يخطئ من قال ان جيش الجنوب قد هزم في حرب 1994م حين اجتاحت جحافل صالح ارصنا ودمره كيان دولتنا, بل الحقيقة ان ابطالنا و الكثير من قادة جيشنا الاشاوس غيروا من تكتيكاتهم العسكرية حين انسحبوا من ساحات المعارك , نظرا للكثرة العددية لقوى العدوان ,بمشاركة قوى تكفيرية وعناصر اجنبية, وذلك منعا لسفك مزيدا من دماء المدنيين, وحفاظا على ما تبقى من بنية تحتية , بعد ان نقل الغزاة معركتهم الى داخل مدن الجنوب واحيائها السكنية , والاهم من ذلك ما تعرض له شعبنا وجيشنا من خيانة محلية وخذلان عربي ودولي. لذلك على مدى 13 عام اتخذه معركتنا مع نظام المخلوع وأزلامه وسائل واساليب نضالية وقتالية مختلفة , استنزفت مقدراته , واضعفت مكانته , وشجعت معارضيه على حربه وخصومته, فاصبح يحارب في اكثر من جبهه وفي ضل وضع امني وسياسي غير مستقر , ونسيج مجتمعي ممزق , ووضع اقتصادي متعثر يدار ويعالج بجرع قاتله .
لكن الوضع السري للخلايا الثورية الجنوبية , وتعددها وغياب وحدتها التنظيمية ,شتت جهدها ولم يمكنها من قطف ثمرة نضالها ,نظرا لعدم وجود من يمثلها على الساحة السياسية وكانت الايجابية الوحيدة لهذه المرحلة ,انها انضجت الظروف الموضوعية والذاتية لقيام ثورة او تشكيل نواتها, وافرزت قيادات سياسية وعسكرية تمتلك رؤى فكرية و قدرات قيادية اهله لقيادة وادارة المرحلة القادمة.
لهذا جاء تأسيس جمعية المتقاعدين العسكريين في 24 مارس 2007م بقيادة اللواء الركن دكتور/ عبده المعطري واخرين استجابةً لمتطلبات تلك المرحلة ,وكنقله نوعية من نضال سري او مستتر , الى نضال علني , شكل حجر الزاوية لانطلاقة مارد الثورة الجنوبية نحو الهدف المنشود المحدد بالاستقلال والتحرير واستعادة الدولة الجنوبية.
في 7 يوليو2007م, لبت مختلف القوى السياسية والاجتماعية الجنوبية دعوة جمعية المتقاعدين العسكرين ونفذة تحت قيادتها وقفة احتجاجية بمناسبة الذكرى الثالثة عشر لاحتلال نظام صنعاء للجنوب في العاصمة عدن , فتعززه مكانة الثورة, واستعاد شعبنا ثقته بقيادته وثورته , واطلق انتفاضته الشعبية , تحت علم الجنوب ومطلب الاستقلال ورحيل الاحتلال , انطلاقاً من ضالع الصمود مرورا برفان ولحج وصولا الى عدن ثم ابين وشبوه وحضرموت والمهرة ..الخ .
في المقابل استخدم النظام آلة القمع العسكرية لمواجهة الانتفاضة الجنوبية ,فقتل واعتقل وعذب وخطف وارهب و همش واقصي وابعد حتى استنزف كل وسائله القذرة والمميتة , الا ان ذلك لم يزد شعبنا الا قوة واندفاع لمقاومته بصدور عارية بكل قوة وشجاعة واصرار وعزيمة وقلوب لا تلين ولا تضعفها دبابات وأسلحة المحتلين .
لقد قادت جمعية المتقاعدين العسكرين ومعها بعض المكونات , الثورة الجنوبية بعقلية القائد العسكري والحكيم السياسي , والزعيم الثوري , فتوسعت ساحاتها وزاد انصارها, وتعززت مقومات بقائها ووسائل استمرارها وتمنت علاقاتها مع الاحزاب اليمنية المعارضة للسلطة لخدمة اهدافها , حتى اصبحت حديث الراي العام المحلي والاقليمي والدولي , وكسبت تعاطف وتأييد مختلف وسائل الاعلام المحلية والخارجية, قذيع صيتها وفعلها, واصبح من المستحيل على النظام اخمادها او تغطية جرائمه وتفادي انتقادات وادانات المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والاقليمية المعنية بحقوق الانسان وانتهاكات النظام .
