*يحكى أن هناك طفلا كان يرعى أغنام أهل قريته في ربوة عالية مطلة على القرية وبينما هو مستند على شجرة ينظر إلى الأغنام خطرت على باله فكرة شيطانية سوداء يكذب بها على أهل القرية محتواها "أن الذئب قد هجم على الغنم" وهو يرغب بالترويح عن نفسه، فشمر عن ساعده و قام يصيح ملء صوته: يا أهل القرية!يا أهل القرية! الذئب يهجم على الغنم ،و يردد صيحاته عاليا، لم يمض وقت قصير إلا وفزعة أهل القرية قد وصلت إليه وبأيديهم العصي والحديد،يحدوهم الشوق ويقودهم العزم للقضاء على الذئب المعتدي ، لكن هالهم الوضع الطبيعي الذي كان على عكس ظنهم، فلاهناك ذئب مفترس ولا هناك أغنام تتهرب من فتك أنيابه ، وإذا بهم يطلقون نظرات حانقة على شهاب في تقريع له موبخين إياه لكذبه، ولم يرد على موقفهم منه سوى بالضحكة الماكرة التي أحس بها نفسه أنه انتصر عليهم .* *عاد أهل القرية إلى قريتهم لمتابعة أعمالهم، وبينما هم لم ينتهوا من الحديث عن كذبته الباهتة إذ به يستنجدهم بصوت أعلى من الصوت الأول وترديد أكثر منه فقد كان الموقف حقيقة، فقد هجم ذئب متوحش على الغنم، وأخذ يفتك بها واحدة تلو أخرى، شهاب يستنجد ويصيح ويستغيث، ولم يشفع له صدقه المبلل بالدموع إلى أهل القرية الذي ظلوا يضحكون عليه واصفين إياه بالسذاجة، إذ كيف لم تنتهي كذبتك الأولى بعد وقد شرعت في اختلاق أخرى، وهم لم يعلموا بأن الذئب قد مزق أغنامهم إلى أشلاء .* *عاد شهاب إلى قريته دون غنمه، وهو يبكي معاتباً لهم لماذا لم يصدقوه ولم ينقذوا الأغنام، فردوا عليه بأن الكذبة الأولى تطلي مابعدها بلونها وإن ناقضتها ،ثم أجمعوا عليه بقولهم "ياشهاب ياكذاب، تستاهل أكل الذئاب"* *القصة ليست مجرد حكاية للترفيه ولا للتسلية بقدر ماهي معبرة ذات مدلول عميق ، ومعنى الذئاب في واقعنا هو وباء كورونا ، و شهاب الكذاب هي السلطات غير المسؤولة، والتي ترفع الصوت متى تشاء وتخفضه متى تريد حسب حاجة في نفس شهاب ، أما أهل القرية والأغنام فهي الشعوب المتضررة وتتقاسم الدورين بالقدر المناسب، فهناك متضرر بصورة مباشرة ،وهناك من يتضرر بصورة غير مباشرة.* *في الموجة الأولى لوباء كورونا وقعت حملة تحذيرية كبيرة هولت من أمر كورونا بصورة ضخمة وصورته على أنه غول جائع لن يشبع نهمه حتى يفترس ثلثي سكان الكرة الأرضية وإن كان الأسلوب المناسب في هذا الأمر أن "لاتهوين ولا تهويل" تم رفسه فالمسؤلون هولوا دون تقديم الاحتياجات اللازمة و المواطنون هونوا دون اتخاذ الإجراءات الاحترازية ،حيث إن الطريقة التي تم التعامل بها جعلت الكثير يكذبون حقيقة هذا الوباء مبررين ذلك بالكثير من الأقوال، مثلاً : أنا ذهبت إلى المستشفى ولم يكن لدي سوى زكام خفيف لكنهم سجلوني حالة كورونا مؤكدة -يشير الى الرغبة في استثمار الوباء مادياً ، وآخر يقول: مات أحد اقربائي وهو ذو مرض مزمن ولم تتقبل أي مستشفى معالجته بعد إن ظهرت عليه اغراض الزكام الذي كانت تنتابه عادة في كل عام يمر به ولم يمت سوى هذا العام بعد هذه الحملة التهويلية" -ملمحاً إلى أن حملة التحذير من كورونا هي حملة عسكرية نفسية لدك قلاع وحصون معنويات المرضى وذوي الأعراض - ومواصلاً قوله : وأنا في كل مرضه إلى جواره ولم تبد علي أي أعراض في حقيقة تناقض قول التفشي السريع غير الممهل من ظهور الأعراض .