ولد الشاعرُ إيغور كوتيوغ (Igor Kotjuh) في مدينة فورو جنوب شرق إستونيا العام 1978. ويعتبر أحد الشعراء الأكثر اثارةً للاهتمام بين جيل الشبابِ في إستونيا.
ينحدرُ من أصلٍ روسيّ، ويكتب معظمَ شعرهِ باللغة الروسيّة، ويترجمه، بنفسه، للإستونية. يحاولُ أيغور سدّ الفجوةِ الموجودة بين الأقلية الروسية في إستونيا وسكانِ البلادِ الاصليين، وقد برزَ منذُ سنواتٍ كأبرز أديبٍ إستوني من أصلٍ روسيٍّ.
أكمل دراسته الأدبيّة في جامعة تارتو ثم جامعة تالين.
ينشطُ في اقامة الفعاليات الأدبية الإستونيّة، وقام بتأسيس دار نشر "الطائرة الورقية" التي يرأسها منذ العام 2007. وهو نائب رئيس رابطة القلم الدولية- فرع إستونيا.
نصوصه تلاحق تفاصيلَ الحياة اليوميّة ومايعتريها من تحولاتٍ وحصاراتِ التقنيّة الحديثة التي تكادُ تطيح بالاحساس الانساني المرهف، مستسلماً، دون وعي، لكلّ جديدٍ فيها، دون أن تخلو نصوصُه من تلميحاتٍ تهكميّة، يصطادُها بعينٍ مرتبصةٍ.
استلمتُ الرسالة! الشاعرُ حرٌّ. وهذا سببُ بقائهِ، في شعرهِ، عازباً أبدياً. (على الرغم من أنه متزوج منذ عشرين سنة، و لديه سبعة أطفال).
بلغةٍ أخرى 1 ثمّة اللغة الأمُّ، مع لغةٍ أخرى، إنما الشخص هو نفسه.
2 ثمة البارحةُ، وثمة الشعرُ.
كلُّ شاعرٍ هو إنسانٌ لكن العكسَ ليسَ صحيحاً.
3 يمكن لشخصٍ أن يكون ضَليعاً في لغةٍ أخرى في الحياة أو في الشعرِ.
منذُ الولادة، أو في أي وقتٍ آخر من الحياة.
هذه اللغة هي دائماً لحظتهُ الأبديّة.
قضايا تأريخية في الزمن السوفيتي، كانت المشكلةٌ اليهودية. في الزمنِ الأستوني، المشكلةُ الروسيّة. في زمنِ الاتحاد الأوربي، المشكلةُ العربيّةُ.
يومٌ جديدٌ يجلبُ بلاغاتٍ جديدةً.
***
فنلندا بلادٌ غيرُ عادية. شبعتْ تقدماً وسلاماً. الهواءُ هنا لا يتعارضُ مع الأفكار، الأفكارُ هاهنا تُسلّمُ في البالونات.
فنلندا بحثٌ عن الوسطيّة، بينَ الوفرةِ والتواضعِ. السخاءُ مرصوفٌ مع الحّجر، في الأرصفةِ والجاداتِ، يذكركَ بالحساءِ، حين يتوزعُ في الجسم كلّه. أفكّر بذلك حين أجدُ نفسي وسطَ مدينة هلسنكي.
يا مدنَ فنلندا الحلوة، بورفو كوتكا آهتي، كُتبَ عليكنَّ أن تصبحنّ معشوقاتٍ. شعور حميمي تجاه المكان، حيث يغدو صخبُ الشارعِ مباركاً، مثل أوّلِ صرخةٍ لمولودٍ.
الرجلُ يشعرُ براحةٍ في فنلندا. الرجلُ يشعرُ براحةٍ أنُه رجلٌ في فنلندا. هنا يجدُ الأجنبيُّ نفسَهُ في "نقطة الصفر". هذه، ربّما، هي الحريّة.
السيدةٌ تجلسُ على مقعدٍ سفليٍّ تطرحُ أسئلةً جديدة. الايباد أسفلها يريدُ قصائدَ جديدةً. من أنا؟ شاعرٌ غنائيٌّ يشعرُ بنشوةٍ من الفنِّ، يبحث عن أغانٍ، وجوهٍ وشوارعَ جديدةٍ. زوجتي وأطفالي ينتظروني في إستونيا. (القاريء يفضّلُ إكمال السيرة الذاتية للمؤلف) شقةٌ تطلُّ على البحرِ. (أنا أفضّلُ البحيرات، لكن ذلك لا يهمُّ) ثم أنغمسُ في ذاتي.
إستونيا، يا إستونيا، أيّتها الفتاةُ المفتخرةُ بميشتِها. تنظرُ إلى الغربِ، ثم إلى الشمال، مازالت قدمُها قادرةً أن تدوسَ بثقةٍ. "تشعر كما لو أنك في المنزلِ، على حدٍّ سواء هنا وهناك". من ملاحظاتُ رفيقِة سفري، أومئُ برأسي مُجيباً. أحبُّ أن أكون أجنبياً في كلِّ مكانٍ.