لذا سعت السلطة بكل الوسائل احتواء الثورة وقادتها وتفتيتها بأي شكل كان , الا ان صلابة قياداتها وايمانهم العميق بقضيتهم وحبهم لشعبهم ووطنهم هزم كل المغريات ولم ينشق عنها الا القليل ممن يقدمون الجاه والمال على المبادئ والقيم , بل ان خروجهم مثل تطهيراً للثورة وتصحيح لمسارها وفعلها الثوري .
فتصاعد زخم الثورة ونشاطها بمواكب مليونيه تأبينيه واحتفالية ابهره العالم بنضجها وتنظيمها وسلميتها , وأربكت حسابات عصابة النظام واضعفت مواقفه على مختلف الاصعدة, وجعلته ينزف سياسياً واقتصادياً، ويتفسخ اجتماعيا , بعد ان احتضن الحراك بعض معارضي صالح في مناطق الثورة الجنوبية , تضامنا معهم ضد استبداده وجوره وبهدف دفعهم الى اشعال ثورة في عقر داره وهو ما حدث في فبراير 2011م فتحول الصياد الى فريسة والفريسة الى صياد, صاده بعد اعوام صياد حوثي.
ونظرا لتأكل سلطة النظام و فشلة في قمع الثورة الجنوبية قدم نظام صنعاء مزيدا ً من التنازلات للجنوبين, تمثلت بأسناد بعض المناصب المهمة الى بعض القوى البرجماتية الجنوبية وخلع على البعض الاخر منهم الرتب والنياشين العسكرية بهدف تمزيقهم وشق صفوفهم , فلم يجد حولة الا النطيحة والمتردية وما اكل السبع , اما قادة الثورة الحقيقين , فكانوا كالقديسين عفاف , كفاف, لا تغريهم المغريات ولا تسيل لعابهم ملذات الدنيا. ولم تثنيهم الضغوط الاجتماعية والسياسية التي واجهوها , ومورست بحقهم, لانهم كانوا مسيح الثورة وحماتها .
هذا وقد افرزه منعطفات الثورة ومستجدات الواقع المختلفة, الكثير من النتوءات التي بينت لنا حقائق بعض القادة والمكونات, التي ركبت موجة الثورة , واثبتت لنا بما لا يدع مجالا للشك , ان جمعية المتقاعدين العسكرين كانت ومازالت جذوة الثورة التي لم تنطفئ ولم تغير اتجاهها او مسارها او اهدافها رغم تغير الواقع ومستجداته , وانها مازالت على عهدها ووعدها ماضية على درب الشهداء والصديقين حتى تحقيق الاستقلال الناجز واستعادة الدولة الجنوبية بحدودها الجغرافية وبهويتها وتاريخها السياسي والاجتماعي.
لهذا نقف اليوم وقفة اجلال واكبار امام شموخ الرجال الاوفياء والمؤسسون الاوائل للثورة في الذكرى (12) لانطلاقتها وفي مقدمتهم الشهداء والجرحى الذين سقوا بدمائهم الطاهرة تراب الجنوب ,في سبيل الهدف النبيل, والاسمى والاعظم المتمثل بالتحرير والاستقلال .
كما نحيي في هذه الذكرى أولئك المناضلين من القادة العسكريين الذين كان لهم سبق تأسيس الجمعية ومن التف حولهم من الثوار والانصار والساسة ومازالوا متمسكين بمواقفهم ولم يتنازلوا او يتراجعوا عن أهداف ومبادئ ثورتهم .
وبهذه المناسبة ندعوا كل قادة الثورة ومكوناتها ومفكري الجنوب واحراره ومثقفيه ان يقفوا جميعا وقفه جاده لتقييم مختلف مراحل الثورة واستخلاص العظات والعبر من كل مرحلة و اتخاذ القرارات المناسبة لتصويب وضع الثورة ووضعها في مسارها الصحيح بعد ان فقدة بوصلتها في معمعت الاحداث والمستجدات التي اصبحت تتحكم بها قوى اقليمية ودولية , لا تعنينا اجندتها و ستعيدنا يوماً الى نقطة البداية ان لم تسلبنا ما حققنا وانجزنا.