ما يزيد من معاناتنا كأُسر ومجتمع ابتلينا بمداخيل حقيرة آخذة في التناقص أمام العملات الأجنبية، والعجز المتنامي في مجاراة الاسعار إضافة إلى حالة اللا دولة واللا استقرار وغياب الأمن والطمأنينة.. هو ان تطل علينا دعوات الاضرابات المتعددة التي طالت فقط أهم المؤسسات التعليمية والخدمية وذات الصلة بحياة ومستقبل وعقل وعافية المجتمع. فبرغم تشابه الظروف والأحوال المعيشية لمعظم مرافق ومؤسسات الدولة الغائبة إلاَّ ان دعوات الإضرابات ظلت مقتصرة وبشكل صارخ ومعلن على الجانب التربوي والتعليمي والجانب القضائي والجانب الصحي. وكأن هناك توجهاً معلناً وغير معلن لإطلاق رصاصة الرحمة على ما تبقى من أمل وحلم في التعافي وقرب الفرج. فهاهي أبرز شظايا تلك الرصاصة، التي أطلقت لتنال منا ومن وجودنا ومن أي أمل قريب في الخروج من حالة الضياع والتشرذم والغفلة، تذهب بعيداً في أ جسادنا المتعبة والمنهكة مستهدفة أطفالنا وأبناءنا وبناتنا الذين لم يتوقف مصيرهم في ما كان جارياً من تقطع وضعف التعليم واغلاق أبواب المدارس وفرص تلقي التعليم، والذي أخذ يمتد إلى حدود غير متوقعة وهو الإعلان عن وقف العملية التدريسية في المدارس بمختلف مراحلها، وها نحن نوشك على انقضاء العام الدراسي وأبواب المدارس مغلقة في وجوه أبنائنا الطلاب. مأساة طابور المعلمين ومعهم صمت وعجز وزارة التربية عن وضع نهاية لها وايجاد مخارج لوقف هذه المأساة التي تمثلت في نزوح الطلاب من صفوف الدراسة إلى الشوارع المفتوحة والمنفلتة إلى آخرها بسبب ظروف اللا استقرار واللا أمن على مختلف أصعدة الضياع والانغلاق والبؤس.. التي لابد ان تحمل -إذا ما استمرت- مردوداً غاية في الخطورة والتهديد لأية حلول عاجلة للمجتمع برمته ومنهم ومعهم تلك الفئة البسيطة التي تجد الحظ معها لتدريس أولادها في المدارس الخاصة. المشكلة الاخرى والأنكى الاضراب المعلن وغير المعلن للقضاء والقضاة معاً وأجهزة الضبط القضائي والنيابة في المتابعة والفصل في كثير من القضايا العالقة والمستجدة والمتعلقة بالسلم الاجتماعي والتي تنخر في جسم المجتمع وتثخنه بشتى حالات القتل والاغتصاب والتعدي والمخالفات بمختلف صروفها. يتبعها حالة التراخي وعدم الانضباط في احترام مهنة الطب وسلامة مؤسساتها من مستشفيات ومراكز صحية وعيادات حكومية، التي في الوقت الذي مازالت تعاني من تدني كفاءة ادائها الصحي المناط بها تجاه المجتمع أخذت تقترب بشكل معلن وغير معلن أيضاً من الالتحاق بموضة الإضراب التام والخروج من دائرة مسؤولياتها.. لتكتمل هنا تحديداً مهمة رصاصة الرحمة في توديع الحياة ووقف عجلة دورانها وتعقيد أية اعمال محتملة مستقبلاً في اخراج المجتمع من هوة النفق المظلم الذي لم تتوقف عوامل ودوافع ومسببات حشرنا جميعاَ فيها. ونحن كمجتمع إذ نفقد وجود ودور هذه المؤسسات الثلاث (التربية والتعليم والقضاء والنيابة والصحة) نكون قد أحكمنا الخناق حول اعناقنا ورحنا نتماثل للشنق ولفظ آخر انفاسنا لكوننا مجتمعاً لم ننخرط قسراً وطواعية في أتون حروب قتل وتنكيل وضياع وتهديد، وانما بتنا نواجه خطراً أبشع وأنكى من كل ما نحن فيه بسبب غياب حس المسؤولية ونبل وأخلاقيات المهنة لدى هذه المؤسسات الثلاث التي تعرف ويعرف كل شعوب العالم ومثقفيها ورجالاتها العاملين في التعليم والقضاء والطب ان اخلاقيات مهنتهم وقسم الانخراط للالتحاق بها تجرم أي انحراف لها يؤدي إلى التخلي عن القيام بمسؤولياتها وخصوصاً في أحلك وأشد الظروف المعيشية والحروب والاضطرابات قساوة. كما تفرض عليهم مهنتهم هذه عدم الانجرار خلف أي أسباب تخرجهم من دائرة ممارسة مهامهم والقيام بمسؤولياتهم.