اتذكر انه تم افتتاح تلفزيون عدن في الحادي عشر من سبتمبر عام 1964م (ابيض و اسود)، و اتذكر قبل هذا التاريخ بأيام جاء المذيع و المخرج رحمة الله عليه عبدالرحمن با جنيد إلى المنصورة يبحث عني و عن صديقي علي محمد سعيد و أخيه عبدالمنان لأنه يعرف اننا شاركنا قبل شهر من ذاك التاريخ بعزف أغنية محمد مرشد ناجي "بروحي و قلبي" على الآت الميلوديكا في إذاعة عدن، و كان اسم البرنامج مواهب صغيرة، و كانت اعمارنا تتراوح بين 12 سنة و 15 سنة. و في اليوم التالي و بعد ان اقنع أهلنا بضرورة مشاركتنا في التلفزيون، مر علينا و أخذنا بسيارته الصغيرة الرياضية البيضاء إلى مدينة التواهي الجميلة جداً حينها، و كان يشرح لنا المعالم في هذه المدينة، و في نهاية طريق طويل انحرف بنا الى اليسار و سلك طريقاً مرتفعاً إلى ان وصلنا اعلى الطريق، و كانت هناك فيللا جميلة جدا في أعلى هذا الجبل، و دخلنا الفيللا، و رأينا خلية نحل من الموظفين الذين يستعدون لإطلاق إرسال اول قناة تلفزيونية في الجزيرة العربية.
و علمنا ان الأستاذ عبدالرحمن باجنيد هو المشرف العام على برنامج "جنة الأطفال"، و المخرج ايضاً، و ملحن كل الاغاني تقريباً. و عرفنا و نحن صغاراً أن من ستقدم البرنامج سيدة اسمها عديلة بيومي، و بعد ذلك كنا نسميها دائماً "ماما عديلة"، و كان مدير استوديو البرنامج إن لم تُخنّي الذاكرة الشهيد رياض عنتر.
كانت ماما عديلة في الحقيقة أم لنا بمعنى الكلمة، و كانت تهتم بنا جداً، و تحاول مع باجنيد ان تجنبنا الخوف من الإستوديو، و الكاميرات، و كانت من السيدات الأول المتعلمات في عدن، و أجمل شيئ انها كانت من الشيخ عثمان، و عرفت انها زوجة رجل معروف جداً حينها هو السياسي و الوزير حسين علي بيومي لهذا الحقت اسمها عديلة بأسم أسرة البيومي.
و كانت ماما عديلة جداً مثقفة، و كنا نسمعها و هي تناقش باجنيد، و باقي الطاقم الفني حول السبل الناجعة لإنجاح البرنامج بعد ان تأكدت بأن نحن الأطفال تجاوزنا خوفنا من الظهور على الشاشة الصغيرة.
و قبل وفاة صديقي محمد البيضاني في القاهرة أخبرته عن ماما عديلة بيومي و حكايتنا معها نحن الأطفال، و اخبرني انها قريبة له و للأسرة، و انها أكبر مناجمة، و ذكر لي هذه الحادثة:
كانت تُمنح للوزراء في ايام بريطانيا فللاً في خورمكسر، و تم منح الوزير مصطفى عبداللاه فيللا قريبة من فيللا البيومي، و كان عبداللاه يسكن سابقاً بيتاً شعبياً.
و تابع البيضاني: "رأت السيدة عديلة بيومي زوجة الوزير مصطفى عبداللاة واقفة فوق سور فيلتهم تقطف بيدان من شجرة الفيلا بواسطة "جَرَعْة"، و ابناء عدن يعرفون ماذا اقصد بالجرعة، و فجأة صرخت ماما عديلة في وجه زوجة الوزير عبداللاه: "ويييه يا حرمة الوزير، إستحي على نفسك، نسيتي انك في خورمكسر؟ محشرة درعك تقطفي بيدان مثل العويلة؟ دحين با يشوفوك السلاطين و الضباط الإنجليز و بايضحكوا علينا، هيا انزلي فيسع، بلا فضائح"
ربنا يرحم البيضاني و يطيل بعمر ماما عديلة، حيث علمت انها تعيش في اوروبا. رمضان كريم