الجنوب والحرب من أجل السلام    الجولاني باع الارشيف الأمني السوري لإسرائيل    ألمانيا تعتقل شابًا يمنيًا بتهمة الانتماء للحوثيين والقتال في مأرب    برشلونة يجدد عقد رافينيا بعد تألقه تحت قيادة هانزي فليك    جوائز قياسية لكأس العرب "قطر 2025"    الذهب يرتفع ويتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر    انخفاض أسعار النفط بفعل ارتفاع الدولار    دراسة صادمة تكشف ما قد يفعله الهاتف الذكي بعقول الأطفال!    انفجار عنيف جدا في مطار بن غوريون    موت الوحدة اليمنية وولادة رؤية دولتين تتعانقان بسلام    هل ما جرى في عام 1990م وحدة اليمن والجنوب أم كان اعلانا سياسيا؟    مدرب طليعة تعز الكاتب يؤكد ... مهمتي مع الفريق صعبة ولكنها ليست مستحيلة !    تحذير هام صادر عن أعضاء الجمعية العامة في بنك اليمن والكويت بصنعاء    قيادي في الانتقالي ينتقد اداء المجلس ويتحدث عن التلسط والتمييز والخلل البنيوي وغياب التخطيط    صلاح باتيس: لا مشروع وطني بدون وحدة والتفكيك خطر على اليمن والإقليم (حوار)    البيض في ذكرى الوحدة: إما انهاء الانقسام وإعادة الاستقرار والتنمية او يظل الوطن رهينة صراعات لا رابح فيها    العراسي: صغار المودعين يواجهون اشكاليات وحلول الودائع لم تنفذ ووقف التعيين والتكليف مبرر لابقاء الفاسدين    ناشيونال إنترست: نتنياهو يخاطر بانهيار الاقتصاد الإسرائيلي على يد اليمنيين    السيد القائد يدعو للخروج المليوني الحاشد غدًا بالعاصمة صنعاء والمحافظات    السامعي: الوحدة هي نتاج لتضحيات الشعب في الشمال والجنوب    إعلان هام للمتقدمين لاختبار المفاضلة بكلية الهندسة جامعة صنعاء    هذا هو ( ترامب)..؟!    تصاعد موجات التفشي الوبائي بتعز .. تسجيل الصحة آلاف الإصابات بخمسة امراض خلال اقل من نصف عام    تحرير بلا احتفال: عيد الوحدة في ميدان الغبار    المركزي المصري يخفض سعر الفائدة للمرة الثانية خلال شهرين    ترامب يعلق بشأن مقتل موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن    الإعلان عن تخصيص جوائز مالية قياسية لكأس العربFIFA قطر 2025    عواقب الوحدة الاندماجية    جامعة سيئون تمنح ثلاث درجات دكتوراه بامتياز في اللغة والأدب    طارق ...النجم الغارق    بمشاركة 34 لاعباً.. انطلاق بطولة تعز لبناء الأجسام 2025    بريطانيا : التوصل إلى تقنية جديدة لتشخيص أورام الدماغ    سريع يعلن عن عملية ثانية في العمق الاسرائيلي    عدن .. البنك المركزي يوضح حول طباعة نقد جديد لتمويل عجز الموازنة    إب.. عام أسود من الانتهاكات والجرائم الحوثية    توتنهام بطلا للدوري الأوروبي 2025    وفاة ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة غرقًا في ساحل صيرة بعدن    تكتل قبائل بكيل ينعي الشيخ ناجي جمعان    في الذكرى ال35 : الوحدة اليمنية ... بين التدخلات الخارجية وحروب الثلاثمئة عام!    زيارة ملك الاردن لمصانع الكبوس تعيد إلى الواجهة اقتحام غرفة صنعاء وتحذيرات السامعي من تطفيش الرساميل الوطنية    منح الرقم الوظيفي لعدد 559 حالة من الموظفين الجدد في وزارة العدل    رسالة أستاذ جامعي!!    مالية رئاسة الوزراء فساد يزكم الأنوف والجهاز المركزي صامت    تشابي ألونسو في مواجهة التحدي الأكبر مع ريال مدريد    دراسة تكشف عن مفاجأة غير متوقعة عن "داء الملوك"    الفساد الحوثي ينهش القطاع الصحي بريمة.. مستشفيات بلا دواء ومساعدات منهوبة    صنعاء .. التربية والتعليم تحدد موعد بدء العام الدراسي القادم    مئات الحجاج عالقون بمنفذ الوديعة مع وقف التفويج عبر مطار صنعاء    تقييم هندسي: "شجرة الغريب" في تعز مهددة بالانهيار الكامل وسط تجاهل رسمي    سلطات تعز الصحية تقر إلغاء تراخيص مزاولة المهنة الصادرة من صنعاء بعد 2013م    بين هوية الغربة واسرار الفنتازيا في الجني وران ل"حميد عقبي"    باب الحارة يفقد أحد أبطاله.. وفاة آخر فرد بعائلة "أبو إبراهيم"    زهرة الجنوب تناديكم.. لتعشيب ملعبها التاريخي    جراء الإهمال المتعمد.. انهيار قلعة تاريخية في مدينة يريم بمحافظة إب    انطلاق أولى رحلات الحجاج جواً من مطار الغيضة إلى الأراضي المقدسة    عندما يستنوق الجمل، تحل الناقة محله    دشن مهرجان عروض الفنون الشعبية احتفاءً بالعيد الوطني 22مايو.. الوزير اليافعي: سيدافع عن الوحدة الشرفاء الأحرار على امتداد الوطن الكبير    وزارة الاوقاف تبدأ تفويج الحجاج اليمنيين براً إلى الأراضي المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح باتيس: لا مشروع وطني بدون وحدة والتفكيك خطر على اليمن والإقليم (حوار)
نشر في الصحوة نت يوم 23 - 05 - 2025

