فرحة عارمة تجتاح جميع أفراد ألوية العمالقة    الحوثيون يتلقون صفعة قوية من موني جرام: اعتراف دولي جديد بشرعية عدن!    رسائل الرئيس الزبيدي وقرارات البنك المركزي    أبرز النقاط في المؤتمر الصحفي لمحافظ البنك المركزي عدن    خبير اقتصادي: ردة فعل مركزي صنعاء تجاه بنوك عدن استعراض زائف    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    مع اقتراب عيد الأضحى..حيوانات مفترسة تهاجم قطيع أغنام في محافظة إب وتفترس العشرات    هل تُسقِط السعودية قرار مركزي عدن أم هي الحرب قادمة؟    "الحوثيون يبيعون صحة الشعب اليمني... من يوقف هذه الجريمة؟!"    "من يملك السويفت كود يملك السيطرة": صحفي يمني يُفسر مفتاح الصراع المالي في اليمن    تحت انظار بن سلمان..الهلال يُتوج بطل كأس خادم الحرمين بعد انتصار دراماتيكي على النصر في ركلات الترجيح!    الهلال بطلا لكأس خادم الحرمين الشريفين    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    براندت: لا احد يفتقد لجود بيلينغهام    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    تعز تشهد مراسم العزاء للشهيد السناوي وشهادات تروي بطولته ورفاقه    مصادر دولية تفجر مفاجأة مدوية: مقتل عشرات الخبراء الإيرانيين في ضربة مباغتة باليمن    المبادرة الوطنية الفلسطينية ترحب باعتراف سلوفينيا بفلسطين مميز    شاب عشريني يغرق في ساحل الخوخة جنوبي الحديدة    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    عاجل: البنك المركزي الحوثي بصنعاء يعلن حظر التعامل مع هذه البنوك ردا على قرارات مركزي عدن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و284 منذ 7 أكتوبر    الحوثي يتسلح بصواريخ لها اعين تبحث عن هدفها لمسافة 2000 كيلومتر تصل البحر المتوسط    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    لكمات وشجار عنيف داخل طيران اليمنية.. وإنزال عدد من الركاب قبيل انطلاق الرحلة    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    حكم بالحبس على لاعب الأهلي المصري حسين الشحات    النائب العليمي يؤكد على دعم إجراءات البنك المركزي لمواجهة الصلف الحوثي وإنقاذ الاقتصاد    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    الإخوان في اليمن يسابقون جهود السلام لاستكمال تأسيس دُويلتهم في مأرب    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    جماهير اولمبياكوس تشعل الأجواء في أثينا بعد الفوز بلقب دوري المؤتمر    مليشيا الحوثي تنهب منزل مواطن في صعدة وتُطلق النار عشوائيًا    قيادي في تنظيم داعش يبشر بقيام مكون جنوبي جديد ضد المجلس الانتقالي    بسبب قرارات بنك عدن ويضعان السيناريو القادم    تقرير حقوقي يرصد نحو 6500 انتهاك حوثي في محافظة إب خلال العام 2023    لجنة من وزارة الشباب والرياضة تزور نادي الصمود ب "الحبيلين"    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    الامتحانات.. وبوابة العبور    رسميا.. فليك مدربا جديدا لبرشلونة خلفا للمقال تشافي    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    حكاية 3 فتيات يختطفهن الموت من أحضان سد في بني مطر    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    وزارة الأوقاف تدشن النظام الرقمي لبيانات الحجاج (يلملم)    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    اعرف تاريخك ايها اليمني!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    رسالة غامضة تكشف ماذا فعل الله مع الشيخ الزنداني بعد وفاته    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جولة في بلاد يكره نظامها أميركا ويحب أهلها الأميركيين
نشر في عدن الغد يوم 16 - 11 - 2013

لماذا ينظر الأميركيون لإيران فيرون تاريخا مظلما واضطرابات سياسية، فيما ينظر العديد من الإيرانيين إلى أميركا باعتبارها وطنا مثاليا بل وربما واعدا؟
يبدو المجمع الدبلوماسي الأميركي الذي يقع في شارع الطلقاني مكانا مهجورا، عدا يوم واحد في السنة هو الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) وهو الذكرى السنوية لاقتحام السفارة الأميركية. وما زال المبنى الذي يستخدم حاليا كمكاتب لميليشيات الباسيج، فرعا آخر من فروع قوات الأمن الإيرانية، محاطا بنفس الجدار الخرساني الذي تسلقه الطلاب الغاضبون للاستيلاء على المبنى واحتجاز العاملين به كرهائن في مأزق استمر لمدة 444 يوما.
