لا أدّعي في السياسة خبرة، لكنني عندما كنت أتابع سير الانتخابات التي جرت في مصر بعد ثورة ربيعها، حقيقة، انتابني نوع من الدهشة والاستغراب، عندما نجحت الأحزاب ذات المرجعية الدينية، وعلى رأسها حزب جماعة الإخوان المسلمين، وأذكر أنني قلت لمن كان معي بأن حكم هؤلاء لن يدوم أكثر من سنة...!!! لم يكن هذا الموقف نابع من كراهية لهذه الأحزاب، معاذ الله، ولكن لأنها، في رأيي، تخوض بالدين معركة لا تليق به. فالدين أقدس وأرقى من ان يُزج به في وحل السياسة، ونجعله مطية للسياسيين الطامعين في كراسي السلطة، أو أولئك الذين يتسترون بالدين من الفاسدين والمرتشين.. وما أسهل، وما أقذر أن يجعل المرء من دين الله ستاراً لأعمال يبرأ منها الدين والمتدينون الصادقون.
إن الشخص المنتمي إلى حزب ذي مرجعية دينية عندما يُتهم بالفساد، مثلاً، وكذلك الحال بمن يرتكب جريمة أو مظلمةً، فهو يشوه صورة الدين والمتدينين عند عامة الناس الذين يرون في الدين والمتدينين مثالاً للطهارة والنقاء وسمو الأخلاق والمُثل.
إنني لا أنكر على المتدينين - باعتبارهم مواطنين - حقهم في العمل الحزبي والسياسي، ولكن من دون اتخاذ الدين إطاراً لعملهم الحزبي. إن الدين لله (ولكل الناس)، كما هو الوطن للجميع، فلا يأتي حزب أو جماعة لتسمي نفسها إسلامية في بلد كل (أو جُل) سكانه مسلمين.
للأسف، في رأيي، لم تقرأ جماعة الإخوان جيداً تركيبة شعبهم (المصري) الاجتماعية والثقافية والدينية ، ولم تعمل حساباً لردة فعلها، فقد أعمتهم نشوة النصر في الانتخابات، كما صرفهم، من سابق، عن استقراء الواقع (في بلادهم) انهماكهم في العمل السري ورسم الخطط للوصول إلى دفة الحكم والطموح إلى تحقيق الحُلم الذي ظل يُداعب خيال قياداتهم منذ المرشد الأول ومؤسس الجماعة حسن البنا والمتمثل في إقامة (أو استعادة) الخلافة الإسلامية في ربوع العالمين العربي والإسلامي، ناسين (أو متجاهلين) متغيرات الزمن والجغرافيا التي لا بد من أخذها في الحسبان عند التفكير في مشروع (طموح، بل ومستحيل) كهذا.
إنني لا زلت أتذكر مقولة أحد الفلاسفة التي تقول بأننا لا نسبح في نفس النهر مرتين، فالنهر جارٍ، ومياهه، بالتالي، متغيرة. وهذا الحال يمكن إسقاطه على أي حُلم لنا في استعادة الماضي. وعلى هذا الأساس فإن استعادة الماضي يعدُّ أمراً من المستحيلات، ولكن ما يمكننا استعادته هو روحه وجوهره، أي بمعنى آخر، أننا يمكن أن نستعيد الأشياء الجميلة التي تشُدنا إليه ونقوم بتمثلها في حياتنا وسلوكنا، ونحرص على استمرار بقائها ونقائها ، ولكن ليس بالضرورة أن يتم استعادة تلك الأشياء بذات الأسلوب الذي اتبعه السلف في إيجادها.
وفي ما يتعلق بالإخوان في جنوبنا الحبيب، فإننا نرجو منهم تفهم أسباب رفض الغالبية العظمى من الشعب المصري لحكم الإخوان، فمصر هي البلد الذي نشأت وترعرعت فيه هذه الجماعة، وأهل مكة أدرى بشعابها، كما يقول المثل، كما نرجو منهم أن يصغوا جيداً إلى الآراء التي قيلت عن حكمهم لمصر هذه الفترة القصيرة .. تلك الأقوال التي أدلى بها سياسيون ومفكرون وقادة ورجال دين، خاصة أولئك الذين كانوا جزءً من نسيج هذه الجماعة وقيادتها.
إن الاستماع والتبصر في هذه الآراء والانتقادات التي وُجِهت لجماعة الإخوان، سوف يسلط الأضواء على الكثير من الأخطاء التي ارتكبتها هذه الجماعة طوال تاريخها في مصر والتي كلفتها – أحياناً – أثماناً باهظة دفعها قادتها ومفكروها وشبابها.
إننا نأمل منهم (الإخوان الجنوبيين) ألاً يستنسخوا التجارب الخاطئة لهذه الجماعة ويحاولوا تطبيقها في الجنوب، فالفشل سيكون حتماً النهاية المتوقعة لها.
كما أن نصيحتنا لهم هي أن يقصروا نشاطهم على الدعوة لدين الله، وان يتركوا السياسة لأهلها، عملاً بالمثل الشعبي القائل"أعط الخبز لخبازه".