عصراً تبدو زنجبار هادئة ، بالقرب من احد التقاطعات تتوقف دورية للجيش اليمني ويحلق جندي بنظره في مساحة واسعة كانت تقف فيها عدد من الكلاب الضالة فيما كانت الرياح الشتوية تحث أكياس بلاستيك على مغادرة المكان. يشير الجندي بيده صوب جدار مبنى تابع للحكومة آيل للسقوط ،رسمت عليه أعلام مموهة وصورة لفلاح تقليدي ممسكا بمعول . يقول:" لقد كان الانفصاليون هنا يقيمون تظاهراتهم ، هنا هتفوا لنثور ضد النظام وضدنا. يقهق الرجل ضاحا فيماهو يهم بتناول اوراق خضراء من شجرة القات التي يتناولها اليمنيين كمادة للإسترخاء عصراً يمسح اطراف ورقة ويدسها بفمه ويتابع قائلا:" لقد سقط الهاهم شر سقطة وهانحن امام منزله الذي عربد منه كثيراً. اشار بيده صوب منزل ضخم تبدت على واجهته بقايا أثار إطلاق رصاص واسوداد. كان الجندي يقصد بحديثه القيادي البارز في الحراك الجنوبي "طارق الفضلي" الذي اثار انضمامه إلى الحراك الجنوبي اوائل العام 2009 حالة من الجدل السياسة في الشارع اليمني لكن وبعد عام واحد فقط افل نجم الرجل سياسيا وخفت كل شيء. بعد عام كامل من الصخب عاشته مدينة زنجبار عاصمة المحافظة المجاورة لعدن هداء فجأة كل شيء وكان شيء لم يكن . في طريقه إلى عربة عسكرية يحكي "محمد الريمي" وهو ضابط في الشرطة المحلية لكنه ينتسب إلى الشمال عن حالة الخوف التي قال أنها كانت تنتاب رجال الشرطة من المسلحين التابعين للفضلي. يقول:" لم نكن نتمكن من الخروج إلى السوق مساء، كنا نحس بإننا في وطن أخر يحكمه الفضلي ورجال ! في الثاني من ابريل 2009 فجر القيادي السابق في حركة الافغان العرب والشخصية الاجتماعية البارزة الشيخ طارق الفضلي مفاجئة من العيار الثقيل حينما اعلن انضمامه إلى "الحراك الجنوبي" بعد اشهر من اعلانه السابق اعتزال العمل السياسي . قال الرجل في بيان اصدره يومها مدشنا دخوله إلى ساحة الحراك الجنوبي:" إني ليضرني وأنا واحد من أبناء الجنوب الذين حرمت أن أعيش بينهم ولأسباب يعرفها الكثير، أن أصارحكم بأننا لم نكسب من الوحدة شيئا، بل إننا فقدنا كثيرا من قيمنا الوطنية الجنوبية التي حملها أجدادنا في ماضي عيونهم. كانت المفاجئة فوق احتمال الكثير من قيادات الحراك الجنوبي التي كانت تأمل يومها ان تعلن قيادات اخرى انضمامها إلى الحراك لكنها لم تكن تتخيل ان يعلن الفضلي انضمامه الفجائي إلى الحراك. اضاف الرجل بالقول في بيانه الاول:" كنا نعتقد أننا سنبني الوطن من جديد، وسنمهد لأهلنا سبل الوصول إلى الاستقرار والعيش الكريم، ويظهر وطننا الغالي في مظهره اللائق به، ونقيم الحجة على العالم بأننا بلد الحكمة، هكذا فهمنا الوحدة، وهكذا عملنا على خدمتها.. ولكننا والأسى يملأ قلوبنا نرى أمام أعيننا حقوقا تغيب، وأرضا تنهب، وشعبا مقيدا بثوابت وطنية كاذبة.