ما زال الجدار مغطى بشعارات وجداريات – صورة ظلية للنجوم والشرائط، وتمثال الحرية الذي تم استبدال رأسه بجمجمة – مناهضة للأميركيين، وتشير حداثة طلائه إلى أن الحكومة تعيد تجديدها من وقت لآخر خاصة المنصة المعدة سلفا والتي تستضيف عرضا مناهضا للأميركيين يقام سنويا. ولكن المشاة الذين يمرون إلى جواره لا يعيرونه اهتماما كما يفعلون حيال المنابر الإعلامية التي تخضع لهيمنة الدولة. فبالنسبة لمعظم الإيرانيين، ما زالت أكثر مصادر المعلومات مصداقية هي المصادر الغربية خاصة الأميركية وليست الإيرانية: راديو فردا، وهي الإذاعة الفارسية لراديو الحرية الذي يموله الكونغرس الأميركي ويشرف عليها «مجلس محافظي البث» الأميركي، و«بي بي سي»، بفرعها الجديد للغة الفارسية، و«صوت أميركا»، و«سي إن إن»، حيثما تمكن البث من اختراق التكنولوجيا التي تستخدمها الحكومة للتنقية.
وربما لم تحظ أي دولة أخرى بالعالم بمثل النظرة السيئة في العيون الغربية بخلاف إيران. حيث تقتصر معظم الرؤى الأميركية حول إيران على صور الرئيس محمود أحمدي نجاد وهو يلقي خطبه المناهضة لأميركا والجماهير وهي تهتف «الموت لأميركا!» بمباركة من المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي. ومع ذلك، أفاد «الاستطلاع العالمي للرأي العام» لعام 2009 بأن نحو 51 في المائة من الإيرانيين لديهم وجهة نظر طيبة حول الأميركيين، وهو الرقم الذي يتوافق مع أرقام أخرى تؤكد أن الأميركيين محبوبون على نطاق واسع في إيران يفوق أي مكان آخر في الشرق الأوسط. حتى أن معدل محبة الولايات المتحدة لم يصل إلى تلك النسبة حتى في الدول الموالية لأميركا مثل الهند أو تركيا كما أنه أكبر مرتين ونصف المرة من النسبة في مصر. وقد وجد نفس الاستطلاع أن نحو ثلثي الإيرانيين يؤيدون عودة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة. (وتعد الرؤية الإيرانية للقيادة الأميركية أسوأ بكثير حيث وصلت إلى 8 في المائة في بداية ذلك العام).
ولكن ربما لا تعكس تلك الأرقام حقيقة الرأي العام نظرا لأن العديد من الإيرانيين ربما يخشون التعبير عن مثل تلك الآراء لمستطلع آراء أجنبي بدافع الخوف من إثارة شكوك السلطات التي تراقب في بعض الأحيان الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية وغيرها من أشكال التواصل.
ونظرا لأن جاذبية الولايات المتحدة في عيون الإيرانيين العاديين لم تخضع للرصد الدقيق، فإنها لم تحظ بالتفسير. حيث ينظر العديد من الإيرانيين إلى النموذج الأميركي، على الأقل كما يرونه، باعتباره رمزا لكل ما يرغبونه في مجتمعهم – حرا، مزدهرا، و«عظيما» – ولكنه غير متحقق. وقد أثنى الإيرانيون الذين التقيت بهم من كافة أطياف المجتمع على أميركا التي اعتادوا النظر إليها باعتبارها «الشيطان الأكبر». ومع ذلك، وعلى بعد آلاف من الأميال، لا تعلم الأغلبية العظمى من الأميركيين شيئا عن معجبيهم الإيرانيين.
لقد رآني وأنا أسير في الحدائق المحيطة بقصر «نارنجستان قوام» الذي يعود للعصر القاجاري في مدينة شيراز الجنوبية. كان ذلك في صبيحة أحد أيام أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني). وكانت زخات المطر الخفيفة التي تساقطت في الليلة الماضية قد خلفت الأرض مبللة وبعثت في الهواء رطوبة أطلقت عبير الزهور وأشجار السرو، حيث كان الهواء معبأ بشذا أواخر فصل الخريف.