في ظل مشهد يمني شديد التعقيد، تتعدد فيه المشاريع وتختلف الاهداف وتزداد فيه الانقسامات، تبرز أصوات تطالب بإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الجامع، وضرورة تصحيح المسار من الداخل، لا التعويل على الخارج.
في هذا الحوار، يضع عضو مجلس الشورى والقيادي في التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة حضرموت، الشيخ صلاح باتيس، تشخيصاً جريئاً للواقع، ويطرح رؤية متكاملة لمعالجة المظالم التاريخية، وبناء شراكة عادلة في السلطة والثروة، وإعادة الثقة بين مختلف المكونات السياسية.
من مبادرة "المجلس الموحد للمحافظات الشرقية"، إلى دعوته لإحياء مخرجات الحوار الوطني، يؤكد باتيس أن استعادة الدولة تبدأ من الداخل، وأن وحدة اليمن ليست خياراً سياسياً فحسب، بل ضرورة وجودية لمواجهة الأخطار المحدقة بالجميع، وعلى رأسها مشروع الحوثي.
فإلى نص الحوار:
كيف تنظرون للوحدة اليمنية بعد 35 عاما من تحقيقها؟ وما أبرز الدروس المستفادة من تجربة الوحدة منذ إعلانها في 22 مايو 1990؟
الوحدة اليمنية تُعد منجزًا تاريخيًا تتوّج بنضال طويل خاضه أبناء اليمن في مختلف المراحل التحررية والنضالية. وبالنسبة للإصلاح، الذي وُلد في ظل الوحدة المباركة، فإن التمسك بهذا المنجز يمثل ركيزة أساسية في مشروعه الوطني، باعتبارها ثمرة كفاح وتضحيات جسيمة.
من أبرز الدروس المستفادة من تجربة الوحدة اليمنية، أولًا: أن النضال المستمر يمكن أن يُتوَّج بإنجازات وطنية عظيمة حين تتوحد الإرادة الشعبية. وثانيًا: أن الوحدة عززت روح التلاحم بين أبناء الشعب اليمني، وكسرت حواجز الجغرافيا والانقسام، ما خلق شعورًا بالانتماء لوطن واحد يضم الجميع.
كما أثبتت التجربة أن الوحدة مصدر قوة، فهي السبيل للحفاظ على المكتسبات الوطنية ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية. فشعب ممزق لا يستطيع حماية حقوقه أو النهوض بمستقبله. ولهذا، تظل الوحدة خيارًا استراتيجيًا لا بديل عنه لبناء يمنٍ آمن ومستقر يسوده العدل والمساواة.
برأيكم، ما هي أخطر التحديات التي واجهت الوحدة اليمنية منذ تحقيقها، وما تزال تواجهها حتى اليوم؟

