تتعالى خيوط دخان كثيفة بالقرب من ساحة التحرير وسط العاصمة المصرية صباح اليوم الثلاثاء ويقف بالقرب من ذلك المكان محتجون غاضبون تتراوح أعمارهم مابين ال 20 – 25 من العمر وهم يرفعون صوراً للرئيس المصري حسني مبارك كتب عليها أرحل. في مقطع فيديو بثته قناة cnn الأمريكية يظهر شاب مصري وهو يهتف بغضب ويقول بلغة انجليزية مكسرة :" منذ 3 سنوات ونحن نكتب على صفحات الفيس واليوم تحقق لنا الحلم يصمت برهة ثم يشيح بحبات عرق انتشرت على صفحة وجهه السمراء بعيد وصاح مبتهجا شكرا ياعم فيس بوك.
يقضي الملايين من الشباب العربي ساعات طويلة أمام صفحات النت يطالعون الجديد في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك ،ووسط عالم من القمع والاضطهاد ومصادرة الحريات والتضييق عليها وجد الشباب العربي أنفسهم وسط عالمي الكتروني فيه مساحة واسعة من الحرية والتعبير المفتوح للاحتجاج المطلق.
حينما اضرم محمد البوعزيزي الشاب التونسي الفقير النار في نفسه لم يكن يدر بخلده ان صوره ستملى صفحات الملايين من الشباب العربي على الفيس بوك ولم يكن يدرك ان ثورة فيسبوكية ستنطلق من تونس وستتجه إلى مصر وبلدان عربية كثيرة من بينها اليمن.
:"يا شباب.. أنتم مدعوون للخُروج في 3 فبراير، مش علشان خاطر المُشترك، علشان خاطر الخُروج، الزخَم، والتحرُّك والاستمرار، والذي بيقرأ هذه الدعوة وبيخرج في 3 فبراير يقول للجنة المُنظمة أنا لبيت دعوة أحمد شوقي، لأنهم طلبوا مني أجمع ناس وانا ما عنديش غيركم يا مفسبكين.
هكذا كتب الشاب اليمني احمد شوقي احمد من تعز على ظهر صفحته في الفيس بوك مناشداً أصدقاء له الخروج في تظاهرات ضد الحكومة اليمنية ونظام الرئيس صالح اندلعت أولى شراراتها في الفيس بوك قبل أيام . يرد احد الأشخاص المؤيدين لنظام الرئيس صالح معلقاً على دعوة شوقي بالقول:"ايوه انفضوا الغبار الي على أبدانكم أول بعدين فكروا أشياء مفيدة هههه قال انتفاضه قال. ويرد شوقي عليه:" صحيح.. وأنتم الغُبار الذي يجب علينا أن ننفضه. كالكثير من الشباب في اليمن يعبر شوقي عن آراء سياسية حادة على صفحته وهو يرى ان الوضع العام في اليمن غير جيد ومثل غيره يطالب بإسقاط نظام الرئيس صالح.
أثبتت الأحداث التي تلت الاحتجاجات الشعبية في تونس والتي انتهت بإسقاط نظام الرئيس زين العابدين بن علي ان قطاع واسع من الشباب في أنحاء العالم العربي باتوا يتملكون القدرة على تعبير أوسع عن اراءهم دونما خوف أو وجل.
تزدحم صفحات الفيس العربية هذه الأيام بالملايين من الصور التي تسخر من الواقع السياسي للأنظمة العربية وكلها تدور حول شيء واحد ألا هو كيف يمكن للعالم العربي إسقاط حكامه واحداً تلو الآخر ولن يكون هنالك من عامل مشترك في عمليات الإسقاط إلا عدد السنين التي قضاها كل هؤلاء في الحكم أما الحكم بأنهم جائرون في نظر الشباب العربي أمر مفروغ منه.
تسببت كل الأحداث الدائرة في شوارع القاهرةوتونس قبلها والصور المنشورة والتعليقات على صفحات الفيس بوك بضخ جرعة من الحماس في نفوس ملايين من الشباب في الأوطان العربية في ظل واقع هو مزيج حاد من الإحباط والألم والشعور بالمجهول. تشارك سمية سعيد 17 عاما من عدن أصدقاء لها على الفيس صوراً ومقالات تدعو إلى الخروج في تظاهرات مناوئة للرئيس اليمني صالح خلال الأيام المقبلة . عامة لاتدرك سمية الكثير عن حكم الرئيس صالح لكنها أصبحت احد الأشخاص الذين ينادون بإسقاط صالح عن الحكم . يقولون بأنه فاسد هكذا تقول سمية لتوضيح سبب حماسها لهذه الدعوات ، ربما لاتدرك سمية الكثير عن الواقع السياسي في اليمن والعالم العربي ولكن الأكيد ان موجة الحماسة السياسية طغت اليوم على ماعداها من الأشياء لدى الشباب العربي.
في خمسينات القرن المنصرم شهد العالم العربي زخم ثوري عربي انتهى بإسقاط كل الأنظمة الاستعمارية والكثير من الأنظمة الملكية وكل ذلك تم خلال عقد واحد من الزمان ، واليوم يبدو ان التاريخ يعيد نفسه لكن مع تغييرات طفيفة ففي القرن السابق كان الثوريين بحاجة إلى لقاءات سرية على قمم جبال أو بأماكن مهجورة أما اليوم فالأمر لا يحتاج إلا إلى بريد الكتروني وحساب شخصي في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك وبعدها يمكنك إطلاق دعوات ثورية متعددة. الثالثة عصراً من يوم الثلاثاء الأول من فبراير 2011 يحتشد مئات الآلاف من المصريين للمطالبة برحيل مبارك الذي يقف على رأس نظام يبدو انه في طريقه إلى الزوال. بزوال نظام مبارك ثمة سؤال سيكون طرحه اشد إلحاحا من ذي قبل إلى أين ستتوجه لاحقا الثورة الفوسيبوكية ؟؟ من فتحي بن لزرق