وكنت أبدو وأنا أرتدي حذائي الرياضي الفاخر والجاكت النايلون، كأجنبي غربي. وبعيون تلمع وابتسامة تضاهيها بريقا، سألني من أين أتيت، فأخبرته.
فأجابني: «لقد اعتقدت ذلك».
سألته كيف.
فأجاب: «أستطيع معرفة ذلك. فأنا أحب الأميركيين».
ثم أخبرني بقصته.
اسمه أكبر وقد انتقل إلى الولايات المتحدة عام 1976 بتأشيرة طالب وذلك قبل ثلاثة أعوام من عودة آية الله روح الله الخميني واندلاع الثورة الإسلامية، والكارثة الاجتماعية السياسية التي قلبت إيران رأسا على عقب لجيل كامل. وفي ذلك الوقت، كان هناك ما يزيد على الخمسين ألفا من الطلاب الإيرانيين الملتحقين بمعاهد للتعليم العالي بالولايات المتحدة، وهو العدد الذي تقلص إلى نحو 2000 طالب فقط في الوقت الراهن. وكان الشاه محمد رضا بهلوي ما زال يحكم قبضته على السلطة في ذلك الوقت مدعوما بقوات السافاك المكروهة التي دربتها الاستخبارات الأميركية وسلسلة من الإدارات الأميركية، وقد كانت سياساته الموالية للغرب تروق لها، حيث كان يمثل حائط صد أمام المغامرات السوفياتية. وعن ذلك قال أكبر: «إن بلادك ليست غريبة تماما بالنسبة لنا، ولكن لكل منا ثقافته على نحو ما».
تقتصر معظم الرؤى الأميركية حول إيران على صور الرئيس محمود أحمدي نجاد وهو يلقي خطبه المناهضة لأميركا والجماهير وهي تهتف «الموت لأميركا» بمباركة من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي
بعدما تخرج أكبر من جامعة تكساس، تزوج وأنجب ولدا وأصبح يعيش كفلاح حياة بسيطة خالية من الأحداث في تكساس الغربية. ثم جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وفي العام التالي، كانت لديه «مشكلة صغيرة مع «إدارة العائدات الداخلية» وفقا لروايته، ومن ثم خضعت حساباته البنكية للتدقيق، ثم في أواخر 2001، اقتحم فريق من وحدات العمليات الخاصة التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالية منزله، واعتقلوه، واتهموه ب«تقديم الدعم المادي للمنظمات الإرهابية» بما في ذلك تنظيم القاعدة رغم أن تنظيم القاعدة تنظيم سني وأكبر، على غرار معظم الإيرانيين، شيعي.
يقول أكبر إن الحكومة الأميركية استولت على كافة أصوله: «أخذوا كل شيء». وتم احتجازه لمدة عام كامل في سجن فيدرالي بتكساس قبل أن يتم نقله لمنشأة أخرى بلويزيانا. ثم بعد عدة أشهر تم نقله مرة أخرى، إلى سجن بالاستخبارات الأميركية في بيغ سبرينغز بتينسي قضى به أربع سنوات ونصفا زاعما أنه تعرض للتعذيب بها دون أن يفهم السبب أو يفهم ماهية المعلومات التي يرغبون في الحصول عليها. وكان ابنه، المتخرج حديثا من الجامعة، ينتظر الرد على عدة فرص عمل فيدرالية تم رفضها جميعا. كما تم تجاوز زوجته، مديرة مدرسة عليا بسان ماركوس، من الترقية. وفي عام 2008، وافق على الترحيل لإيران والتخلي عن أي فرصة للعودة إلى الولايات المتحدة. وهو يعمل حاليا مع محامي حقوق إنسان عبر محكمة العدل الدولية للحصول على تعويضات عن خسائره.
لست متأكدا أيهما أكثر إبهارا، قصة أكبر أم الطريقة التي أنهاها بها: «ليس لدي شيء ضد الشعب الأميركي، فهم أفضل شعب في العالم، إنني أحب الأميركيين». فما زال الرجل معجبا بدالاس كاوبوي.
أما عن فارهاد بارغوزي، فإنه لم يتحدث من قبل إلى وسائل الإعلام سواء كانت غربية أم إيرانية أم غيرهما. يعمل بارغوزي كرسام بمتجر للخزف في مدينة بهار الصغيرة التي تبعد نحو 25 ميلا شمال غربي همدان. وعندما تخرج الأشكال الخزفية من الفرن الذي تبلغ درجة حرارته 900 درجة، يحول أسطحها المصقولة عبر المنحنيات، والألوان البراقة إلى مزهريات وقرميد مزين.