نعم يملك الأسى قلوبنا لأني أعلم وكلكم يعلم أن لا رجاء لبلد تقوم الوحدة فيه على إيذاء الناس في أملاكهم وسمعتهم وعلى إفساد الضمائر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ثم تقوم السلطات ما بعد الحرب في الجنوب بحرب شعواء سموها معركة من أجل إرساء النظام والقانون، ولكنها موجهة ضد من لا يرى رأيهم ومن لا يدين بمذهبهم السياسي، وقد أسرفوا في الطعن والسب والافتراء والإرهاب، فصبرنا وقلنا لعل وعسى أن يرجعوا عن غيهم ولكن لا حياة لمن تنادي.. وأولمنا أكثر منذ سنوات ما بعد الحرب ندفع فيها بالتي هي أحسن، وكان يمنعنا الأمل بالإصلاح والصلح وحب الوطن عن أن ندل على مواضع الطغيان والظلم حتى صرنا نرى السكوت الأخلاقي استسلاما، والأمل جبنا، وحب الوطن تفريطا في حق هذا الوطن. كان الحدث فجائيا للجميع ، التزمت الحكومة الصمت لايام طويلة قبل ان تبدأ صحف مقربة منها ووسائل إعلام حكومية بالحديث عن التاريخ السابق للرجل ،ولاحقاً بدأ ان الامور تمضي نحو تصعيد كبير للاوضاع بين الجانبين . لم تمر أيام على إعلان الفضلي انضمامه إلى الحراك الجنوبي حتى اكد بإنه ينوي استضافة مهرجان سنوي درج الحراك على إقامته خلال الأعوام الماضية، كان الحدث هو ذكرى اندلاع الحرب بين الشمال والجنوب ال 27 من ابريل من كل عام. لبى عشرات الآلاف من أنصار الحراك الجنوبي دعوة الفضلي وقبل أيام من الحدث افترش المئات منهم شوراع المدينة الساحلية زنجبار وظهراً وفي أجواء حارة احتشدوا ليستمعوا إلى كلمة الفضلي الذي خطب مزمجراً في الجموع الغاضبة . قال الرجل يومها:" كم هي هذه اللحظات مهيبة ، وكم هي غالية علينا ، وكم هي عزيزة على التاريخ الجنوبي ونحن نقف اليوم صفاً واحداً في مسيرة النضال الجنوبي لطرد (....)، ومن أجل إعادة اللحمة الجنوبية من المهره إلى باب المندب، التي تشرذمت وضعفت لأسباب خارجة عن إرادتنا جميعاً .. وليس للإنسان الجنوبي أن يكون حراً إن لم يكن مع نسيجه الاجتماعي المترع بإحساس الواقع وعبق التاريخ..ونحن سنظل أصفاراً إن لم تكن لنا في الأرض جذور متصلة بحياة الناس والوطن الجنوبي .. نعم سنظل أصفاراً إن لم ندافع عن وطننا الجنوبي الجريح، المفعم بتاريخ المناضلين الأبطال الذين تتقد بهم ذاكرة الوطن والشعب الحر الأبي .
وأضاف:" وأريد أن أقولَ شيئاً : إنّ الظلمَ والاضطهادَ اللذينِ يتعرض لهما شعبُنا الجنوبي جعلني أتصور مصيرنا جميعاً بوضوح كامل، فما قيمة أن أعيش وابن وطني مقتول، وما جدوى أن آكل وابن وطني جائع ، وما الهدف من أن إشغل منصباً حكومياً أو حزبياً والآخرين من أبناء وطني بدون خبز ولا دواء .. و(....) كل يوم يصعد عدوانه الإجرامي على شعبنا الجنوبي ، يبطش ، ويقتل ، ويسجن بدون أي رادع أو وازع من ضمير . وخاطب الفضلي نظام الرئيس صالح يومها بالقول:" حاصروا الجنوبَ كما تريدون ولكنه سيظل وطننا أقوى من كل حصار ، وابعثوا بمزيد من الدبابات ، وتفننوا في صنوف القتل والتدمير لشعبنا الجنوبي ، فلن يزيد كل هذا التنكيل شعبنا إلا إصراراً على (....).
