مادام أن الإنسان خلقه الله ليكون خليفة في الأرض؛ إذن فقد خلقه الله من ترابها ليتكون التوائم بينه وبينها، ولم يخلقه من كوكب آخر، ولتتكون طبيعته من طبيعتها، وهذا وقع مرتين؛ مرة في أصل خلقته حيث إن طبيعة الإنسان ترابية؛ وجاءت طبيعة بني آدم وفق الطينة التي خلقهم الله منها ففي حديث أبي موسى في السنن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض، والأحمر، والأسود، وبين ذلك، والخبيث، والطيب، والسهل، والحزن، وبين ذلك ) ومرة تأثر ابن آدم بالبيئة والإنسان حوله؛ قال الله عن سبب كفر ملكة سبأ (وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ) أي بيئتها الكافرة سبب كفرها والإنسان ابن بيئته كما قيل ، وقد ذكر رسول الله تأثر الإنسان بماحوله حتى بالحيوانات؛ قال ( الفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل ، والفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم ) وذلك أن طبع الخيل والإبل النفور والأنفة والخيلاء فانتقلت هذه الصفات إليهم، والفدادون من الفديد وهو الصوت الشديد إذ تعلو أصواتهم عند رعيهم وفي معاملاتهم والفدادون هم المتعالون ذو المال والسعة ؛ بينما لما كانت السكينة في الغنم فإنها تنتقل إلى رعاتها، ولذا الأنبياء رعوا الغنم ولم يرعوا الإبل، وعلى هذا فالإنسان يختار البيئة المناسبة التي تؤثر في طبيعته وطبيعة أولاده إيجابا لا سلبا لأن : البقاع تؤثر في الطباع كما قيل، ويغادر البيئات الصعبة والأرض المزعجة والفئات المتخلفة أخلاقيا وثقافيا وينطلق نحو بيئة العلم والهدوء والعقل والرقي، والإنسان يصنع عقله وأخلاقه ببيئته التي يسكنها، ووطن الإنسان الحقيقي هو الوطن المناسب له . علي المحثوثي