يُعد ضعف الإدارة والقيادة أولى وأخطر التحديات التي واجهت الدولة اليمنية الموحدة منذ إعلانها. فقد عجزت منظومة الحكم، في مراحل متعددة، عن الارتقاء إلى مستوى تطلعات شعب عظيم بحجم اليمن، مما أدى إلى انتكاسات متكررة وهز ثقة المواطنين بالمشروع الوطني.
التحدي الثاني، يتمثل في غياب المشروع الوطني الجامع، الذي يوحّد كل اليمنيين على قاعدة مشتركة. وقد لاحت بوادر هذا المشروع في وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل، الموقعة في 25 يناير 2014، لولا الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران، الذي أوقف مسار التحول الوطني وأدخل البلاد في دوامة صراع ما زال مستمراً حتى اليوم.
أما التحدي الثالث، فيكمن في عدم توظيف القدرات الوطنية، سواء من الكفاءات المؤهلة في الداخل والخارج أو من الموارد والثروات التي يزخر بها اليمن. وهو ما يتطلب وجود رؤية وطنية شاملة تستوعب هذه الإمكانات وتوجهها نحو البناء والتنمية.
بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، كيف يمكن الحفاظ على هذا المنجز في ظل الانقسامات السياسية والمناطقية الراهنة؟ وما هو تقييمكم لمستقبلها؟
يمكن الحفاظ على الوحدة اليمنية اليوم عبر اصطفاف وطني واسع، يعيد تجميع القوى الجمهورية والوحدوية في جبهة موحدة تهدف إلى استعادة الدولة وإنهاء التمرد الحوثي، الذي مثّل أخطر تهديد للوحدة والنظام الجمهوري.

ويمثّل التوجّه نحو الدولة الاتحادية من ستة أقاليم، كما توافق عليه اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الخيار الأمثل لترسيخ وحدة حقيقية مبنية على الشراكة والعدالة. فوثيقة الحوار الوطني، باعتبارها واحدة من المرجعيات الثلاث المتوافق عليها محلياً وإقليمياً ودولياً، تشكّل الأساس لبناء دولة عادلة تضمن الحقوق، وتوزّع السلطة والثروة بصورة متوازنة.
الوحدة التي نصبو إليها ليست وحدة شكلية، بل وحدة قائمة على الشفافية، ومكافحة الفساد، واستقلالية الهيئات، وبناء جيش وطني محترف على أسس وطنية جامعة. كما تتطلب معالجة كافة القضايا المتراكمة، والانطلاق نحو مرحلة جديدة من التنمية والبناء لكل اليمنيين دون تمييز.
كيف تقيمون دور القوى الوطنية في تحقيق الوحدة اليمنية وجهود الحفاظ عليها في شمال البلاد وجنوبها؟
لا شك أن جهود القوى الوطنية تباينت في تعاطيها مع مشروع الوحدة اليمنية، فبعض المكونات، وفي مقدمتها التجمع اليمني للإصلاح، ظل ثابتًا على موقفه منذ اللحظة الأولى، واعتبر الوحدة منجزًا وطنيًا واستراتيجيًا لا يخص اليمن وحده، بل يشكل ركيزة في مشروع الأمة العربية والإسلامية.
في المقابل، هناك مكونات أخرى تعاملت مع الوحدة كأداة للمساومة السياسية، وأحيانًا اتجهت نحو مشاريع ضيقة لتحقيق مكاسب مرحلية. وهذا التباين انعكس على الموقف العام من الوحدة، وأضعف الجبهة الوطنية المدافعة عنها.
أما فيما يخص توصيف المشهد شمالًا وجنوبًا، فأرى أن اختزال اليمن في هذين القطبين يمثل خطأ جسيمًا.
اليمن ليس مجرد شمال وجنوب، بل هو وطن متكامل يضم 22 محافظة، وستة أقاليم وفق مشروع الدولة الاتحادية الذي توافق عليه اليمنيون، الإصرار على استخدام المصطلحات الشطرية يفتح الباب أمام مشاريع الانفصال والتمزيق، ويهدد الوحدة من جذورها.
علينا اليوم تجاوز هذه الخطابات الضيقة، والانخراط في نقاش وطني حقيقي حول شكل الدولة، ونظام الحكم، وآليات تقاسم السلطة والثروة، بما يضمن الشراكة والتوازن والتداول السلمي. هذا هو الطريق الوحيد للحفاظ على اليمن موحدًا وقويًا.
كيف تتعاملون، كسياسيين، مع الدعوات التي تعتبر الوحدة سببًا للأزمات الحالية؟
نتعامل، كيمنيين وسياسيين، مع تلك الدعوات التي تسيء للوحدة اليمنية وتحمّلها مسؤولية الأزمات الراهنة، باستغراب شديد، فليس من المنطق أن تُدان الوحدة أو تُعاقب الجغرافيا والتاريخ. الأصل أن تُوجَّه أصابع الاتهام إلى من أساؤا إدارة الدولة وفشلوا في الحفاظ على منجزات الوطن، لا إلى الوحدة نفسها.
لو أننا جعلنا منجزاتنا العظيمة شماعة نعلّق عليها أخطاء بعض من أداروها، لما بقي من إنجاز يُفتخر به. الإسلام مثلاً، لم يكن يومًا سببًا في أخطاء المسلمين، بل المسؤولية تقع على من يسيء التطبيق أو يضل الطريق. وكذلك الوحدة اليمنية، فهي منجز وطني عظيم تحقّق بتضحيات اليمنيين ونضالهم الطويل، ولا يجوز أن تُدان بسبب إخفاق من أدارها.