فلدى هذا الشعب القدرة على مقارعة (....) مما جعله مضرباً للمثل في الصبر وفي التشبث بالأرض وبالوطن وبالكرامة الوطنية الجنوبية .افعلوا ما شئتم ، فالحقيقة هي أنَّ الوطن سيعود إلى أصحابه الأصليين مهما تكن أسلحتكم ومهما تكن الوسائل المتاحة لكم ، ومهما تحولت ثرواتنا النفطية والغازية والسمكية وغيرها إلى وقود تغذي جيشكم وأمنكم لكي يقوم بقتلنا ، فالحق لابد أن يعود إلى أهله .إنَّ ما يصدر عن قيادات (...) إنما يدل دلالاتٍ صارخة على أنَّ المطلوب ليس (رأس) الحراك الجنوبي وحده وإنما أيضاً (رأس) كل جنوبي . بدأ يومها ان الفضلي يمضي مسرعاً بالحراك الجنوبي نحو امور لم تكن مفهومة لكثيرين في الحراك ذاته ولاحتى الحكومة اليمنية ، خلال فترة وجيزة تمكن من ان يكون القيادي الأبرز في الحراك الجنوبي على الإطلاق . استمر الفضلي في إطلاق الدعوات المتتالية للمهرجانات الجماهيرية التي اقامها في زنجبار وبدأ ان المدينة تسقط بيد الرجل رويداً في ظل عجز وصمت غريب ابدته السلطات حيال الرجل . في الثالث والعشرون من يوليو2009 وبعد اشهر من اعلان الفضلي انضمامه إلى "الحراك الجنوبي" راقب العشرات من الجنود مهرجانا اقامه الفضلي في الساحة الواقعة أمام منزله ،وبعيد انتهاء المهرجان ومغادرة الرجل للساحة نشب اشتباك مسلح بين جنود الأمن ومسلحين تابعين للفضلي. خلف الاشتباك 17 قتيلا وعشرات الجرحى كان جلهم من المشاركين في المهرجان ، مساء اليوم ذاته وفيما كانت الدماء لاتزال تغطي الساحة كلها وقف طارق الفضلي وسط العشرات من أنصار الحراك ساخراً من تردد انباء عن عقده هدنة مع الحكومة اليمنية. اشار صوب منزله وقال :" عن أي هدنة يتحدثون ،لقد حفرت قبري بداخل منزلي ولن اتزحزح ولن اهادن . صمت الرجل فيما كان فمه يتخثر ببقايا اوراق قات يمضغها. ردد المشاركون هتافات ثورة ثورة ياجنوب وعلى أطراف مدينة الشرقية كانت اسرة الشاب عيدروس 24 عاما وابن أسرة مهمشة والذي لقي مصرعه يومها برصاص الأمن تواري جسده الثرى بغياب الفضلي. رغم الهجوم الامني بدأ وان الفضلي يمضي في طريقه غير ابها بشيء ، في الكثير من الاحاديث الصحفية التي تلت ماحدث في زنجبار صبيحة ال 23 من يوليو شن الفضلي هجوما قاسيا على الرئيس اليمني ومسئولين كثر في الحكومة اليمنية. وفاجئ الفضلي جميع الأطراف السياسية بما فيها قيادات في الحراك الجنوبي حينما قرر تصعيد فعالياته السياسية ودعا في ديسمبر من العام 2009 إلى إضراب وعصيان مدني . وصباح الثامن من ديسمبر 2009 بدت زنجبار خالية الوفاض إلا من كلاب متشردة ومسلحين يتبعون الفضلي يطوفون ارجائها لمراقبة سير تنفيذ الإضراب الذي دعا له الرجل . ومع اطلالة العام 2010 صعد الفضلي من نشاطه السياسي وبشر بانلادع مااسماها ثورة الحجارة وفي ال 20 من فبراير انطلق العشرات من أنصار الحراك في شوارع زنجبار ورشقوا جنود الأمن بالحجار. يومها قال الفضلي لكاتب التقرير في باحة منزله عصرا ان الرئيس صالح لن يرحل عن الجنوب إلا حينما تتوسع انتفاضة الحجارة حد قوله .