وباستثناء سفرات متفرقة إلى طهران، لم ينتقل بارغوزي خارج بهار كثيرا، ومع ذلك فإنه رجل عالمي. فعلى حائط حجري إلى جانب هاتفه، هناك قائمة بهواتف زائريه من كافة أنحاء العالم، مكتوبة بأقلام الرصاص والجاف والألوان. وهناك بعض الأسماء المحفورة باللغة اليابانية والعربية والكورية ولكن أكثر الأرقام إثارة لاهتمامه كان ذلك العدد المحدود من الأرقام الأميركية. وفي نهاية إحدى زياراتي له، كان حريصا على أن أضيف رقمي، قائلا لقد مرت خمس سنوات على إضافتي لآخر رقم أميركي، وبالتالي اخترعت رقما كي لا أحبطه.
لطالما أراد بارغوزي أن يهاجر إلى الولايات المتحدة، وعندما التقاني سألني عن الفرص المتاحة أمامه لكي يحصل على تأشيرة إقامة دائمة. حيث كان قد نما إلى علمه أن هناك بعض الفرص المتاحة لأصحاب بعض المهن المعينة وسألني، نصف مازح، عما إذا كنت أعرف شيئا عن الفرص المتاحة أمام الخزافين. فسألته لماذا ترغب في السفر إلى الولايات المتحدة إذا ما كنت قادرا على الحياة في أي مكان آخر على وجه الأرض. وكانت إجابته بسيطة: «لماذا! يرغب الجميع في الذهاب إلى الولايات المتحدة».
لم يكن حلمه غريبا بالنسبة لي أو فريدا، حيث تعج القنصلية الأميركية بدبي، التي تدير من خلالها وزارة الخارجية الأميركية مكتبا خاصا لإيران، بطلبات الإيرانيين الذين يرغبون في الحصول على تأشيرات سياحية لأميركا حتى أن مواعيد المقابلات الشخصية يتم تحديدها بعد بضعة أسابيع، بل وربما أشهر كما أن الإعلان عن فتح باب التقدم يختفي من على الموقع الإلكتروني للقنصلية بمجرد ظهوره. وهناك إقبال واسع عليها حتى إنه يتم تخصيص ساعات خاصة للتعامل مع احتياجات الإيرانيين.
ربما يبدو غريبا أن يضع بارغوزي، أو أكبر، أو أي أحد في إيران الولايات المتحدة في مرتبة عالية أخذا في الاعتبار العلاقات السيئة بين البلدين منذ فترة طويلة. ففي عام 1951، نجح رئيس الوزراء، محمد مصدق المنتخب ديمقراطيا في حملة استمرت لمده عقد لتأميم شركة النفط الأنغلو – إيرانية، التي أصبحت لاحقا «شركة النفط الوطنية الإيرانية» وهو ما وضع نهاية للمصالح النفطية البريطانية في إيران. وربما كان ذلك ليمر مرور الكرام إن لم يكن مصدق قد حصل على تأييد «الحزب الشيوعي الإيراني» وهو ما أثار قلق العديدين في واشنطن الذين خشوا انحياز إيران إلى الجانب السوفياتي. وفي 9 أغسطس (آب) 1953 خرج مصدق من السلطة في انقلاب بدعم من الاستخبارات الأميركية وهو ما أعاد أسرة بهلوي إلى «عرش الطاووس»، كما عاد الشاه محمد رضا بهلوي من المنفى بدعم من الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية.
شقاق دائم
عادة ما يتم اختزال «الحرية» الأميركية إلى تعريف بسيط هنا: أي شيء غير موجود في إيران.