المشكلة ليست في الفكرة ولا في الحلم، بل في من تولوا مسؤولية إدارة هذا المشروع الوطني وفشلوا في الارتقاء به إلى مستوى تطلعات الشعب. اليمن يمتلك من الطاقات والخبرات والكفاءات ما يؤهله لبناء دولة قوية وعادلة. واليمنيون الذين أسهموا في بناء أوطان غيرهم، في الخليج وشرق إفريقيا وجنوب شرق آسيا، قادرون على إعادة بناء وطنهم وتحقيق مستقبل أفضل بإذن الله.
ما تعريفكم لمفهوم "الهوية الوطنية الجامعة" في ظل التنوع الثقافي والجغرافي في اليمن؟
الهوية الوطنية الجامعة لليمنيين هي هوية تستوعب كافة أشكال التنوع الثقافي والجغرافي والاجتماعي الذي يزخر به اليمن، من أقصى تهامة إلى حضرموت والمهرة، ومن عدن إلى صعدة وعمران وحجة، مرورًا بسهل إب والمحويت وحتى مأرب وسبأ، أرض الحضارة والتاريخ.
هذا التنوع الغني في العادات والتقاليد، واللغات المحلية كاللغة المهرية والسقطرية، والأزياء والألوان والرقصات الشعبية والمأكولات والفنون، لا يتنافى مع الهوية الوطنية بل يشكل جزءًا أصيلًا منها. الهوية الجامعة لا تلغي هذا التنوع بل تحتضنه وتعتبره مصدر قوة وثراء يجمع اليمنيين في إطار وطني واحد.
لقد وضع النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وسام الشرف لهذه الهوية عندما قال: "الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان"، وهو وصف يجسّد العمق الروحي والفكري للشخصية اليمنية الجامعة. ومن هذا المنطلق، فإن الهوية الوطنية اليمنية تتسع للجميع، وتحترم كل الخصوصيات المحلية، في إطار جامع يعزز الانتماء للوطن الواحد.
ما هي المبادرات التي يمكن اتخاذها لتعزيز وحدة النسيج الاجتماعي بين مختلف مكونات الشعب اليمني؟
من أهم المبادرات التي يمكن أن تحافظ على وحدة النسيج الاجتماعي اليمني هي التمسك بوثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومخرجاته، باعتبارها مرجعية وطنية جامعة تضم حلولًا لكافة القضايا اليمنية، وأسسًا لبناء دولة عادلة وضامنة لجميع أبناء الشعب.

