يمر الإنسان في حياته بثلاث مراحل عمرية, وهي مرحلة الطفولة, ومرحلة الشباب, ومرحلة الشيخوخة, إلا أن هناك مرحلة عمرية من تلك المراحل يكون بها الإنسان في أقوى حالته الجسمانية والعقلية والنفسية, وهي مرحلة الشباب وتلك المرحلة شديدة الأهمية في حياته وهي مرحلة يتميز بها الإنسان, بالقوة والإرادة والقدرة على العمل والعطاء والطموح بل والرغبة في تحقيق الأهداف وبناء الذات وحبه للحرية والانطلاق وقدرته العالية على تحمل المشاق والصعاب وإجتياز المعوقات والمغامرة وحب الاستكشاف, وتلك المرحلة العمرية في حياة الإنسان تمتد من مرحلة التمييز والإدراك أي بلوغة سن الخامسة عشر إلى سن الأربعين, حيث قيل أن الطفولة هي تلك المرحلة العمرية التي بها قوة دون عقل, بينما الشيخوخة فهي مرحلة الحكمة التي لا قوة لها, أما مرحلة الشباب فهي تلك المرحلة العمرية التي تجمع الأثنان القوة والحكمة, ولذلك فأن تلك المرحلة العمرية من أهم مراحل حياة الإنسان سواء لشخصه أو لمجتمعه. ولذلك فالشباب هم الطاقة المتوقدة القادرة على البذل والعطاء والإنتاج والوصول إلى أعلى درجات الرقي والسمو المجتمعي, وإلى التنظيم المتكامل والمتنامي, إننا إذا احتضنا شباب الوطن المتعلم والمثقف في كل شؤون ومتطلبات الوطن فإننا نضعهم في المسار الصحيح والإيجابي الذي ينبع من خلاله التفوق والنجاح في كافة المجالات والصروح, والمعابر السامية التي تنير أرجاء الوطن, ومن هذا المنطلق يجب السعي إلى استثمار معنوياتهم وطاقاتهم وقوتهم وقدراتهم العلمية والمعرفية, لإحراز التقدم والتطور على كافة الأصعدة, السياسية منها، والإقتصادية, والاجتماعية, والخدماتية, وغيرها مما جدي نفعه وفائدته للعمل والشغل لامتصاص أكبر قدر من البطالة التي باتت تنخر العمود الفقري لمجتمعنا وتهدد أكثر أفراده بالضياع والفقر والتشرد, إننا حينما نتأمل حالة مجتمعنا اليوم ونحاول أن نرصد نشاط شبابه عن كثب, نجده منصرفاً إلى ما يهدم دعائم هذا الوطن بدل بنائها وإقامتها, إذ يختفي حس المسئولية وينعدم الواجب وتغيب التضحية وراء أستأثار العبث والاستهتار واللامبالاة, فلا يبقى إلا الدور السلبي الذي أصبح يقوم به جل الشباب إذا لم نقل كلهم بسبب الفقر والبطالة وعدم توافر فرص العمل. إن منافذ اللهو ومعاقل الفساد وأوكار الشر ومواطن الكسل ومكامن الخمول التي تستهوي شبابنا اليوم, تقضي على دوره الإيجابي في المجتمع, وليس هناك أكثر من سبل الشيطان ومغاويه في الحياة, وليس أسهل من الوقوع في شركها حينما تنقاد النفس مع شراع الشهوات والملذات المستهوية. والعائق الأكبر الذي يعانيه أغلب الشباب في وطننا أنهم لا يجدون قبولاً من الآخر, سيما الجهات القائمة على إختيار الادوار والتعيين والمناصب, لإيمانهم بمعتقدات وهمية ليس لها أي حجة قطعية حتى تكون عائق أمام الفئة الشبابية, مفادها أن الشباب عديمي الخبرة والحكمة لدى الشباب لحداثة سنهم وعدم الممارسة العملية لترسيخ خبراتهم, وتلك المعتقدات الصادرة من قبل البعض تجعل الشباب غير جديرين بتحمل المسئولية, ولهذا ينظروا إلى وجوب إبعادهم عن بعض المسئوليات