قبل أيام كنت أشاهد برنامجاً حوارياً حول الحوار اليمني في إحدى القنوات الفضائية اليمنية, وكان احد المتحاورين في البرنامج شخصية سياسية جنوبية من الذين قضوا معظم سنوات حياتهم بالشمال, وقد كانت هذه الشخصية الجنوبية منحازة للشمال باسم(الوحدة) على حساب الجنوب وثورته الشعبية السلمية المطالبة بالتحرير والاستقلال. إن الدفاع المستميت الذي أبداه السياسي الجنوبي عن مايسميه (بالوحدة) وضرورة الحفاظ عليها على حساب شعب الجنوب- الجنوب الذي ينتمي إليه ويتحدث باسمه رغم معرفته بان شعب الجنوب لايعترف بوجود هذه الوحدة على الواقع, ويؤكد بان ما هو موجود في الجنوب هو احتلال, ومن اجل طرد هذا الاحتلال يخوض منذ ست سنوات متواصلة ثورة سلمية تعم الجنوب ويشارك فيها الغالبية العظمى من شعب الجنوب وبمختلف أطيافه وفئاته, وقد قدم ويقدم ألاف الشهداء والجرحى من خيرة أبنائه.
انحياز هذا السياسي لصالح الشمال على حساب وطنه الجنوب ليس إلا نموذج من مواقف مماثلة يبديها جنوبيون عاشوا قبل مايو 1990م بالجمهورية العربية اليمنية, رغم إن حياتهم بالعربية اليمنية لم تكن مفروشة بالورود.
فقد عانوا الويلات والتفرقة العنصرية, وحرموا من ابسط مقومات الحياة والمعيشة, ويكفي أنهم كانوا يحملون وثائق إقامة باسم(جنوبي مقيم) ولم يتم صرف لهم بطائق شخصية أسوة بالشماليين!!!. كما أنهم حرموا من السكن والتعليم والتوظيف...ويكفي أن نذكر السياسي الجنوبي الذي يدافع عن شيء( ميت)بالقلوب والواقع , بأنه وحتى اللحظة يعيش في بيت مستأجر بتعز!.
بالمقابل لا نرى أي مواقف مماثلة من الشماليين الذين عاشوا في الجنوب بعد هروبهم من نظام الشمال نتيجة لمواقفهم السياسية المعارضة للنظام في الشمال. فهولا لم نسمع لهم أي مواقف مع ثورة شعب الجنوب السلمية, كما لم يكن لهم إي مواقف سابقة مع الجنوب منذ احتلاله في 1994م, بل على العكس فقد كانت مواقف بعضهم أكثر عدائية تجاه الجنوب من نظام صالح نفسه, واذكر مواقف أعضاء اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي من الشماليين..الشماليين الذي كان غالبيتهم قد عاشوا في الجنوب- فقد كانوا من اشد المعارضين لتيار إصلاح الوحدة والذي كان يترأسه المناضلان باعوم ومسدوس , رغم إن التيار كان يطالب بتصحيح مسار الوحدة وليس بالتحرير والاستقلال المطلب الحالي ((للثورة السلمية الجنوبية))!!!.
وقد وصل بالحال بالمعارضين لهذا التيار بان منعوا من نشر مقالات المناضل محمد حيدرة مسدوس في صحيفة الثوري التابعة للحزب الاشتراكي اليمني!!!!.
ان هذه المواقف العدائية من الشماليين الذين عاشوا في الجنوب تجاه الجنوب وثورته السلمية ومطالبه الشرعية والقانونية لاتتوافق مع ماء قدمه الجنوب لهم من ظروف حياة – ظروف لم يتحصل عليها أبناء الجنوب- رغم أنهم أصحاب الأرض- والأولى بالحصول على الحقوق والامتيازات!!!. فقد حصلوا على المواطنة الجنوبية الكاملة- التعليم بمختلف مراحله- الأولوية بدخول الجامعات والبعثات الخارجية دون أن يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية المفروضة على الجنوبيين- دخول الكليات العسكرية والأمنية مباشرة ودون الدخول بالمفاضلة او الاختبارات- الأسبقية بالحصول على السكن المجاني- الحصول على الوظيفة العامة وتقلد المناصب العليا بالدولة والحكومة والجيش والأجهزة الأمنية والخ !!!! رغم الفارق الكبير في المعاملة للجنوبيين في الشمال وللشماليين في الجنوب والتي أوجزنا جزء منها في سياق مقالي, فالوفاء كان من الجنوبيين والنكران من الشماليين!!!!.