في الفترة الأخيرة ظهر على السطح اللاعب الدولي والإقليمي في الساحة الجنوبية ، وظهرت كذلك مواقف يمنية بعضها لتنظيمات وبعضها لشخصيات . وما كان يُقال ويحدث سراً أصبح علناً ، وما فهمه بعض الجنوبيين من تأييد أو رفض بعض الأطراف معتمدين على ما سمعوه سرًا , دحضه القول المعلن . حتى أصبح المواطن الجنوبي اليوم في حالة من التشتت الفكري سبَّبه تحليلات مغلوطة وشبه مغلوطة من بعض القيادات الجنوبية ، بعضها عمداً وبعضها جهلاً . ولأننا في الحراك الجنوبي حتى اليوم ، لا نملك مراكز بحوث ، ولا تحليلات منطقية معتمدة على معطيات الواقع ، يقدمها خبراء في التخطيط وبحوث العمليات ، فالباب مفتوح للجميع للاجتهاد في التحليل والبحث وتقديم وجهة نظر ، لعلَّها تقدم تفسيراً لبعض ما استشكل على الناس تفسيره . وبكوني واحد من الناس ، أقرأ وأسمع وأراقب وأفكر ، سأجتهد في تقييم البيئة المحيطة بالقضية الجنوبية ، دولياً واقليمياً ويمنياً. وهذه الحلقة من التقييم سأتناول فيها الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي (الغرب) . موقف الغرب الذي يُروَّج له في الساحة من قضية الجنوب :- {إن الغرب مع وحدة اليمن واستقراره ، ويرفض رفضاً قاطعاً فك الارتباط} وهذا القول يُروِّج له ويتبناه طرفان ، الأول : غالبية الطبقة السياسية اليمنية ، بل ويزيدون عليه أن العالم ملتزم بحماية الوحدة اليمنية !! والطرف الثاني : جزء من الطبقة السياسية الجنوبية وهم (1) جنوبيي السلطة (2) ما يسمى " الفدراليين " بجناحيه ، جناح الرئيس علي ناصر والرئيس العطاس ، وجناح الوزير محمد علي أحمد . رأي شخصي في الموقف :- قاعدة رقم (1) يجب على الناس الاقتناع التام أنَّ السياسة لا تحكمها العواطف ولا الأخلاق والقيم ، ولا التاريخ ولا الجغرافيا ، وكما يُقال (لاعداوات دائمة ولا صداقات دائمة في السياسة) وكل موقف سياسي هو نتاج مؤثرات داخلية لمصدِر الموقف تحكمها مصالحه ، وتأثيرات خارجية يولِّدها طرفي الصراع والمتأثرون من الصراع تحكمها مصالحهم . وعليه فالعلاقات بين الدول تحكمها المصالح فقط ، والكاسب من طرفي الصراع هو الأقدر على الموائمة في الوقت المناسب , بين مصالحه ومصالح الدول العظمى والدول الفاعلة في المنطقة . والمصالح الغربية في منطقة القرن الأفريقي ، محصورة بثلاثة أمور (1)أمن دول النفط (2)أمن ممر النفط والتجارة "باب المندب" (3)ضمان عدم اغلاق باب المندب في حالة دخول إسرائيل في حرب ، وبدراسة هذه المصالح خلال فترتين ؛ الأولى "الدولة الجنوبية حتى 1990" والثانية "دولة الوحدة من 1990 وحتى اليوم" نجد التالي : في الفترة الأولى لم تتعرض مصالح العالم لأي تعطيل أو مخاطر ، باستثناء ماحدث في حرب 1973 عندما استلم المصريون باب المندب والجزر الجنوبية والشمالية ، وهذه حالة استثنائية ، لأنَّ قرار الحرب كان قراراً دولياً للولوج منها إلى معاهدات السلام ، كما أن الدول العربية القائدة في المنطقة "حلفاء امريكا" كانوا شركاء في قرار الحرب . وماحدث خلال فترة حكم الاشتراكيين من دعم أعمال ثورية ضد الخليج انتهى في مطلع