والمناصب الإدارية والتنموية المهمة لبناء وتنمية الوطن, ويراء أولاءك أن ما يقوموا به هو الأصح وأنه الأجدر وهذا الإعتقاد خاطئ وغير مبرر وأن كان فيه من النسبية. صحيح أن هناك خبرة مكتسبة لدى من سبقهم سناً من خلال تجاربهم السابقة في شتى مجالات العمل, ولكن ليس ذلك حجة قاطعة وجازمة لحرمان الشباب وإقصائم من بعض المنصب, وتركهم في سلال الحرمان والتهميش ودرب الضياع الذي يعيشوه حالياً, بسبب أوضاع البلد المتردية, فإذا أوجدنا مبدأ التعاون والاشتراك الجماعي لتغيرت المفاهيم, ولوصلنا إلى حلول ومعابر جيدة لسمو التكامل البنائي بما يرضي الجميع ويعود بالنفع للوطن, فالاجدر والاصح على الجهات المسئولة في مختلف المجالات وعلى كل المستويات أن تسند إلى الشباب بعض المناصب والمسؤوليات, إعداداً لهم, ووتنميتاً لملكاتهم, وتفجيراً للكامن من طاقاتهم, مع إتاحة الفرصة لهم للالتقاء بمن سبقوهم بالخبرة والسن ليكونوا مرجعية ومشورة لهم والاستفادة من خبرتهم, والاقتباس من تجاربهم, حتى تلتحم قوة الشباب مع حكمة الشيوخ, فيثمرا رشاداً في الرأي وصلاحاً في العمل. إن الشباب المتعلم في وقتنا الحالي يحمل العديد من الأمور والافكار المتميزة والبناءة, التي تواكب العصر الحديث والمتقدم, إلا إنهم عند عودتهم من دول الابتعاث من أرقى الجامعات الخارجية وكذا تخرجهم من مختلف الجامعات والكليات اليمنية بمختلف التخصصات, فنصدمهم بعدم قبولهم بحجة عدم الخبرة أو أي معتقدات أخرى, فإننا بذلك نخسر أبناءنا الذين هم جزء من كياننا ورواد مجتمعنا ونخسر ملكاتهم وقدراتهم وطاقتهم, ولكن عندما نتيح لهم المشاركة الفكرية والعلمية والعملية والسياسية, ونستمع لآرائهم وافكارهم واقتراحاتهم وطموحاتهم بالأساليب المرنة والمحترمة, فسنجني ثمار التجانس والتآلف, وسنجني الإبداعات من داخل أرض الوطن, لأن الشباب المتعلم في هذا العصر هم جيل التكنولوجيا الحديثة, وجيل الإزدهار والتقدم العصري, ولديهم الكثير من المجالات العلمية الذي تعلموه واستفادوا منه داخلياً وخارجياً, وإذا تمكنا من فهم مكنوناتهم وقررنا عطاءاتهم فسندرك أنهم يستحقون الكثير من الرعاية والإشادة, إن الشباب المتعلم نجدهم في جميع التخصصات, في الطب والكيمياء والفيزياء والتقنية والأحياء والهندسة والإقتصاد والقانون, وغيرها من التخصصات العديدة التي تشكل نبض الحياة في كل المجتمعات المتقدم, وهم الثروة الحقيقية, الذين سيحولون المجتمع إلى المعرفة والسمو, إذا وكلنا لهم أغلب الأمور النهضوية في أركان الإدارات والمؤسسات الحكومية والخاصة, وشاركناهم بالخبرات السابقة, وجعلناهم يشاركون بأفكارهم وأطروحاتهم التي اكتسبوها بالطرق العلمية الممنهجة, فسنتمكن من تطوير مجتمعنا, وذلك سيعود علينا مستقبلاً بالنفع الراقي والمنظم, إن الشباب في الوطن يمثلون العدد الأكبر, وهم الأكثرية, وإذا رسمنا معهم خطط التنمية, وأتحنا لهم الفرص, فسيكون التوجه مرضياً للقيادة والشباب, إن التنمية مصدرها القبول والمراعاة, وليس النقد والإقصاء والتهميش والحرمان.. والله من وراء القصد.. كتب: غازي المزارع الشعيبي.