للبلاد جمعت حكماءها واستشرتهم في أمور الحكم، ودعوت التجار وسألتهم عن كل ما يطلبه المواطنون من مواد غذائية، وسألتهم عن قيمتها الشرائية، ونزلت الاسواق أتحسس احتياجات الناس، ومررت بالمستشفيات وسألتهم عن متطلباتهم، وعرجت على المدارس والجامعات، واستفسرت عن المناهج ومدى ملاءمتها للطلاب، وسألتهم عن معاشاتهم هل تكفي للمواد الأساسية والكماليات، وهل تكفيهم للنزهة، والتمريض، وهل يبقى منها للادخار؟ ثم تجولت فرأيت من بعيد شرطياً يهتف من هناك؟ فأخبرته بأني رئيس الدولة، فاطمأنت نفسه، وتلفت يميناً وشمالاً والضوء يغطي كل الأرجاء، وشعبي نائم شابع آمن، فارتاحت نفسي، فسمعت صوت طفل يبكي، فتحسست لأعرف سبب بكاءه في جوف الليل، وإذا بالأب ينادي أطفئي المكيف، وشغلي السخان، فالطفل أصابه البرد، فعضضت أصابع الندم، لماذا لم أعمل لشعبي حلاً لتقلب الأجواء، فقررت أن استدعي خبراء العالم ليحلوا هذا الإشكال، ثم تجولت، فرأيت شخصاً يمشي وهو يبحث في الشارع، فناديت عليه، فأخبرني أنه يبحث عني، لأنه يعلم تجوالي في الليل للأطمئنان على أحوال الشعب، فسألته عن مسألته، فشكى لي من حال الجزار، فكل يوم لحمة من تبعٍ ويوم آخر من غنمٍ، فبحثنا عنك لتأمره ليضيف لنا يوماً آخر دجاجاً، وتونة وسمكاً مما يأتي به البحار، صدمني طلبه، ألهذا الحال وصل الحال بشعبي وأنا غير مبالٍ بمعاناته؟!! فجمعت كل الجزارين، ووجهت لكل مواطن في اليوم كبش ودجاجة وكرتون تونة، وتبيع وسلال كثيرة مليانة خضار، والحالي مما لذ وطاب. ثم طفت الشارع لأرى الأمن، فوجدت ورقة مرمية فأخذتها ووضعتها في برميل القمامة، تجولت ليلاً لأسمع شخير شعبي وهو ينام مطمئناً آمناً في سربه، فخالطني النوم، ولم أستطع المواصلة، فنمت على ناصية الشارع، وعلى نغمات شخير الشعب، نمت على ناصية الشارع، فالشارع نظيف وآمن، وضعت رأسي ونمت، وتعمقت في النوم، وإذا بصوتٍ يعكر صفو منامي، وإذا بالزوجة تنادي قم فالراشن خلص، فهنا أيقنت أني مازلت مواطناً ضبحان كلحان، وإني كنت أحلم أني كنت رئيساً.