/كتب_د. علي ناصر سليمان الزامكي المقدمة: لا شك إن الحديث عن مراحل تكوين الدولة اليمنية الحديثة, التي تشكّلت خلال الخمسة العقود الماضية والتعمق في تفاصيل حُقبها الزمنية, والتي أرتبطت بالعديد من المحطات التاريخية والإستثنائية الهامة, منذ فجر النظام السياسي وتكوينه, يحتاج الى تفكيك حقيقي للحالة اليمنية المُركّبة للوصول الى جوهر المشكلة التي ظل يعاني منها هذا البلد غني الموارد فقير الإرادة, بالإضافة الى ضعف إدارة البلد كمنظومة تكاملية لا يمكن أن يُقرأ فشل أحدها بمعزل عن الأخرى, وتراكماتها التي أدت الى تفاقم المشكلات العالقة طوال خمسة عقود ونيّف من الزمن.
أولاً: المحطات التاريخية: تفكيك لابد منه: لقد مُنيت بلادنا بالعديد من المنعطفات والمحطات التاريخية, والتي لا يسع اختصارها هنا , فهي بحاجة إلى دراسة أكثر عُمقاً وتحليل, وذلك لن يتأتى إلا بمنهجية علمية تعتمد في تحليلها للمشكلات, من خلال العديد من القراءات وعلى كافة الصُعد, فقد مرت تلك الثورتين العظيمتين (أي سبتمبر أكتوبر) بالعديد من المحطات الدامية والصراعات المتلاحقة على السُلطة بين الأخوة الرفاق, ونعتمد هنا على المنهج الوصفي, لتفصيل ووصف أركان وشكل ومقومات هيكل النظام السياسي وطرق تكوين هيئاته الحكومية وآليات نظام الحكم اليمني مع وصف البيئة اليمنية المتمثلة بثقافاتنا الاجتماعية والسياسية واصفاً كل أنات ومعاناة خيارات النهج السياسي السابقة. وإلى جانب المنهج المذكور أعلاه, فأننا بحاجة مُلحة للإستعانة بالمنهج التحليلي والاستقرائي معاً لتحليل واستقراء سير ونهج الدولة اليمنية بعد وحدتها والتي قامت على النظام الرئاسي البرلماني واختيار التوجه الديمقراطي كمرادف للنظام السياسي اليمني الوليد, وظهور النتوءات والأفكار الشمولية المرتبطة بالتهميش المبني على سياسات إلقاء الآخر، والتي جعلت من الشعب اليمني الواحد في ظل الدولتين اليمنيتين قبل الوحدة الإندماجية إلى شعبين تحت ظل الدولة اليمنية الواحدة, وهو ما تطرق له مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته التي وضعت اللبنات الأولى لآلية الشراكة والطرق المُثلى لتنفيذها, الأمر ذاته الذي أثار حفيظة مراكز النفوذ في العاصمة السياسية صنعاء وسعت تلك القوى لتعطيل تنفيذ تلك المخرجات التي جاءت بنظام إتحادي جدي لا ظالم فيه ولا مظلوم, وما نحن فيه اليوم هو نتاج طبيعي لما مرت به البلد من إنقلاب ودمار وتدميراً حقيقي.
ثانياً: اتفاق الرياض: وقبل الحديث عن هذا الاتفاق التاريخي الذي دعا له الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود, وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان, يجب علينا هنا البدء في الآلية الحقيقية التي يجب علينا الأخذ بها للبحث الواصف بالتدقيق للمحطات الديناميكية المعبرة عن الرغبة الوطنية الجامحة, واستعراضها لتبيان دلالات الأهمية السياسية والتاريخية لاتفاق الرياض , فقد جاء هذا الاتفاق كحصان طروادة لتخليص البلد وتجنيبها من أتون حربً قد تقضي على ما تبقى من مقومات وشكل مؤسسات الدولة, ولتغليب الحكمة والحوار ونبذ الفرقة ووقف الفتنة وتوحيد الصف, سارعت السلطات الشرعية بقيادة فخامة المشير عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية , بالتجاوب وتقديم التنازلات تلو التنازلات درء للفتنة وتحكيم صوت العقل وإخراس فوهات البنادق.
