من يقرأ الأوضاع اللبنانية سيصل الى نتيجة مفادها , تمدد الطائفية والمذهبية في الأوساط السياسية والأجتماعية , وتغلغلها في المجتمع اللبناني , وأصبحت تتغذى وتتضخم من خلال الأستقطابات العصبوية , لتكون المحرك الأساسي للصراعات السياسية والاجتماعية , وتتلقفها الماكينة الطائفية – السياسية لتمدها بالوقود لتزداد حدة هذه الصراعات . وأقرب مثال على ذلك الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 سنة من عام 1975 الى 1990م , وانتهت بأتفاق الطائف , وبقدر ماكانت تلك الحرب نتيجة للصراع الطائفي , كانت ايضاً سبباً لواقع طائفي – سياسي جديد وتشكيل خارطة جديدة مع بروز قوى وشخوص جدد انتجتها الحرب لتصبح مهم وقوي في المعادلة الطائفية – السياسية , وابرز القوى ( حركة امل وحزب الله والقوات اللبنانية .. ) وابرز الاشخاص ( نبيه بري وحسن نصرالله وسمير جعجع ورفيق الحريري .. ) . وبروز تلك القوى ذات الأنتماءات والمشاريع الضيقة وامتدادها , قابله تراجع من القوى الوطنية التي تحمل مشاريع المدنية والديمقراطية والوطنية , ورغم النضال الطويل والمحاولات التي قام بها التيار الوطني لبناء الدولة المدنية بعيداً عن حسابات الطوائف والمذاهب والمحاصصة الا انه يصطدم بالكيانات العصبوية الضيقة اللبنانية ومن وراءها من القوى الاقليمية والدولية التي تدعمها من اجل تحقيق مشاريعها ومصالحها وتحويل لبنان الى ساحة مواجهة وحرب وتصفية حسابات , وقد تجلى ذلك من خلال محاصرة وتصفية جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية , التي أسسها جورج حاوي ومحسن ابراهيم ( الحزب الشيوعي اللبناني , حركة العمل ) , لمواجهة أجتياح العدو الاسرائيلي للبنان ووصوله الى بيروت , ليجد مقاومة شرسه ودحره عن لبنان , وبعدها تعرضت جبهة المقاومة الوطنية الى حصار وحرب سياسية من الداخل اللبناني للحد من تأثيرها وأبعادها عن الساحة السياسية وتصفيتها , وتكالبت عليها كل تلك القوي الضيقة , وكان رأس الحربه ( حركة امل وحزب الله ) , للحفاظ على المشروع الطائفي والمذهبي ونظام المحاصصة . هذه المحاصصة الطائفية المذهبية تم تكريسها في عهد الأنتداب الفرنسي على لبنان من خلال ماأطلق عليه (( الميثاق الوطني )) وكان الأجدر تسميته (( الميثاق الطائفي )) ومن خلال ذلك الميثاق حصل زعماء الطوائف على ( أتفاق ) يمكنهم دخول الساحة السياسية وأدارة البلد , بحجة تمثيل تلك الطائفة او ذلك المذهب , وبعد خروج الاستعمار الفرنسي ونيل لبنان استقلاله أستمر العمل بذلك الميثاق أحتقان سيوسو – سياسي وبذور صراعات بدأت ملامحها منذ خمسينيات القرن العشرين , لتنفجر الاوضاع في 1975 وبداية حرب أهلية انتهت في 1990م مع أتفاق الطائف , هذا الاتفاق لم يكن حلاً جذرياً للمسألة اللبنانية , بل جاء كتأكيد على المحاصصة , وكل ماقام به هو ترضيات لقوى وشخوص , وأعلان انتصار أطراف وهزيمة أطراف آخرى . وبروز شخصيات في المشهد السياسي انتجتها الحرب الطائفية , مثل سمير جعجع , أيلي حبيقة , ميشيل عون , نبيه بري , حسن نصر الله .. وغيرهم ,, وظهور رفيق الحريري نتيجة اتفاق الطائف برعاية سعودية , وغياب وتغييب شخصيات كان لها باع في الساحة اللبنانية اما عن طريق الاغتيال اثناء الحرب وبعدها او الاقصاء والتهميش , مثل كمال جنبلاط , رشيد كرامي , فرنجية , الحسيني , سلام , الحص .. وغيرهم , مع الآخذ بعين الأعتبار ان هناك من كان حاضراً في المشهد اللعبة السياسية – الطائفية مثل وليد جنبلاط ورسلان , واقصاء شخصيات وطنية مثل الشهيد جورج حاوي , الذي عرض عليه المشاركة في احدى الحكومات كممثل للطائفة المسيحية الارثوذكسية , ولكنه رفض وقال بما معناه , (( انا لبناني وأمثل كل لبناني وليس طائفة بعينها )) . وبناءاً على ماسبق فأن الازمات السياسية والاقتصادية والفساد المستشري نتيجة طبيعية لهذه المحاصصة , واصبح للفساد والفاسدين سلاح يحميهم بأسم الطائفة والمذهب , ليكون أنفجار مرفأ بيروت اعلان لأنفجار نظام الطائفية , واعتقد انه لن يكون الآخير بل ستتبعه انفجارات وحرائق ستعصف بلبنان أن لم يسارع العقلاء الى حل جذري فأن حرب أهلية تلوح في الآفق . وامام الشعب اللبناني امام مفترقات طرق وخيارات عده .. بناء دولة مدنية ديمقراطية , دولة القانون والعدالة والمواطنة المتساوية , وتكافؤ الفرص بعيداً عن المحاصصة والحسابات الطائفية والمذهبية . الأستمرار في الوضع القائم وحالة اللاسلم واللاحرب , ومزيداً من الأحتقانات والفراغ السياسي بين فترة وآخرى , وتردي الأوضاع . أنفجار الاوضاع وحرب أهلية جديدة لن يستطيع احد السيطرة عليها وحصرها , وقد تستمر فترة طويله من الزمن , وتذهب بلبنان الى التشظي والتفتت .