إنني أدعو إلى اصطفاف وطني واسع خلف هذه الوثيقة، وعدم التنازل عنها أو إهمالها، بل يجب تحويلها إلى مادة حية يتم التعريف بها عبر المنصات الإعلامية، والقنوات والصحف والإذاعات، لشرح مضامينها وتعزيز وعي المواطنين بها. للأسف، لم تنل هذه الوثيقة حقها من التوعية والتثقيف، بل تعرضت لحملات تشويه ممن انقلبوا على الدولة، بهدف تبرير انقلابهم ومنع الناس من الدفاع عنها.
لذا، أرى ضرورة إطلاق مبادرة وطنية شاملة تهدف إلى إعادة الاعتبار لهذه الوثيقة، وجعلها أساسًا للتوافق الوطني واستعادة الدولة وبناء اليمن الجديد على أسس المواطنة والعدالة والحرية.
في ظل التحديات الراهنة، كيف يمكن تعزيز الشعور بالانتماء الوطني وترسيخ الهوية الوطنية لدى الأجيال اليمنية الشابة التي لم تعايش مرحلة التشطير؟
لا بد من ترسيخ الشعور بالانتماء الوطني من خلال التذكير بتاريخ اليمن المشرّف، وحضارته العريقة، ونضالات أبنائه في سبيل الحرية والوحدة والاستقلال. فمعرفة الشباب بتاريخهم وهويتهم الحضارية تزرع فيهم الفخر والاعتزاز بالانتماء لهذا الوطن.
إلى جانب ذلك، يتطلب الأمر أداءً مسؤولًا من مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مجلس القيادة الرئاسي والحكومة والبرلمان والبعثات الدبلوماسية والسلطات المحلية، بحيث يُحسن اختيار من يمثل الدولة، ويكونون قدوة تعكس صورة اليمن المشرقة وتعزز ثقة المواطنين بوطنهم.

كما يجب أن تبقى مواقف اليمن ثابتة تجاه القضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بما يعزز من حضور اليمن وهويته القومية والإنسانية، ويشعر اليمنيين بالفخر بانتمائهم لموقف وطني شريف.

ولا يمكن تجاهل أهمية بناء اقتصاد وطني قوي، وتعزيز العملة الوطنية، وتحسين قيمة الجواز اليمني، وتوفير الخدمات الأساسية، بما يمنح المواطن اليمني كرامته على أرضه، ويخفف حاجته إلى الخارج، فاليمن بلد غني بالثروات والفرص، ويستحق شعبه أن يعيش فيه بعزة وكرامة.
كيف يمكن مواجهة مشاريع الانفصال التي تهدد وحدة النسيج الاجتماعي والجغرافي للجمهورية اليمنية؟
مواجهة مشاريع الانفصال والتمزيق تبدأ أولًا بإصلاح الخطاب الإعلامي والسياسي، وتصحيح المصطلحات التي كرّست الانقسامات والمناطقية والطائفية والسلالية. يجب أن نتحدث ك"يمنيين" فقط، ونتجنب لغة التصنيفات مثل "جنوبيين، شماليين، زيود، شوافع، هاشميين، قحطانيين"، وغيرها من المفردات التي تزرع العصبيات والانقسام.

من المهم أن نحتفي بكل تنوعات اليمن الجغرافية والثقافية، دون اختزال البلاد في قطبين أو شطرين أو سلالتين. اليمن تاريخ واحد، حضارة واحدة، نضال مشترك، ومصير موحد.

أدعو إلى خطاب وطني وحدوي حديث، يطلق "ثورة وعي" تعيد صياغة المفاهيم وتنتج سردية وطنية جديدة تتجاوز الانقسامات الماضية وتتصدى للمشاريع الصغيرة، سواء كانت انفصالية أو سلالية أو مرتبطة بأجندات خارجية. اليمن بحاجة إلى منظومة مصطلحات وطنية تُضخ في الخطاب السياسي والإعلامي لتبني وعيًا جامعًا يواجه محاولات التمزيق ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار والوحدة.
في إطار مواجهة مشاريع التمزيق والانفصال، لا بد من التأكيد على ضرورة عدم الاستسلام للشروط التي تفرضها الكيانات والمشاريع الانفصالية، تحت وهم إمكانية احتوائها. فمثل هذا الاستسلام لا يؤدي إلا إلى تعزيز حضور هذه الكيانات داخل الدولة، بما تحمله من خطابات وممارسات عنصرية ومناطقية وانقسامية.

يجب أن تكون الدولة واضحة في موقفها، وألا تقدم تنازلات تمس جوهرها وهويتها، سواء عبر تعيينات تُملى من هذه الكيانات، أو التساهل مع رفع أعلام غير العلم الوطني، أو السماح بخطاب لا يمثل اليمن الرسمي.

مثل هذه التنازلات الخطيرة لا تُعزز إلا الانقسام والانفصال، وتمثل تهديدًا مباشرًا للوحدة الوطنية والنظام الجمهوري. ومن هنا، فإن الحفاظ على الثوابت الوطنية أمر غير قابل للمساومة. نعم، يمكن التفاهم على معايير موضوعية في تعيين الكفاءات، وبناء المؤسسات، ووضع استراتيجيات تنموية شاملة، لكن لا ينبغي التنازل مطلقًا عن مركز الدولة القانوني، أو عن دستورها، أو علمها، أو شعارها، أو هويتها الوطنية.

