تحليل يناقش تناسل المليشيات وضررها مستقبلا وكيفية تحويلها إلى جيش وطني تحت قيادة عسكرية واحدة على ماذا نص اتفاق الرياض فيما يتعلق بتوحيد الجيش؟ كيف قسمت مخرجات الحوار الوطني الجيش بين الشمال والجنوب؟ هل أجهزت جماعة الحوثي على جيش (صالح) وكيف تم ذلك؟ كيف تم تسريح الجيش الجنوبي في دولة الوحدة؟ المليشيات في الجنوب والشمال.. ما هو ضررها على مستقبل البلاد؟ تحليل / باسم فضل الشعبي: الشيء الوحيد الذي يتكاثر ويتناسل في اليمن بشماله وجنوبه هو المليشيات، إذ لم تستطع كل القوى تحويل الفرق والجماعات المسلحة التي تحت قيادتها إلى جيش وطني ويجري الحديث عن الجيش الوطني مجازا لكن في الواقع لا يوجد جيش منظم ومرتب وكل ما هو موجود مجموعة مليشيات في ألوية عسكرية أو أحزمة أو جماعات مسلحة تتناثر يوميا في كل مكان، الأمر الذي يؤشر إلى معضلة كبيرة قد تنتظر البلد مستقبلا. لقد نص اتفاق الرياض في أحد بنوده على إعادة ترتيب وتوزيع الألوية العسكرية والتشكيلات المسلحة في المناطق المحررة التي تتبع المجلس الانتقالي من جهة والتابعة للشرعية من جهة أخرى إلى مواقع أخرى خارج المدن، وبعيدا عن مناطق النزاع المسلح ثم إعادة تموضعها في إطار جيش موحد تحت قيادة وزارة الدفاع. إلى الآن لم يتم تنفيذ الشق العسكري في اتفاق الرياض والذي كان يفترض تنفيذه بعد ستين يوما من التوقيع على الاتفاقية غير أن شيئاً من هذا لم يحدث حيث جرى تأجيل الشق العسكري وتقديم الشق السياسي عليه في صورة أثارت عدداً من التساؤلات لدى المراقبين. مليشيات تتناسل تعمل مليشيات الحوثي على تخريج دفعات عسكرية وأمنية من الكليات المتواجدة في صنعاء مثلما حدث قبل أيام عندما تخرجت دفعة من كلية الشرطة في الوقت الذي ما تزال الكليات مغلقة في عدن والمناطق المحررة، كما تعتمد مليشيا الحوثي على ما تبقى من جيش الرئيس السابق علي صالح في رفد جبهاتها لكنها في الوقع تظل مليشيات مسلحة لا يضبطها ضابط منظم أو مؤسسي في الوقت الذي تظل التشكيلات المسلحة العاملة في إطار الشرعية عبارة عن مليشيات مماثلة لاسيما تلك القوات الضخمة التي تعمل في الساحل الغربي ومأرب، ولنا أن نتصور وجود الآلاف من الشباب الذين يتم استقطابهم إلى ألوية العمالقة في الساحل الغربي دون ترتيب أو تنظيم أو تلقيهم دورات عسكرية كما أنهم لا يرتدون البزة العسكرية الرسمية بل اللباس المدني التقليدي، ويتم الزج بهم في الجبهات الملتهبة وأكثرهم لا يستطيع التعامل مع السلاح. تتكاثر المليشيات في أكثر من مكان لكن الأخطر تواجدها في المناطق المحررة حيث توجد تشكيلات أمنية وعسكرية لا تتبع وزارة الدفاع بل تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي كما توجد تشكيلات مماثلة تتبع السلطة الشرعية وهي الأخرى تفتقد للتنظيم والترتيب وتشكل عائقا أمام تشكيل جيش وطني موحد، كما نصت عليه مخرجات الحوار الوطني أو اتفاق الرياض الموقع. أهم ما في الدولة إن أهم ما في الدولة هو وجود الجيش المنظم والوطني وهناك تعقيدات كبيرة تقف أمام هذا الهدف لكن الأمر ليس مستحيلا، إذا وجدت قيادة وطنية تستطيع لملمت هذا الشتات وضم كافة القوى السياسية تحت مظلة الدولة الوطنية عبر الحوار وتحقيق السلام. إن دولة بلا جيش منظم ومدرب ليست دولة لكن السؤول الكبير: كيف سيتم ضم كل هذه التشكيلات والمليشيات من الجنوب إلى الشمال في إطار جيش وطني واحد؟. يرى مراقبون أنه إذا نجح اتفاق الرياض في إصلاح وضع المليشيات جنوبا في إطار جيش موحد تحت راية وزارة الدفاع فإن ذلك سيكون الخطوة الأولى في حال تحقق السلام مع جماعة الحوثي شمالا لكن التسابق في تضخيم هذه المليشيات وعسكرة أعداد كبيرة من الشباب وضمهم إليها ربما يشكل حملا ثقيلا على الجيش الوطني القادم الذي سيكون معلوم الهدف والعدد. لا توجد دولة بلا جيش، واليمن لم تحظ ببناء جيش وطني حتى في ظل دولة الوحدة، فبعد تسريح الجيش الجنوبي من المؤسسات العسكرية التابعة لدولة الوحدة اتجه علي عبدالله صالح لبناء جيش عائلي وطائفي لعب دورا في الانقلاب عليه فيما بعد عندما وقع تحت سيطرة جماعة الحوثي حليف علي صالح في الحرب الأخيرة قبل أن ينقلبا على بعض ويتم قتل صالح. كانت دولة الجنوب