الثمانينات ، ولم يكن لها تأثير يذكر ، كما أنَّه كان موقفاً محسوباً على الجنوب ، لكنَّ من اتخذه كانوا شماليين وجنوبيين في قيادة الدولة الجنوبية . وبرغم ذلك نجد اليوم المعارضين العمانيين في تلك الفترة قد أصبحوا اليوم جزء من منظومة الحكم في عمان . وفي الفترة الثانية دولة الوحدة منذ 1990 حتى اليوم والتي تسلَّط عليها الأخوة يمن مطلع ، فيمكننا الحديث والاسهاب في مقدار الألم والاذى الذي تسببت به الدولة القائمة ، من عمليات القرصنة على التجارة الدولية ، وعمليات تهريب الأسلحة والمخدرات إلى دول الخليج ، وبناء التنظيمات الإرهابية برعاية مباشرة من نظام صنعاء ، وغير مباشرة عبر بعض رموز يمن مطلع الدينية والعسكرية والقبلية ،، ماأدى إلى خسائر كبيرة تحملها العالم ، وارتفاع مخصصات شركات التأمين والتكاليف العسكرية الباهظة لحماية المنطقة التي تحمَّلها العالم ، وهذا الوضع لم يكن موجوداً أبان دولة الجنوب السابقة برغم كل سلبياتها . النتيجة مما سبق : إنَّ أُوباما والقيادة الأوروبية ليسوا من يمن مطلع ، ولامن مريدي الديلمي وأمثاله ، وليسوا متأثرين بأفكار القومية العربية ، ولاتوجد عداوات بينهم وبين الجنوب ، ولايعنيهم من الأمر إلَّا مصالح دولهم فقط ،، ولديهم شعور بالخوف على مصالحهم من فك الارتباط . والسؤال : لماذا يشعرون بالخوف على مصالحهم في حالة فك الارتباط ؟؟؟ والجواب على السؤال يكون بموجب القاعدة التالية قاعدة رقم (2) في الدول المتقدمة توجد قواعد البيانات ، وهذا الاسلوب أسسته المخابرات البريطانية في مطلع القرن الماضي ، وطبقته كل أجهزة المخابرات في العالم ، ويقوم على إنشاء ملف حول الشخص يجمع فيه المواصفات والمعلومات عنه . والحكم علَى الشخص بأنَّه يمكن أن يكون {حليف ، شريك ، تابع ، مأجور ، مفيد ، مضر ، صديق ، عدو } ومن ضمن المعلومات (1) مستوى التعليم (2) الخلفية الأيدلوجية (3) الخبرات (4) البيئة التي عاش فيها (5) الوضع السيكولوجي (5) التاريخ السياسي (6) المكانة الاجتماعية (7) التأثير ... وغيرها من المعلومات . وتصبح قاعدة البيانات بخصوص الشخص مرجع رسمي يزوَّد به المسئول المكلف بالتعامل مع الشخص المعني . وأنا شخصياً اطلعت على نسخة بحوزة الوالد اللواء سالم علي حلبوب حفظه الله من ملفات المخابرات البريطانية التي افرج عنها والخاصة بالمشايخ والسلاطين والساسة في الجنوب العربي آن ذاك . وهذه القاعدة هي التي دفعت الغرب إلى رفض التعامل مع بعض الشخصيات العربية كقادة لحركات ثورية في بلدانهم ، وعلى سبيل المثل الفريق نزار الخزرجي قائد الجيش العراقي السابق ، برغم أنه كان ممن وضعوا خطة اسقاط العراق في 2003 وشارك في إدارة العمليات ،، وكذلك عبدالسلام جلود "الرجل الثاني في نظام القذافي" وكان اللاعب والداعم الأساسي في سقوط طرابلس ،، وعبد الحليم خدَّام "نائب الرئيس السوري السابق" والدكتور فؤاد حجاب "رئيس وزراء سوريا الأخير" وغيرهم من كبار رجال دولهم ، وهذه الشخصيات من العناصر التي كسرت ظهر الأنظمة في دولها . وبالعودة إلى إجابة السؤال ؛ فيمكننا القول أن التخوُّف