ان هذا الاتفاق جاء ليرسي مداميك الشراكة والعدالة والمساواة وتحديث آفاق الأمل من جديد، وبقراءة تحليلية واستقرائية سريعة سيتبيّن لنا شكل النظام السياسي باعتباره خيار استراتيجي لمواجهة متطلبات تقنين إطماع الاستحواذ على السلطة ووقف نزيف الدم وإلقاء الآخر –وتاريخ الشعب اليمني طويل وحافل بالإنقلاب على الاتفاقات السياسية- ولدينا عبر مراحل التكوين السياسي للدولة سواء كان في جنوباليمن أو شماله سلسلة طويلة لا يسعني هُنا الحديث عنها, ومن خلال نتائج المنهج التاريخي والمنهج الوصفي أو من خلال سلسلة الإحداث المتعاقبة بعد الوحدة اليمنية, نعسى وباستخدام المنهج التحليلي والاستقرائي لقراءتها وتفكيكها ومنها ائتلاف الحكم الثلاثي ابان دولة الوحدة أو الائتلاف الثنائي الملبي لاستحقاقات سياسية وعقب تنفيذها جاءتنا آفة الفساد المالي والإداري واستمرار تحجيم شراكة الوحدة وتشكيل السلطة المحلية في عام 2000م ومحاولة تطويرها في دورتها الثانية على طريق الانتقال من المركزية إلى اللامركزية وإجراء بعض التعديلات الدستورية اللازمة لسير وتوازن المجتمع سياسياُ كمحاولة استيعابية لامتصاص مقدمات تكوين قواعد النضال الثوري الرافضة لسياسة الإلغاء والاحتواء، الأمر الذي تبين لاحقاً بأن الأحزاب والمكونات السياسية تلاحق الشارع السياسي بمختلف أشكاله ومكوناته وصفاته لكي تواجه متطلبات الشارع السياسي، وليس العكس!! حيث استخدمت فيها الأحزاب والمكونات السياسية التكتيكات المباحة وغير المباحة للاستحواذ على الشارع السياسي وهذه جميعها ولدت بيئة سياسية ساعدت سماسرة السوق السياسي بالمتاجرة بحقوق وهموم ومشكلات المواطنين وتحويلها إلى أنات وثقافات تعكر صفو رؤية الحلول وتقييم بدائلها واتخاذ القرارات المعالجة للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على شعبنا اليمني المكلوم.
لقد ضلت البلد تبحث دعائم ترميم أساسات وواجهة البناء الثوري لكل من ثورتي سبتمبر وأكتوبر، لبناء هيكل النظام السياسي الذي يساعد الدولة في بسط نفوذها على الأرض, والمواطنين في الدفاع عن حقوقهم دون انتقاص, والسير قدماً بعجلة التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية نحو الأمام، وحقيقة الأمر علينا أن نعترف أن الإشكاليات آنفه الذكر أفرغت مفهوم الوحدة اليمنية السياسية من محتواها ألتشاركي بين جنوباليمن وشماله، وكذا مبدأ الشراكة الجنوبية الجنوبية والشراكة الشمالية الشمالية ،وبالضرورة نتج عن ذلك اختلال في ميزان المدفوعات السياسي الأمر الذي كان عاملا اساسيا في تشكيل قوى الحراك الجنوبية بمختلف مكوناتها ومقوماتها التفاوضية واعتبارها الحامل الرئيسي للقضية الجنوبية ، وقيام الثورة الشبابية المطالبة بالتغيير الجذري الشامل، كشكل من أشكال ثورات الربيع العربي آنذاك.
ولولا تدخل الأشقاء في المملكة العربية السعودية لحقن دماء اليمنين من خلال استيعاب نتائج المرحلة وتقديمها لمبادرتها الأخوية المبادرة الخليجية التي أصبحت مرجعاً أساسياً لتسيير اعمال الدولة ، لكان الوضع اسوء بكثير، وهذا ما يؤكد بأننا لازلنا نبحث عن شكل الدولة واختيار النظام السياسي اليمني الملبي لكل ذلك ومنها ثقافتنا وبيئتنا اليمنية.
