في الأول من حزيران يونيو 1951م اتفق مجموعة من وكلاء الاستخبارات الغربية وعدة خبراء نفسانيين في كندا لدراسة مدى حرمان المرء من الشعور بحواسه عن طريق محو أدمغة المريض وتعبئتها بأفكار جديدة.. وذلك عن طريق تدمير البيانات الحسية وبيانات الذاكرة بواسطة الصدمات الكهربائية وأدوية الهلوسة والعزل التام واستخدام وسائل بشعة للتعذيب . وخلاصة هذه الأفكار الجهنمية هي غسل الأدمغة وإزالة كافة البيانات فيها وإعادة تشكيلها وبرمجتها حسب الحاجة . هذه الفكرة الشيطانية راقت للدكتور فريد مان الخبير الاقتصادي بجامعة شيكاغو .. فأراد تطبيقها على الشعوب وذلك بغرض فرض النظام الرأسمالي وامتصاص ثروات الشعوب. ولتطبيق هذه الأفكار اقترح أن يتم صدمة الشعوب عن طريق إشعال الحروب والكوارث الاقتصادية وخلق الفوضى العارمة وتشجيع بؤر التور ودعم جماعات العنف والتطرف والتخريب والإرهاب . وتهدف تلك الوسائل ألا أخلاقية إلى صدمة الشعوب وإدخالها في دوامة عنف لا تنتهي حتى تفقد صوابها وقدرتها على التفكير والتركيز والتقدير والتدبير .. وفي هذه الحالة تتقدم القوى المتربصة الخفية التي تدير المشهد عن بعد لتفرض حلولا معلبة جاهزة ويتصدر المشهد بطل كرتوني مصنوع في تلك الأروقة فيعمل الإعلام على تلميعه وتزيينه وتجميله وإظهاره وكأنه هو المنقذ ومخلص الشعب من تلك الأزمات الطاحنة . وهنا تحل الكارثة وبصدمة جديدة حيث يخرج الشعب يصفق لذلك الفارس المغوار ويحمل على الأكتاف وتعلق صوره في الشوارع والطرقات وينسى الشعب آثار تلك الكارثة تماما بعد إزالتها بصورة ذلك البطل وتكون أدمغة الناس فاضية بعد محو المعلومات السيئة المخزنة لديها ...لأنها متطلعة ومتشوقة للمرحلة الجديدة . وما إن تطمئن تلك الآيادي اللئيمة لنجاح تجربة الصدمات .. تتقدم لفرض النظام الجديد على الشعب بالقوة لأن الشعب مصدوم لا يقوى على فعل شيء . فعلى سبيل المثال تم تطبيق هذه الوسيلة البشعة على التشيلي ذات النظام الشيوعي بداية سبعينيات القرن الماضي حيث كانت تنعم بالأمن والاستقرار والرخاء... فشعرت الشركات الأمريكية بالقلق حيال مصالحها فعمدت على تشجيع الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار وأوجدت بؤر توتر عبر عملائها وروج الإعلام لعمالة قيادة البلاد وهيجت الشعب ضد السلطة الرسمية .. ثم ختمت ذلك المسلسل التراجيدي بانقلاب عسكري حيث تمت الإطاحة برئيس تشيلي الشرعي ودعم قائد الانقلاب الذي ظهر وكأنه بطل قومي ومنقذ للشعب وبينما كان الشعب يعيش آثار هذه الصدمة ..قام البطل المغوار بإيداع كل مخالفيه السجون ومارس معهم أبشع وسائل التعذيب وأطلاق العنان ليد الخراب تمارس القتل والبطش والتنكيل وإثارة الفوضى والإرهاب وأوعز للتجار بالتلاعب بالعملة والأسعار لإفقارالناس وتجويع الشعب... ورافق تلك الإجراءات صدمة الشعب بترويج إعلامي ممنهج عالي الأداء بأن البطل المنقذ... يتعرض لمؤامرة وأن الأمن القومي في خطر وأن البلاد ستسقط في أيدي المخربين والعملاء وقوى التطرف والفساد والإرهاب وووو... وهذه صدمة غاية في الخسة واللؤم ...لأن الشعب في هذه الحالة وكأنه يخير بين نارين إما أن يرضى بالوضع المأساوي الحالي ويتغاضى عن جرائم هذا المجرم .. أو أن يختار الخيار الاخر -والذي لايزال وهماً لم يخلق بعد_ وإنما هو فزاعة لتخويف الناس ولأن الشعب مورست عليه صدمات متوالية وهو في حالة ذهول... بدون أدنى شك سيختار الوضوع الحالية لأنه يتوقع الأسوأ . وهنا تجد القوى المتربصة بغيتها وتفرض أجندتها ولو بالقوة المفرطة . وبعد نجاح تلك التجربة تسارعت الخطى لتطبيقها في أكثر من دولة . ففي بداية التسعينات تعرض العراق لصدمات عنيفة جدا كان أخطرها ثلاث صدمات متتالية.. أولها الحرب العسكرية الشاملة فتلتها مباشرة صدمة المعالجة بالفاجعة الاقتصادية ثم تلتها صدمة فرض أجندة بريمر بالقوة المفرطة وإلى هذه اللحظة لا يزال العراق يعيش أثار تلك الصدمات ونحن اليوم في اليمن وبكل أسف تطبق علينا هذه النظرية الشنيعة القبيحة الفظيعة بكل حذافيرها . وما حصل في تشيليوالعراق وغيرها ... يحصل عندنا تماما وربما أبشع منه وأنتم تعيشون الان عين الأزمة . صدمة الحرب المجنونة صدمة الأزمة الاقتصادية التي تطحن الشعب . صدمة التلاعب بالعملات صدمة الانفلات الأمني المتعمد . صدمة الفوضى العارمة .. صدمة دعم قوى التطرف والإرهاب . كل تلك الصدمات العنيفة أفقدت الشعب اليمني وعيه فأصبح يبحث عن مخرج ... وإن كان الأسوأ . وأكثر ما يحز في النفس أن تلك القوى الخارجية اللئيمة تدير المشهد عن بعد وتبحث عن مصالحها الاقتصادية .... ولكن بأيدي محلية . فهل آن الآوان للشعب أن يستفيق ؟