هذا خط أحمر، والتفريط فيه يشكل خطرًا بالغًا على كيان الدولة ووحدة اليمن، ولا بد من الوقوف بحزم تجاه كل ما يهدد هذه الثوابت.
ما هي الخطوات التي ترونها ضرورية لتوحيد جهود القوى السياسية الشرعية في مواجهة الانقلاب الحوثي؟

أهم خطوة لتوحيد القوى السياسية والمكونات الوطنية تتمثل في الاتفاق على مشروع وطني جامع، وهو ما تمثله وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل، مع إمكانية تأجيل النقاط الخلافية حول بعض بنودها إلى ما بعد استعادة الدولة. فبدون وثيقة جامعة تُشكل مرجعية وطنية، سيظل التشتت سيد الموقف، أما وجود مثل هذا المشروع فيُسهم في تنظيم الجهود وتوجيهها نحو هدف واحد.

كما لا بد من تفاهم واضح بين جميع القوى والمكونات اليمنية على أن العدو الحقيقي والمشترك هو جماعة الحوثي، المدعومة من النظام الإيراني، والتي لا تؤمن إلا بمشروعها العنصري وتتعامل مع الجميع كخصوم يجب القضاء عليهم. هذه الجماعة أصدرت أحكاماً بالإعدام ضد المكونات كافة، ولا تعترف بحق الآخر في الوجود أو الشراكة الوطنية.
ما هو دور القوى السياسية الجنوبية في تعزيز أو تقويض الوحدة اليمنية، وكيف يمكن تحقيق التوازن بين المطالب المحلية والهوية الوطنية الجامعة؟

هذا السؤال يُوجّه بالدرجة الأولى إلى القوى التي تُعرّف نفسها بأنها "جنوبية"، سواء في عدن أو لحج أو أبين أو الضالع أو غيرها. أما أنا فلا أُعرّف نفسي ضمن هذا التصنيف، ولا أعتبر محافظات مثل حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى "جنوبية" بمفهوم جغرافي منفصل، فهذه المحافظات هي جزء من اليمن، كما أن الجنوب والشرق والشمال والغرب والوسط كلها اتجاهات جغرافية ضمن إطار واحد هو اليمن الكبير.

من هنا، أعتقد أن الحديث عن "قوى جنوبية" أو "قوى شمالية" يجب أن يتراجع لصالح خطاب وطني جامع يتحدث باسم اليمنيين جميعاً. لذا، من الأفضل توجيه هذا السؤال لمن يُعبّر عن هذه القوى ويُمثلها، لمعرفة رؤيتهم لدورهم في دعم أو تقويض مشروع الوحدة الوطنية.

- كيف يمكن معالجة المظالم التاريخية التي أدت إلى تفاقم الانقسامات الحالية؟
المعالجات تبدأ من وجود دولة ضامنة وعادلة، تقوم على أساس المواطنة المتساوية والشراكة الحقيقية في السلطة، والتوزيع العادل للثروة، مع ضمان الشفافية واستقلالية الهيئات، وترسيخ أسس الحكم الرشيد وحوكمة مؤسسات الدولة. كما أن تأهيل الكادر الإداري وفق معايير الكفاءة والنزاهة، على المستوى المركزي والمحلي، يعد ضرورة لإصلاح الإدارة العامة.
كذلك، لا بد من إعادة بناء الجيش الوطني ليكون مؤسسة جامعة تمثل كل أبناء اليمن وتحظى بثقة الجميع، إلى جانب تطوير الأجهزة الأمنية وفق معايير احترافية تعتمد على التكنولوجيا الحديثة كالطائرات المسيرة، والكاميرات، ونظم الرقابة الدقيقة، بدلاً من الاعتماد على نقاط التفتيش العشوائية والمسلحين المنتشرين في الطرقات، الذين لا يمتلكون مقومات الحماية ولا يتلقون مستحقاتهم بانتظام، ما يدفعهم أحياناً للصدام مع المواطنين.
نحن بحاجة إلى مشهد أمني جديد يعتمد على التقنية والتدريب الحديث، ويضمن للجندي حقوقه ويُبعده عن الإذلال والمعاناة، مع نشر ثقافة الثقة بين المجتمع ومؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية، فهذا من أهم السبل لتجاوز المظالم ومعالجة جذور الانقسامات.

