قد لا يكون عبد الناصر غارم نموذجا للجندي التقليدي.
فخلال يومه، يعمل ضابطا في الجيش السعودي برتبة مقدم، إلا أن لديه حياة أخرى.
فهو أيضا أحد أشهر الفنانين في منطقة الخليج.
يستخدم فنه لتشجيع الفكر المستقل ويبين كيف استخدم الدين؛ وذلك لأسباب من أهمها أن اثنين من المتورطين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كانا من بين زملائه في المدرسة.
وإذا ما رجعت عشرين عاما إلى الوراء، ستجد أن غارم كان يرسم لوحات لفراشات ومناظر طبيعية.
إلا أنه وبعد ظهور شبكة الإنترنت، لجأ غارم إليها للتعرف على مختلف فناني القرن العشرين من جميع أنحاء العالم.
ففي الماضي، كان غارم يجلس لما يقرب من تسع ساعات أمام جهاز الكمبيوتر، ليقوم بتحميل بعض الصور والتعرف على الرسوم التشكيلية التي قد يكون من شأنها أن تحدث تغييرا في حياته.
وجاء أحد مصادر إلهامه فيما قرأه عن الفنان التشكيلي مارسيل دوكامب وحركة دادا الثقافية.
فقد نشأت فكرة الدادا أو الحركة "الدادائية" في أوروبا كرد فعل على الحرب العالمية الأولى، وكانت تهاجم التعريفات التقليدية للفن، فيما كان أتباع هذه الحركة الثقافية يؤمنون بأن الفكرة التي تكمن وراء عملهم أهم بكثير مما يظهر من عملهم ذلك.
"العرض الفني وسيلة فعالة، وما عليك سوى أن تتجه إلى الشارع لتقابل جمهورك الحقيقي"
عبد الناصر غارم وقال غارم: "كنت أخدم في الجيش وأرى العديد من الحروب التي تحدث من حولي، وكانت المشكلة تتمثل في أنه لا توجد هناك قناة تمكنك من الحصول على المعرفة."
وأضاف غارم: "إذا ما بحثت عن إجابات لأسئلتك، فإن عائلتك قد تجيبك بإجابات وثائقية يعود تاريخها إلى 1400 عام، وتخبرك أن ذلك هو ما يجب عليك اتباعه.
وفجأة، ظهرت شبكة الإنترنت لتكون مصدرا جديدا للمعلومات."
ولم تكن هناك فضاءات يعرض فيها غارم أعماله الفنية في المملكة العربية السعودية، لذا عمد إلى النزول بأفكاره لعرضها في الشارع.
وقال: "يعتبر العرض الفني وسيلة فعالة وقوية، وما عليك سوى أن تتوجه إلى الشارع لتقابل جمهورك الحقيقي."
ففي أول عرض أدائي مباشر له تحت اسم "فلورا وفونا" في مدينة أبها الواقعة في الجنوب الغربي من المملكة التي يزيد تعداد سكانها على 250 ألف نسمة، عمل غارم على تغليف نفسه مع إحدى الشجرات داخل غلاف بلاستيكي شفاف، ليؤكد من خلال ذلك على مدى الضرر الذي تُلحقه الأشجار المستوردة بالأشجار التي تنبت طبيعيا في البلاد.
وقال غارم: "أنتمي إلى قبيلة سعودية تعيش في إحدى القرى الصغيرة التي يعرف الجميع فيها بعضهم البعض، وما أن تناقلوا من خلال الاتصالات الهاتفية الخبر عن ذلك العرض حتى بدأ الناس في التوافد على مكان العرض مباشرة، لينتهي الأمر بالمدينة كلها وهي تتفرج علي."
لم يكن لغارم أية معارض لأعماله الفنية في المملكة لذا عمد إلى النزول بأفكاره لعرضها في الشارع
وأضاف غارم قائلا إن الناس ظنوا أنه مجنون، ثم بدأوا يسألونه عما يقوم به، ليعطيه ذلك الفرصة حتى يشرح لهم.
وبين أهم الأفكار التي كان غارم يعرضها "الختم المطاطي"، حيث قام بعمل أختام ضخمة في إشارة منه إلى أن البيروقراطية تسيطر على جميع مناحي الحياة.