* *ولو نظرنا إلى الدول التي كانت تزداد فيها حالات الإصابة والوفاة بصورة جنونية، كيف توقفت هذه الأعداد بصورة أقرب الى المفاجئة التي لم يسبقها أي تدرج، مثلاً الولاياتالمتحدة الأميركية التي تزايدت فيها حالات الإصابة بصورة كبيرة جداً وعلى الرغم من أن الفيروس بلغ ذروته إلا أن المظاهرات الشعبية اشتعلت أثناء الذروة في العديد من الولايات دون الإلتزام بإجراءات الوقاية من الفيروس ومع هذا ظل ارتفاع حالات الإصابة والوفاة منتظماً بنفس المستوى والذي كان يجب أن يكون بصورة أسرع بعد أن تشتد حدته وتحتد وتيرة تفشيه كنتيجة حتمية لذلك الإختلاط الكبير غير الملتزم، ولم تتوقف أنباء كورونا في امريكا إلا بعد اقتراب صراع الرئاسة بين بايدن وترمب وأصبح الحديث عن كورونا أخبار ثانوية تعبر عن حشرجة محتضر بعد أن كانت تتصدر عناوين النشرات و الصحف ، في تفكيرٍ يطرح العديد من الأسئلة، منها : كيف توقفت هذه الأعداد المتزايدة للحالات المصابة بالوباء على الرغم من تيسر البيئة والعوامل المهددة للانتشار مع عدم وجود أي لقاح مؤكد يقضي على المرض ؟!* *وهل السياسة هي التي تتحكم بهذه الأمور التي هي خارجة عن نطاق الاستخدام السياسي، لو كانت حقيقية؟* *ولو تحدثنا عن ضحايا كورونا في العام الماضي لوجدنا انها لم تتجاوز المليونين حالة وفاة، بينما الأمراض التنفسية كالأنفولنزا يقترب عدد ضحاياها من 700 ألف سنويا، اذاً لماذا تسليط كل هذه الأضواء على كورونا وتعتيمها على بقية الأمراض التي تحصد عدداً من الأرواح لايستهان به، بينما ضحايا الوباء الجديد معظمهم من ذوي الأمراض التنفسية المزمنة، والتي لعب الحملة التهويلية دورا كبيرا في انهيار معنويات معظم المصابين بها ؟!* *وذه مجرد تساؤلات شخص يريد التطلع لمعرفة حقيقة مايجري حوله بكل وضوح بعيدا عن دهاليز اللوبيهات المظلمة و مؤتمرات الصحة المليئة بالمغالطات.* *أما في البلدان النامية مثل اليمن، فكيف يواجه شعب أعزل وباء بحجم المرعب كورونا وهو الشعب الذي لم يتمكن من تأمين احتياجاته أساسية، بينما عجزت دول كبرى كالولاياتالمتحدة وإيطاليا عن احتوائه رغم القدرات الهائلة و الميزانيات الضخمة التي وضعت لكبح جماحه ؟!* *مواطن بدون راتب، وإن وجد فهو متقطع وإن استمر فهو لا يكفي متطلبات الحياة الأساسية، معظم المواطنين يعملون في المحلات والبقالات والمطاعم و قيادة مركبات النقل من باصات ونحو ذلك ، عملهم بحاجة إلى اختلاط دائم فالحل لايكون بإغلاق الأسواق و تجميد الحركة والتي هي بالنظر إلى آثارها السلبية ، أخطر بكثير من كورونا، بل هناك مجال للنظر في حلول اخرى لو وجدت المسؤولية من قبل الجميع.* *وبالنظر إلى خطورة الوباء على البشرية فهناك تضخيم مبالغ به من قبل الكثير ، وكأنه الوحيد الذي يخطف الأرواح ولولاه لكانت الحياة خالدة للجميع، متجاهلين أن الفيروسات الخفية في ضمائر الإنسان الميتة هي الأدهى خطراً والأشد فتكاً، فالحقد والكراهية و الحسد هي فيروسات خبيثة أدت إلى نتائج مدمرة تمثلت في حروب الاستيلاء والاستئثار التي مزقت أحشاء الإنسانية فأحالتها إلى وحش في غاية الفتك، وماتبع ذلك من كوراث ومجاعات يذوق الملايين موتهم البطيء نتيجتها سنوياً، ولكن في مكان مظلم لا توجد فيه كاميرات منظمات الأممالمتحدة ولا تعلن على شاشات التلفزيون و صفحات الصحف وبالتالي لاتحسب في سجلات النخب العالمية .* *وبخصوص الوباء عن نفسي ذاتياً ، لا أكذب الوباء بقدر ما أرجو عدم المبالغة فيه، بل إني أجعله شخصياً كحديث أهل الكتاب "إن لم أصدقه لم أكذبه" متعاملاً مع خطورة الوضع بحذر واحتراز ، فقد أثرت في الكثير - ومنهم أنا - كذبة شهاب الأولى - كما يصورها البعض في بالهم - وإن لم يوافق البعض الآخر على هذه المماثلة بين الحكايتين إلا أن تعامل السلطات - والتي هي صاحبة المسؤولية التي فرطت في القيام بها - هي من تجبر البعض الأول يوافق بين الحكايتين، ورغم هذا وذاك، يجب أن يكون الجميع مستعدين لصياح شهاب الثاني،على سبيل الإحتمال اليقظ الذي يحث عليه العقل ، فخسارة التصديق - وإن كانت محبطة - لا تُقارن أبداً بضريبة التكذيب الباهظة .*