بعد أشهر من حرب سادسة في صعدة خاضها الجيش أعلنت الحكومة التوصل إلى اتفقا للسلام مع المتمردين الحوثيين وظهر الرئيس صالح على شاشة التلفزيون متوعداً الحراك الجنوبي بحرب لاهوادة فيها. وقابل الفضلي يومها تهديد صالح بالمزيد من الاحتجاجات ولاول مرة في تاريخ الفعاليات الاحتجاجية في الجنوب رفعت دمية على شكل الرئيس صالح وتم احراقها وسط زنجبار ، صنف ذلك الحدث بأنه التصعيد الاكبر الذي اتخذه الفضلي في مواجهة الحكومة. فجر الأول من ابريل 2010 كانت زنجبار على موعد حدث غير كل شيء فيها، إطلاق رصاص كثيف وقنابل يدوية تقطع صمت جثت عليه المدينة ليلا ، كانت الرصاص والقنابل أمنية والهدف منزلا لقيادي بارز في الحراك حاول الدفاع عن نفسه حتى الموت. لم يكن المستهدف هو طارق الفضلي بل كان قيادي مقرب منه هو علي صالح الحدي رجل السلاح واحد ابرز مسلحي الفضلي الذي لقي مصرعه في الاشتباك برفقة قريب له . ليلاً فاجئ الفضلي الجميع حينما اعلن هدنة غير متوقعة وقام لاحقاً بانزال كافة إعلام الحراك وصور قياداته من على سطح منزله ملتزما بعدم إقامة أي مهرجان خلال شهرين منذ ابريل 2010. وامتدت خلال الأشهر التالية هدنة الفضلي مع الحكومة فيما كانت الكثير من الاتهامات تطارده والتي يتهم فيها بخذلان الحراك الجنوبي وهو ماظل الرجل يرفضه. ولاحقا اقتصر حضور الرجل على عدد من البيانات القصيرة التي يصدرها بين حين واخر حتى ال 18 عشر من هذا الشهر حينما اصدر بيان سياسي أثار الكثير من الاستغراب في صفوف الحراك الجنوبي وقياداته. هاجم الرجل في بيانه قيادات الحراك وزعماء جنوبيين سابقين متهما إياهم بالفشل وتعطيل مسيرة الحراك . توعد الرجل بحرق إعلام الحراك وصور قادته وقال في بيانه:" يا أبناء الجنوب البواسل إنني سوفا أقوم بإحراق العلم الأمريكي وإحراق العلم الشيوعي وإحراق علم جمهورية الوحدة الظالمة والرايات الخضراء وإحراق صور الدكتاتوريين الأولين والآخرين. وبعد يومين فقط هدد الرجل وعيده وعصر وقف وسط باحة منزله وامسك العلم الجنوبي السابق واضرم النيران فيه بالاضافة إلى صور قيادات جنوبية أخرى . التزمت قيادات كثيرة في الحراك الصمت تجاه ماحدث فيما جددت الأخرى اتهاما قديما للرجل بالعمالة لصالح نظام الرئيس صالح. فيما كان الفضلي يحرق الإعلام والصور أشار بيده نحو ساعده وقال ان سواعدنا ستكون هي رايتنا من اليوم وصاعداً وأشار إلى قصره وقال انه سينزل إلى الشارع صبيحة ال 11 من فبراير ليدشن ثورة الحجارة حتى وان كلفه ذلك حياته. حتى ال 11 من فبراير يظل هنالك ثمة سؤال يردده كثيرون وهو .. هل ادار طارق الفضلي ظهره للحراك الجنوبي؟ من فتحي بن لزرق
المحرر: مابين القوسين (...) عبارات تم استبعادها من التقرير المنشور لأنها من محظورات النشر وفقا لقانون الصحافة والمطبوعات