ولذلك كان لابد من معالجة اختلال ميزان المدفوعات وبمرجعية المبادرة الخليجية وأن يتم إعادة المراجعة الكاملة والدقيقة لكل المتغيرات المتوالية والمترابطة خلال الخمس العقود الماضية لعمر الدولة اليمنية من خلال نتائج استخدام المناهج العلمية المختلفة وتم إنجاز مشروع دستور اليمن الاتحادي بموجهات واسس بناء الحكم الرشيد ومشروعها السياسي القائم على حوكمت نظام الدولة دولة النظام والقانون دولة العدل والمساواة في وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل، وبمساعدة محلية واقليمية ودولية ميسرة لتقديم نماذج وبدائل الحلول الملبية لتحقيق عدالة ميزان المدفوعات السياسية من خلال تصنيف وتحديد معايير واوزان تحقيق العدالة والمساواة التي ينشدها الشعب اليمني من اقصاه إلى اقصاه ، والتي للاسف الشديد تم الانقلاب عليها من القوى الظلامية المرتبطة بأجندات عصبية ومذهبية وأجندات الاستحواذ على السلطة والثروة .
ختاماً : وبقراءة سلسلة محطات تاريخ بناء الدولة اليمنية خلال الخمسة العقود قراءة متأنية بعيداً عن الشطط, وباستخدام المنطق والمناهج العلمية لإعادة ضبط ميزان المدفوعات السياسي ، وعدم ترك شوكة الميزان تميل لصالح المتنفذين اللذين افرغوا كل المفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية من معانيها وأهميتها ودورها في بناء الدول والمجتمعات المدنية والحضرية.
فإن اهمية وضرورة اتفاق الرياض اتفاق الحزم والأمل كمنجز أولاً من نصيب شعبنا اليمني الصامد الابي في جنوباليمن يعد مكسباً وطنياً كبير لا يجيب التفريط فيه ، حيث جاء اتفاق الرياض الموقع بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية في قصر اليمامة في الرياض ملبياً لكل متطلبات الحزم والأمل المنشود لابناء شعبنا اليمني إبتداءاً بجنوباليمن لتوحيد الجهود لاستعادة الأمن والاستقرار في اليمن ومواجهة التنظيمات الإرهابية وتفعيل دور كافة سلطات ومؤسسات الدولة اليمنية وفق جملة من الترتيبات السياسية والاقتصادية والعسكرية الملتزمة بحقوق المواطنة الكاملة لابناء الشعب اليمني ونبذ التمييز المناطقي والمذهبي ونبذ الفرقة والانقسام التي شملها اتفاق الرياض اتفاق الحزم والأمل .
أما الدلالات في الجانب السياسي لاتفاق الرياض كخطوة اولى في جنوباليمن لا يتجلى فقط في الالتزام بالشراكة مع المجتمع الإقليمي والدولي في محاربة الإرهاب والتطرف من خلال تثبيت دعائم الأمن والاستقرار وإنما جاء تلبية لاستمرار تقديم المعالجات لوقف اطماع الاستحواذ والاستئثار بالشارع السياسي المبنية على التكتيكات المباحة وغير المباحة والتي عكرت صفو رؤية حلول الإشكاليات المتراكمة خلال الخمسة عقود زمنية من عمر الدولة اليمنية الحديثة ، ان اتفاق الرياض اتفاق الحزم والأمل إنما جاء لتوحيد وتنظيم أولاً الشراكة الجنوبية الجنوبية نحو السير قدماً قيادة تحالف دعم الشرعية لإعادة الأمل من خلال القضاء على مناجم الإرهاب والتطرف ، وجاء بدون ادنى شك أيضاً اتفاق الرياض لالقاء سياسات الالقاء المتوارثة خلال مراحل تكوين الدولة اليمنية الحديثة جنوباً وشمالاً منظماً للشراكة الجنوبية الجنوبية لإعادة امن واستقرار البلد واستعادة دورها السياسي والاقتصادي والتنموي في المنطقة العربية والخليج.