يستطيع المشاهد لمسرحية «كرت أحمر» أن يدرك بسهولة أن كاتب السيناريو تعمد تطعيم النص بكلمات مندثرة أو قل استعمالها في اللهجة العدنية الدارجة بهدف التأكيد على «الموروث اللفظي» لهذه المدينة التي انصهرت فيها أعراق وإثنيات متعددة. وكاتب السيناريو هو رئيس فرقة خليج عدن المسرحية الشاب «عمرو جمال» وهو مخرج هذه المسرحية التي انتهى اليوم الجمعة عرضها لستة أيام متواصلة في سينما «هريكن» بمديرية كريتر بمدينة عدن, دون حضوره, بسبب الانشغال في دورة تدريبية قصيرة ومكثفة بألمانيا.
وهذه المحاولة في إحياء عبارات أو كلمات منقرضة أو توشك أن تنقرض تأتي في ذات سياق جهود الفرقة في ضخ الروح في المسرح العدني بعد توقف غير مبرر رغم ريادة سابقة. ولعل أولى الكلمات أو المفردات التي انتهى ترديدها في اللهجة العدنية ستصادف المشاهد للمسرحية في المشهد الرابع المتعلق بالشخصية المحببة «نادية شجن» وهي شخصية محورية في العمل ويؤديها النجم «رائد طه», حيث تطلق في سياق حوار اعتيادي وصف «شب النيس» على قميص يرتديه أحد شبان الحارة فيخبرها بأنه لايعرف هذه التسمية وأن القميص يدعى «كت» (كتافي). ومثل هذه المفردات التي لم تعد تستعمل يمكن ملاحظتها بكثرة في المسرحيات التي تقدمها فرقة خليج عدن, وتسعى من خلالها فيما يبدو إلى ربط الماضي بالحاضر والتمسك بروح مدينة عدن التي ظلت مركزاً لإشعاع مدني حضاري لعقود طويلة. ويمكن أيضاً ملاحظة هذا الارتباط الوثيق بالمدينة في اختيار اسم الفرقة التي يبلغ عمرها ست سنوات تقريباً.
ولاتقتصر المحاولات على إحياء مفردات أو مسميات وتتجاوزها إلى أمثال شعبية باللهجة العدنية الدارجة, ويمكن أن تثير مثل هذه المحاولات أحياناً اندهاش بعض الجمهور عبر إطلاق عبارات من مثل «انت قديم», لكن مثل ردود الفعل هذه لا تخلو من إعجاب وتصفيق حار. وهذا العمل تم تقديمه العام الماضي, وتم تحديث السيناريو في هذه الموسم الجديد عبر إضافة تعديلات إلى بعض مشاهد المسرحية التي تبلغ "11" مشهداً.
وتلامس التحديثات ظواهراً سلبية جديدة ظهرت في مدينة عدن كإطلاق النار بصورة عشوائية, وظهور سوق سوداء لمواد الوقود.
ويقوم العمل إجمالاً عبر الدمج بين المسرح الجاد والكوميدي من خلال نقد ظواهر سلبية بقوالب كوميدية, والدعوة إلى رفع «كرت أحمر» لمكافحتها, والدعوة في المقابل إلى التمسك بالقيم الاجتماعية الإيجابية.
وينتهي كل مشهد من مشاهد المسرحية بخروج عدد من الشبان يرتدون زي حكام مباريات ويرفع كل واحد فيهم «كرت أحمر» في إشارة إلى أن هذه الظاهرة السلبية تستوجب محاربتها. ومن بين التعاليم الاجتماعية المتزمتة التي ينقدها العرض ظاهرة «الثأر» ويرتكز المشهد السادس الذي يتضمن هذه الظاهرة على قصة قصيرة تحمل اسم «الرأس» للكاتب الشاب «ياسر عبد الباقي» بعد معالجة النص مسرحياً, وتدور القصة حول سيدة ريفية تنتقم لمقتل زوجها وأولادها الذين قضوا في صراع مع عائلة غنية عبر تربية ابن العائلة الغنية الذي قام والده بوضعه إلى جانب النهر لتجنيبه القتل فتقوم هي بعد فرارها من الصراع بين العائلتين بأخذه وتربيته, ثم قتله بعد أن يبلغ العشرين في مشهد مؤثر تحكي له فيه أنها ليست أمه, وأن عليه أن يموت بيدها انتقاماً لزوجها وأولادها. وفي هذه النسخة المحدثة ينقد العمل بصورة ساخرة حملات تغيير أسماء المرافق والمعالم بمدينة عدن, وهي حملة دشنتها السلطات بعد انتهاء حرب العام 1994, وصفق الجمهور طويلاً أمام هذا المشهد. وحصدت المسرحية نجاحاً جماهيرياً في موسمها الأول, وكذلك في موسمها الحالي, وامتلأت قاعة العرض خلال الأيام الستة الماضية بالمتفرجين وهي تتسع لنحو 900 متفرج, وأحياناً يمكن ملاحظة متفرجين يقفون في نهاية المدرجات بعد شغل جميع المقاعد. ولاتتوقف مزامنات لكلمات وعبارات بين نجوم المسرحية ومتفرجين يرددون هذه العبارات بالتزامن, ويؤكد بعضهم أنه يتذكرها من الموسم الأول في العام الماضي. وتؤكد محاولات الجمهور للتحية أو التقاط الصور مع نجوم العرض بعد انتهائه على الحميمية بين الطرفين, وبخاصة أن عدداً من مشاهد المسرحية أو تحديثاتها لامست قيماً اجتماعية مفقودة أو معاناة يومية حاضرة في المجتمع. ومن المتوقع مشاركة المسرحية في عرض في الخارج, وتصويرها تلفزيونياً خلال الأشهر القادمة.
وأدى الأدوار الرئيسية في العمل كلاً من عدنان الخضر, رائد طه, فاطمة عبد القوي, عيدروس عبدون, هديل عبد الحكيم, قاسم رشاد, فيما حلت النجمة غيداء جمال محل النجمة سالي حمادة لظروف دراسية عرقلت مشاركة الأخيرة في الموسم الثاني.