وقال معلقا على ذلك: "عندما تولد فإنك تحتاج لختم لتوثيق ذلك الحدث، كما هو الحال في الزواج أيضا. بل إنك إذا ما طلبت إجازة فإنك تكون بحاجة لأحدهم لكي يقوم بختم ذلك الطلب لك. إن تلك الأختام تتسبب في تعطيل أحلامنا وتبديد حياتنا."
كما يلجأ غارم أيضا في أعماله إلى أنماط هندسية معقدة يستقيها من الثقافة العربية ويمزجها برسائل غامضة تدور حول الطريقة التي يجري من خلالها استغلال الدين والسلطة في التأثير في الناس.
وكانت بعض تلك الأعمال تعكس أحداثا كأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
فقد كان لديه اهتمام خاص بمن شاركوا في تلك الهجمات التي شنت على مركز التجارة العالمي ومقر البنتاغون عام 2001، حيث كان هو زميلا في المدرسة لاثنين ممن قاموا باختطاف الطائرات التي استخدمت في تلك الهجمات ذلك اليوم.
ويرى غارم أن ذلك الاختلاف في طريقة التفكير هو ما جعله يسلك طريقا أخرى غير التي سلكها زميلاه.
"أقدم الفكرة بطريقة تجعلها تبدو جميلة، وذلك على الرغم من صعوبة الرسالة"
عبد الناصر غارم وقال: "تكمن المشكلة الكبرى في عدم قدرتك على التفكير بطريقة مستقلة، وعدم توافر مصادر المعلومات لديك. لذا، فإن ذلك يكون هو السبب وراء انتظارك لتتلقى أوامرَ وتتشبع بأيديولوجيات بعينها."
ويعمل المقدم غارم على توجيه الفن الذي يقدمه من أجل إحداث تغيير ما، إلا أنه يرى أن ذلك لن يكون من خلاله هو، بل سيكون عن طريق المجتمع.
إذ يعترف أنه يشعر في بعض الأحيان بأن هناك بعض الأفراد المحافظين من المجتمع السعودي ممن لا يفضلون سلوك طريقه.
ويقول مضيفًا: "أعمل على تقديم الفكرة بطريقة تجعلها تبدو جميلة، حتى وإن كانت الرسالة التي أوصلها صعبة نوعا ما. وعندما تقع أعينهم على ذلك العمل الفني، سيحبونه وسيدركون أنني أحترم الجميع."
وغالبا ما تكون الرسائل التي يقدمها غارم خفية، حتى يكون من السهل عليه تصدير فنه والتقليل من الأسئلة التي قد يواجهها مع مسؤولي الجمارك.
يشير غارم في بعض أعماله إلى البيروقراطية التي تسيطر على كافة أشكال الحياة في بلده
يعرض غارم أعماله في معرض "إيدج أوف أرابيا" (أو أطراف الجزيرة العربية) في لندن حاليا. وحتى يجعل الأمر أكثر سهولة بالنسبة إليه، أضاف غارم بعض الكلمات بالفرشاة إلى أعماله الفنية بعد وصولها إلى المملكة المتحدة.
وقد يبدو الأمر متناقضا مع كونه جنديا، تتوافق وظيفته بشكل كبير مع المؤسسة التي يعمل بها، من حيث التفكير في إحداث التغيير بهذه الطريقة.
ورغم أن الجيش قد استغرق بعض الوقت لفهمه، وفهم الفن الذي يقدمه، يقول غارم إن رؤساءه في العمل يدعمونه بشكل جيد.
وفي حقيقة الأمر، يبدو أنه يرى أن مجالي عمله يتكاملان، كما أنه يتبنى نظرة بعيدة المدى.
ومثل كثيرين غيره من السعوديين، يتجنب غارم توجيه النقد صراحة للمجتمع الذي يعيش فيه. لكنه متفائل بأن عمله سيكون مصدر إلهام للآخرين نحو مزيد من التفكير المستقل.
ويقول غارم: "مهمتي الرئيسية هي أن أحمي شعبي، وأن أسمح لهم بالتفكير، وهذه الطريقة تؤتي ثمارها. فالتغيير يجب أن يأتي من جانبهم."