سجلت الذاكرة السياسية الجنوبية في الجنوب اليمني الكثير من التحولات و التغيرات السياسية التي شهدها الجنوب و كونت الجزء الأكبر من تاريخه السياسي الحديث .. و بل ان الذاكرة السياسية الجنوبية لا زالت تعيد تكرار تلك التغيرات و التحولات و إن اختلفت المعطيات و الحيثيات مع نسق الواقع الذي يعيشه الجنوبيين كشعب كان و لا يزال يدفع ثمن الأخطاء السياسية لساسته و قادته . و في "سفر إصحاحنا الثالث و العشرون" نسلط الضوء على إشكالية سياسية جنوبية متأصلة في الذاكرة السياسية الجنوبية وهي إشكالية قديمة جديدة و تتكرر دائما مع كل إنتكاسة سياسية تحل على الجنوبيين و تحدد معالم النكسة و النكبة المقبلة عليهم و هي بالطبع من صنع قادتهم و ساستهم . و لمقاربة النكسة القديمة بالنكسة الجديدة و نقصد مقاربة النكسة الحديثة بالنكسة المعاصرة فأن الذاكرة السياسية الجنوبية تجيبنا على تساؤلاتنا و توجد لنا المقاربة كاملة و التي تحدث عنها وقتها الامين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني "سالم صالح محمد" .. و تدور تفاصيل المقاربة في آواخر الثمانينيات من القرن الماضي و تحديدا مع سقوط الحليف الاستراتيجي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية "الاتحاد السوفيتي" ولعلها اللحظة التاريخية التي أفضت إلى خيار التوقيع على الوحدة . و التي يلخصها لنا و بعبارة موجزة في إحدى مذكراته السياسية بالقول :عندما وصلت إلى الكرملين لم يعرفني أحد ! و يستطرد بعدها في تفاصيل الزيارة .. و لعل مايحدث في اللحظة الراهنة مع وفد رئاسة "المجلس الأنتقالي" في "روسيا الأتحادية" اليوم لا يختلف كثيرا عن ماحدث في تلك اللحظة الغابرة من التاريخ بالأمس مع الفارق الشاسع بين نظام سياسي متكامل و بين مكون سياسي منزوع القرار يقيم في أبوظبي . و لا تكتمل المقاربة دون مقارنة التوجهين السياسيين لمسؤول نظام سياسي كامل الاركان و لوفد مكون سياسي فاقد للأهلية السياسية و متقلب المزاج و متعدد التحالفات و الالتزامات المتباينة مع بعضها البعض و التي تتعارض مع ادنى مفاهيم السياسة و اللعبة السياسية في حدها الاقصى إذا افترضنا جدلا اننا امام مكون سياسي يفقه متطلبات تلك المفاهيم السياسية و التي لا وجود لها في مخزونه منذ تأسيسه . و في تقديري ان رئاسة المجلس لم تذهب للقاء الروس بمحض إرادتها بصرف النظر عن مصداقية تلقيها الدعوة الرسمية ، و لكن الملفت تصريحات المسؤولين الروس و التي التزمت مانستطيع و صفه بالحياد السياسي تجاه كل اطراف الأزمة اليمنية و هي في ذات السياق تحمل قدر كبير من التجاهل السياسي لتوجهات المجلس و رئاسته و لم تتطرق التصريحات الروسية بتاتا لرؤية رئاسة المجلس و التي تصر على ان اولويتها و ركيزتها فك ارتباط الجنوب بالشمال و الحصول على اعتراف دولي و اقليمي . و مع ذلك لا تلوح نذر اقتراب النكسة المعاصرة للجنوبيين في اصرار رئاسة المجلس على توجهاتها الخارجة عن الواقعية السياسية من موسكو و لكنها تلوح من الداخل في الجنوب ، الجنوب الذي تراجعت شعبيتها فيه و خرجت خمس محافظات جنوبية عن مسارها إذا ماستثنينا الأجزاء المؤيدة لها مع الأخذ بعين الاعتبار مناطق الحوطة و الصبيحة والتي اصبحت من أشد المناطق المعارضة لتوجهاتها . و بالاضافة للأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها بخوضها حربين عبثيتين لا طائل منها مع فشلها الإداري و السياسي في إدارة عاصمة دولتها المنشودة و الكثير الكثير من التصدعات و الاختلالات و التي أوجدت حاجزا معارضا لدى الجنوبيين لم يعد يثق بتوجهاتها ومغامراتها السياسية.