذكره عندما ظهر قبل سنوات على إحدى القنوات و هو يقول ان لديه حلم ( صناع الحياة )، لم أتخيل بأن ذلك الحلم سيتحقق و انه سيمتد حتى يشملنا نحن ايضاً (مؤسسة صناع الحياة - عدن ).
يا شيوخنا الإجلاء لخطبة الجمعة أهمية كبيرة و عظيمة ارجوا استغلالها كما يجب و لا تكتفوا بقراءة بعض الآيات و قول بعض الوعظ بل اشرفوا بأنفسكم على تنفيذها ، نحن في مجتمع قد دق فيه ناقوس الخطر و مؤشر الانهيار فيه يرتفع كل يوم . *خاص عدن الغد