- برأيكم ما السبيل إلى تحقيق شراكة حقيقية في السلطة والثروة، وهل هناك خطوات عملية يمكن اتخاذها لإعادة بناء الثقة بين مكونات الشرعية؟
السبيل إلى شراكة عادلة يبدأ بإعادة الاعتبار لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وتسويقها بشكل سليم بعيداً عن التشويه الإعلامي الذي تعرضت له، خاصة من قبل الانقلابيين الحوثيين ومن تحالف معهم. يجب أن تُستأنف المبادرات الوطنية الهادفة إلى التوافق، ونحن في المحافظات الشرقية لدينا تجربة تمثلت في تشكيل اللجنة التحضيرية للمجلس الموحد للمحافظات الشرقية، والتي تضم شخصيات من مختلف المكونات السياسية في شبوة، سقطرى، حضرموت، والمهرة.

هذه اللجنة أصدرت وثيقة في 6 يناير 2025 تحدد استحقاقات أبناء المحافظات الشرقية، وتم الإعلان عنها رسمياً في مؤتمر صحفي بمدينة سيئون في 9 يناير، ثم عُقد أول اجتماع لها في 25 يناير، تلاه تنفيذ ورش عمل، وحلقات نقاش، ولقاءات ميدانية للتوعية بالمشروع. نحن بحاجة إلى مبادرات مشابهة في بقية الأقاليم، لتلتقي جميعها في إطار وطني جامع، مما يسهل تحقيق الاصطفاف الوطني وتوحيد الجهود نحو استعادة الدولة.

- كيف تنظرون إلى المبادرات الدولية والإقليمية لحل الأزمة اليمنية، وكيف يمكن ضمان مشاركة جميع المكونات في العملية السياسية المقبلة؟
المبادرات الدولية والإقليمية مشكورة ومقدرة، لكنها لن تُجدي دون إرادة وطنية حقيقية. لا أحد سيحل مشكلات اليمنيين سوى اليمنيين أنفسهم، من خلال الجلوس على طاولة واحدة، والتفاهم على أساس وطني صادق، بعيداً عن الأنانيات والمكاسب الضيقة، وبتجرد من العصبيات والانتماءات الضيقة.

نحن اليوم أمام معركة مصيرية لاستعادة الدولة، ولا مجال فيها للمزايدات أو الحسابات الصغيرة. صحيح أن للمجتمع الدولي دور مهم، لكن الدور الأكبر يجب أن يكون لأبناء اليمن أنفسهم، الذين يفهمون تعقيدات الوضع ويتعايشون مع واقعه، وعليهم أن يكونوا أكثر قدرة على إيجاد الحلول المناسبة إذا ما توفرت النية الصادقة والإرادة الجامعة.


- ما هو الدور المطلوب من المجتمع الدولي في دعم وحدة اليمن واستقراره؟
الدور المطلوب من المجتمع الدولي يتجلى في احترام الإرادة اليمنية، ودعم وحدة الأراضي اليمنية واستقرارها، تماماً كما تحرص الدول الأخرى على حماية وحدة أراضيها وسيادتها. يجب أن يُعامل اليمن على هذا الأساس، لا أن تُستخدم قضاياه ساحة لتصفية صراعات أو تحقيق مصالح ضيقة.

رغم بعض المواقف التي قد تبدو منحازة لمكونات أو سلطات أمر واقع، إلا أن المواقف الرسمية للمجتمع الدولي – بما في ذلك دول الإقليم – لا تزال تؤكد على دعم وحدة اليمن وأمنه واستقراره، وهذه نقطة يمكن البناء عليها.

لكن في النهاية، السؤال الحقيقي ليس عن موقف المجتمع الدولي، بل عن موقف اليمنيين أنفسهم: هل يؤمنون بوحدة وطنهم ومصيره المشترك؟ لا يمكن أن تنعم محافظة بالأمن والرخاء بينما باقي البلاد تعيش الفقر والاضطراب. الخطر الحوثي اليوم لا يستثني أحداً، فهو يهدد تصدير النفط والموانئ والمطارات ويستهدف الجميع. ولهذا، لا بد أن نكون كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.