اليقطينُ ينقلبُ عربةً، "كوريسماكي" يبحثُ عن فنلندا في فرنسا، "ألّين" يعثرُ على نيويورك في باريسَ، وتطيرُ عرباتُ المطعمِ في منتصفِ الليل.
ذاهباَ لغزوِ شُبهِ جزيرةِ القرم، تبدو كشاعرٍ إستوني، على الرغمِ من أنّكَ تكتبُ بالروسية. وتبدو كشاعرٍ روسيٍّ، على الرغم من أن قصائدكَ بلا قوافٍ. تسافرُ متسلّلاً، خلسةً، للمقصورةِ الخاصّةِ بالموظفينَ فقط. تصلُ رسالةٌ نصيةٌ لهاتفكَ، كنْ إيجابياً، انقرْ بالموافقة، واقرأ النكاتِ.
غريبٌ الرجلُ ذو البشرة الداكنةِ من سري لانكا، بلادِ الشاي الأخضر، والحمضيّاتِ، والحربِ الأهليّة، لجأَ إلى الشمالِ. ينزعُ أحشاءَ الأسماكِ في المصنع، ويبيعُ بطاقاتِ الهاتفِ. تاجرٌ وعاملٌ في وقتٍ واحدٍ. أتذكّرُ شاربَه الأسودَ، وعينيهِ الماكرتين.
ضدّ التيّار يومٌ آخر يمضي، لا يمكن الإمساك به. يمضي إلى الماضي، في قصّةٍ صامتة، يمضي بعيداً، حيثُ العينُ تحدّقُ. الوقتُ يمضي في طريقه، في الذروة الصباحيةِ لأطفالِ المدارسِ، وذهابِ الآباءِ إلى العملِ. هل يسيرُ الوقتُ إلى الأمام؟ كلاّ! الناسُ يسرعونَ إلى الشرقِ، الوقتُ، على العكسِ، الى اليسارِ.
أنوثةٌ حينَ غادرَ، تعطرّتْ هي بعطرهِ. هذا يهوّنُ الفراقَ.
ذكورةٌ حبٌّ كثيرٌ. نومٌ عميقٌ.
***
الحُمْلانُ في السماءِ. الحُمْلانُ عند البحرِ. الحُمْلانُ على سفوح الجبال. خفيفةُ، ثقيلةٌ، مناظرُ الطبيعةِ في النرويجِ.
***
مخملٌ وحريرٌ، هو وهي.
***
ثمة شمسٌ، لكن دونَ دفءٍ. ثمة خضرةٌ، لكن دون صيفٍ. الطقسُ عاصفٌ. الخريفُ على مدارِ العامِ.
***
مدينةٌ من بعض جُزرٍ، في الساحل الشمالي الغربي للنرويج. خليجها ضيّقٌ مثلَ بطنِ سمكةِ سلمونٍ مرقّطةٍ. يستقبلُ عبّاراتٍ وسفناً سياحيّة. شوارعُها تبدأ منِ الماءِ وتقودُ إليه . سربٌ من الشرفاتِ يطلّ على البحرِ. مدينةٌ الألوان المتعددةِ، لعشرينِ ألف شخصٍ. ثمة صخبٌ، هنا، خلالَ ساعاتِ العمل: متاجرُ، مصانعُ وباراتٌ، لكن في أيّام الأحدِ، تنامُ المدينة حتّى الظيهرة. الصورةُ تبهتُ. المتقاعدون، فقط، يجولونَ بسيّاراتِهم الفارهةِ.
رجلٌ أرادَ أن يعيشَ قرناً رجلٌ أرادَ أن يعيشَ قرناً كاملاً، لكنّ رغباتِه لا توازي قدراته، وكما هو الحالُ دائماً، و في كلّ مكان، يذهبُ، أو بعبارةٍ أدقّ، يأخذُ جسدَه للشارعِ، للتنزّهِ وإنجاز أعماله. ضرباتُ هواءٍ نقيٍّ على وجههِ. عيونُه تحتفلُ بآخر الأوراقِ المتساقطةِ. المارّة، بعد قليل، سيملؤون الأرصفة. سياراتٌ تمضي بسرعةٍ فائقةٍ. أكشاكٌ تبيعُ حلوياتٍ وأخباراً. مشاهدةُ العالمِ من حولكَ يصبحُ سبباً رئيساً للنزهةِ. التناغمُ يتحطمُ، كلّ قطعةٍ صغيرة تصبحُ مكتفيةً ذاتياً. نفسٌ وروحٌ. تكتيكٌ وتكنيكٌ. الإنسانُ يحترقُ، مثلَ سلكٍ، بينَهما.