الامريكي - الاوروبي من فك الارتباط اليوم مردُّه إلى معرفتهم بفشل القيادات الجنوبية التاريخي ، وعدم كفاءتهم ، وعدم قدرتهم على إدارة الصراع ، ولا إدارة الدولة الجنوبية القادمة كما فشلوا في إدارتها سابقاً . ولذلك لديهم تحفظات على الحل "بفك الارتباط" لأن هذه القيادات هي من يتصدر المشهد السياسي الجنوبي اليوم . ما يضع حدوث انهيار في اليمن الجنوبي محتمل الوقوع ، وهذا الانهيار سوف يفاقم المخاطر في المنطقة . واحتمال تعرض منطقة للانهيار يمر فيها أكثر من 15٪ من تجارة العالم وأكثر من (3) ثلاثة ملايين برميل من النفط يومياً ، ولو كان الاحتمال بنسبة 10٪ يضع الغرب في قلب الصراع ، وتجعله يستنفر كل قوته لمنع هذا الخطر . والمؤسف في الأمر أنَّ أولئك الرؤساء الجنوبيين يعرفون ذلك ، وقد سمعوه إلى آذانهم صراحةً ، ولكنَّ طمعهم بالعودة إلى السلطة ، أو غسل الأموال بمسمى النضال والإنفاق على الثورة ، تلك الأموال التي نهبوها من الجنوب سابقاً ، يجعلهم يستميتون للبقاء في الواجهة ، كونهم الخيار الجنوبي الأمثل . والسؤال : على ماذا يراهن رؤساء الجنوب في بقائهم الحل الأمثل الذي سيضطر العالم اللجوء إليه ؟؟ الجواب من وجهة نظري : أنَّهم يدركون ثلاثة أمور رئيسية هي : - أنَّ الطبقة السياسية الجنوبية التي صنعت الحراك لم تستطع الوصول إلى تنظيم صفوفها خلف قيادات كفوءة وجديدة ، وإذا وصلوا إلى بوادر التنظيم من السهل تمزيقهم وتفريقهم {وهم يعملون على ذلك دائماً أنَّ اصحاب يمن مطلع في لحظة اليأس مستعدون للتضحية بالوحدة اليمنية مقابل بقاء حكم الشمال في أيديهم ، بأي مسمَّى كان ، وهم الأقرب للتحالف معهم ، وقد كشف العطاس في لقاء دبي بالأمس عن وجود اتفاق على الفدرالية موقع في 13-6-2010 يؤكد وجهة نظري (1) (3) أنَّ هناك فريق جنوبي قوي يعمل على ايصال العالم إلى قناعة مفادها {إنَّ الحل الوحيد لعلاج كل مشاكل اليمن هو عودة الدولتان} وحتى اليوم نجح هذا الفريق في كل المراحل السابقة ، وهذا الفريق متهم بالخيانة جنوبياً حتى اليوم ، وأولئك الرؤساء يعملون على تعزيز هذه القناعة الشعبية ، وحينها سيكونون هم الخيار الأمثل أمام العالم والشعب الجنوبي . # ولو افترضنا بناءً على كل ماسبق {أن المصالح الغربية ستكون أكثر أمناً واستقراراً بعودة الدولة الجنوبية وأنَّه الحل الأمثل للوضع اليمني وللمنطقة } وهذا الافتراض هو عملياً ضمن الخيارات الامريكية - الاوروبية "خيار أخير" ويعونه بكل تفاصيله وبدقة أكثر مما قلناه !!! يتبادر السؤال التالي ؛ إذاً لماذا لا يتعاونون مع الجنوب من الآن في صناعة قيادة جنوبية جديدة تستطيع إدارة الصراع ، وتستطيع إدارة الدولة القادمة ، وتستطيع الموائمة بين مصالح الجنوب ومصالح الآخرين ؟؟؟ الجواب من وجهة نظري : لم يعد خافياً على أحد وضع الاقتصاد الامريكي خلال السنوات الماضية ، و ما سيترتب عليه خلال السنوات القادمة من معركة اقتصادية للخروج من "حافة الهاوية " كما سمَّوها. وهذا الوضع لا يعطي الولاياتالمتحدة الحد الأدنى من القدرة على المبادرة ، مما اضطرَّها لتسليم افريقيا للأوروبيين بقيادة فرنسا و المانيا ، وتسليم شرق المتوسط لتركيا واسرائيل . وبنفس الوقت يلاحظ الجميع الانهيار في اقتصاد عدد من دول اوروبا ، ومن بينها ما يمكن تسميتها "دول قائدة" مثل ايطاليا واسبانيا ، ومشكلة التهديدات البريطانية بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي ، هذا كُلُّه يُفقِد الاوروبيون القدرة على المبادرة للبحث عن حلول لآخرين . وبناءً عليه ؛ فالولاياتالمتحدة وأوروبا مشغولون بوضعهم الداخلي ، ولذلك فهم يفضلون احتواء أي صراع وتجميده ، وتأجيل أي تصعيد خارج عن التحكم والسيطرة ، سواءً سيطرتهم ، أو تحكم وسيطرة أصحاب القضية في أي مكان من العالم . ولذلك أصبحت سياستهم خارجياً ترتكز على طريقتين ، الأولى : التماهي مع أي صراع لا يستطيعون تجميده ، ويرون أنَّ القائمين عليه يحفظون مصالحهم عند حدها المتوسط {وهذا هدفنا} ، كما حدث مع ثورات الربيع العربي ، والثانية : المواجهة بالوكالة مع الصراعات التي تشكل خطراً محدقاً بمصالحهم ، كما حدث في شمال مالي وسوريا . ومن خلال المعطيات الفعلية على الأرض ، يستطيع الإنسان البسيط الجزم بأنَّ مصالح امريكا وأوروبا لن تتعرض للخطر بسبب عودة دولة الجنوب ، فلايوجد تعارض بينهما ، بشرط أن لاتنتمي الدولة الجنوبية القادمة إلى أي تحالف دولي معادي للولايات المتحدة ، وهذا الانتماء غير موجود حتى اليوم . التوصيات : ماذا يجب على الجنوبيين فعله لتجاوز هذه المرحلة ؟؟ 1) على الجنوبيين الوصول إلى درجة اليقين أنَّ العالم لن يقدم لهم شيء في الوقت الحالي ، فكل دولة مشغولة بمشاكلها الداخلية وغير مستعدة للخوض في قضايا خارج حدودها إلا بالطريقتين اللتان ذكرتهما سابقاً التماهي أو الوكالة. 2) لا يوجد دعم ولا مساعدة من أيٍ كان ، إلَّا متى مااصبح الجنوبيون لاعب أساسي ومؤثر على الأرض ، يدفع الآخرين لطلب رضاه والتماهي مع أهدافه ، ولذلك على الجنوبيين التفكير بوسائل التمويل الذاتي حتى الوصول إلى مرحلة "طلب رضاه" 3) المبادرة وعدم الاستسلام لما يُفرض علينا ، والعمل الحثيث لتغيير المعطيات التي تدفع الغرب لموقف غير إيجابي من قضية الجنوب ، والوصول بهم إلى سياسة التماهي مع الثورة الجنوبية وليس التعارض . 4) الزام قيادة الصف الأول الجنوبية السابقة بموقف أخلاقي ، يجعلهم جزءً من الحل وليس جزء من المشكلة ، ويكفي لذلك قبولهم التحول من قيادة تنفيذية - إلى - قيادة استشارية . 5) تقديم قيادة تنفيذية شابة ، تبعث في الغرب الطمأنينة على مصالحهم وتُبدِّد تخوَّفاتهم . 6) مبادرة الاكاديميين المتخصصين كل مجموعة في مجال تخصصها لإعداد خطط استراتيجية مثلى ، ونشرها في كل وسائل الاعلام ، حتى يطَّلع عليها الناشطون الجنوبيون فتصبح لهم بمثابة مرجع تنظيمي يستفيدون منه لعبور المرحلة ، وبنفس الوقت تعتبر رسالة تطمينية للغرب {أنَّ الجنوب : دولة جديدة بجيل جديد وفكر جديد} 7) العمل الجماعي على خلق إدراك عالمي أنَّ الدولة القادمة هي جنوب جديد وليست جنوب النجمة الحمراء التي مازالت تُشعرهم بالقلق عندما يرونها في العلم الجنوبي. والله أعلم