قبل الوحدة هي الوحيدة في المنطقة التي تمتلك جيشا منظما ومدربا قوامها بضعة آلاف لكن هذا الجيش وقع ضحية حرب صيف 94 التي أطاحت بالشريك الجنوبي في دولة الوحدة وتسببت فيما بعد بتسريح الجيش وحله نهائيا من قبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح. مخرجات الحوار في مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في العام 2013 جرى مناقشة كثير من القضايا التي تهم الدولة الاتحادية اليمنية وشكلت فرق عمل مختلفة كان من ضمنها فريق خاص بمؤسسات الدولة تناول هذا الفريق قضية الجيش والأمن باعتبارها إحدى القضايا الحساسة والمهمة التي تهم الدولة الجديدة، ونصت بنود الحوار في هذا الجانب الى تقسيم الجيش بين الشمال والجنوب 50 بالمائة للجنوب ومثلها للشمال وإعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس مهنية ووطنية. لكن الحرب جاءت لتؤجل مخرجات الحوار إلى أجل غير معلوم، ومن المفيد القول إن هذا البند تم وضعه في الدستور الجديد للدولة، وهي الوثيقة التي استفزت جماعة الحوثي والرئيس السابق صالح، ودفعتهم إلى تفجير الحرب ضد خصومهم السياسيين في السلطة، وهي الحرب التي مضى عليها ست سنوات ولا يوجد أفق لوقفها نهائياً. ويرى مراقبون أن وثيقة الحوار التي أنشئ على أساسها دستور الدولة كانت من ضمن الأسباب التي فجرت الحرب بسبب عدد الأقاليم وما تناولته الوثيقة بشأن المؤسسات التي منحت الجنوب المناصفة في كثير من البنود والمجالات وأبرزها الجيش والأمن والبرلمان وغيرهما، الأمر الذي ترفضه قوى الفيد والهيمنة في شمال الشمال التي ترى بأن اليمن مزرعة من مزارعها يجب تملكها بالقوة. وتعد وثيقة مؤتمر الحوار أهم وثيقة سياسية ومدنية أجمع عليها اليمنيون لاسيما في وضعها الأولي، قبل إعلان الأقاليم، حيث رفض الجنوبيون الأقاليم الستة وانسحبوا من الحوار، فيما بقي طرف آخر منهم إلى جانب الرئيس هادي، الأمر الذي يجعلنا نقول إن هناك انقساما في الجنوب بخصوص هذه الوثيقة، وما نشاهده اليوم من تقارب بين الشرعية والحراك وفقا لاتفاق الرياض قد يعيد إحياء وثيقة الحوار من جديد لاسيما إذا نجح اتفاق الرياض وتشكلت الحكومة ومضت البنود المتعلقة بالجيش والأمن صوب التحقق والتنفيذ. هل سيتفق اليمنيون؟ هناك معيقات كبيرة تعترض طريق حوار شامل كامل في اليمن لتحقيق السلام وإعادة الوحدة للنسيج اليمني من جديد وهناك طموحات لبعض القوى ترى أن الوضع الحالي هو الأفضل لها لذلك ترفض صيغة الحوار الشامل الذي يمكن أن يحقق سلاما دائما في البلاد يجنب الشعب ويلات الحرب والنزوح والدمار. هل سيتفق اليمنيون بعد كل هذا الخراب والدمار أنه سؤال صعب في مرحلة صعبة تتطلب عملا وطنيا لا عملا حزبيا، وتتطلب شخصيات وطنية عند مستوى المسؤولية فضلا عن دعم اقليمي ودولي جاد يعيد التوازن للبلد وللقوى السياسية التي فقدت توازنها وكانت سببا فيما حدث من حرب وتداعيات كبيرة ما زالت تشكل العقبة الكبرى امام حل نهائي وجذري للأزمة اليمنية. لا يوجد هناك شيء مستحيل، فكثير من المتابعين يرون أنه بالإمكان تحقيق حل شامل للأزمة اليمنية وإغلاق ملف الحرب لأن استمرار الحرب يمثل خسارة للجميع بما فيها دول التحالف التي يبدو أنها تغرق في المستنقع اليمني، وبدل ذلك تعمل في اتجاه مغاير لأهداف عاصفة الحزم لتعويض خساراتها بالسيطرة على مدن وجزر يمنية لإقامة مشاريع تنموية وعسكرية خاصة بها. إذا تحقق السلام وحلت الأزمة اليمنية سيكون الجيش في صدارة الفعل الوطني، فكيف سيتم توحيد الجيش المنتمي لكل هذه القوى السياسية؟. سؤال هام، وفي تقديري أن العودة لمخرجات الحوار والدستور اليمني سيمثل مخرجا لائقا لهذه النقطة المهمة، فاليوم أصبحت القوى لها الآلاف من الجنود، والجيش القادم يفترض أن يكون محدود العدد ولديه ميزانية معينة، وسيكون جيشا اتحاديا تحت إشراف وزارة الدفاع والحكومة الاتحادية. وأخيرا يمكن القول إنه لا يوجد مستحيل إذا وجدت الإرادة الوطنية، لكن الوصول إلى هذا الحل الشامل ما يزال بعيد المنال في تصوري، لذا فإن تحقيق بنود توحيد الجيش في المناطق المحررة التي وردت في اتفاق الرياض سيكون عاملاً محفزاً لما بعده من قرارات وتوجهات على الصعيد الوطني.