وفي أواخر السبعينيات، تزايدت موجة الوطنية والمطالب بالاستقلال عن الهيمنة الأميركية الغربية، ومن ثم لم يعد الشاه حليفا أميركيا موثوقا به تماما في عالم تسوده سياسات الحرب الباردة. ومن جهة أخرى، كانت الصدوع في المجتمع الإيراني قد ازدادت عمقا، وقامت قوات «السافاك» بممارسة قمع وحشي ضد المعارضين. وبعدما قام الطلاب الغاضبون وغيرهم من الجماعات بخلع الشاه في ثورة شعبية في فبراير (شباط)، صبوا غضبهم على أكثر رمز لتأييد الشاه يقع في محيطهم. حيث تسلق مجموعة من المحتجين في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 جدران السفارة الأميركية محتجزين نحو 67 دبلوماسيا وموظفا في السفارة كرهائن. فقد كان الرئيس الأميركي جيمي كارتر قد رحب باستقبال الشاه المريض في الولايات المتحدة لتلقي العلاج، فيما حوصر العديد من أنصار الشاه داخل إيران وتعرضوا للسجن والتعذيب على يد النظام الإسلامي الجديد، وهو نفس ما فعله الشاه مع أنصار مصدق قبل عدة أعوام.
كافة أشكال الثقافة الشعبية الأميركية – الأفلام، الموسيقى، البرامج التلفزيونية – «ممنوعة» رسميا في إيران.. والنتيجة هي سوق سوداء نشطة للثقافة الشعبية الأميركية وواسعة النطاق وتحظى بإقبال واسع
وعلى الرغم من أن إلقاء اللوم على الولايات المتحدة عن تلك السلسلة من الأحداث التي استمرت لعقد كامل والتي لم تكن في صالح الشعب الإيراني يعد تبسيطا مخلا – حيث إن العوامل الجيوسياسية الدولية أكثر تعقيدا من ذلك – لا يمكن إنكار الدور الرئيسي الذي تلعبه الولايات المتحدة في التاريخ الإيراني. فسوف يؤكد العديد من الإيرانيين أن الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية تقبلوا سقوط الشاه واحتفلوا بهدوء بعودة آية الله الخميني وتأسيس النظام الإسلامي اعتقادا – وهو اعتقاد خاطئ – بأن حكومة من رجال الدين سوف تبدي الدين على السياسة وتصبح أكثر مرونة مما كان عليه حال الشاه.
التقيت باثنين من الإيرانيين المطلعين على الشقاق الدائم بين الولايات المتحدة وإيران هما مهراد، ونجار، وهما مرشدان سياحيان معتمدان من الحكومة ويعملون أساسا مع الجماعات السياحية الغربية.
يتحدث مهراد الإنجليزية بطلاقة، فيما يجيد نجار الألمانية. التقيت بهما في مطعم تقليدي خلف ميدان الإمام في مدينة أصفهان يطل على القبة الملونة بالأزرق والأصفر لمسجد الشيخ لطف الله.
مما لا شك فيه أن عملية اعتماد مرشد سياحي في إيران ليست بالمهمة اليسيرة، حيث يتطلب الأمر دراسة التاريخ الإيراني لمدة عامين بدءا من الأيام الأولى للإمبراطورية الفارسية وحتى الوقت الراهن – تقريبا. وعلى الرغم من دراسة المرشدين للتاريخ السلجوقي، والصفوي والقاجاري، فإن تفسيرهم للسنوات الستين الصعبة من العلاقات مع الولايات المتحدة يعتمد على التأويلات الشخصية.
لم يكن أي من مهراد أو نجار مهتما بمحاضرتي حول خلع مصدق أو عودة الشاه. ولم يجب أي منهما عندما سألتهما: كيف يشعر الإيرانيون حيال ذلك اليوم؟ فقد سألاني بدلا من ذلك عن كيف أستمتع بزيارتي لإيران وعن الفرص المطروحة أمامهما للهجرة إلى الولايات المتحدة، حيث إن السفر إلى الولايات المتحدة وبدء حياة جديدة بها هو حلمهما الأزلي، ولكي يحققا ذلك الحلم فإنهما خططا لدراسة التاريخ الأميركي لكي يعملا على إرشاد السائحين الإيرانيين في أميركا. ولم يطاوعني قلبي أن أخبرهما أنه لم تعد هناك أفواج سياحية إيرانية تزور الولايات المتحدة. وبدلا من ذلك سألت مهراد لماذا يرى هو وزوجته الولايات المتحدة باعتبارها المكان الذي يختاران الحياة به؟ فساد الصمت، ثم أجاب مهراد: «لماذا يرغب الجميع في الذهاب إلى أميركا؟».
ثم أصبح يتحدث بعمق: «إن بلادك ليست بغريبة عنا، فنحن نفهمها، رغم أننا مختلفون ثقافيا على نحو ما. فقد نشأت الولايات المتحدة عن الثقافة الأوروبية ولكنها تطورت بطريقة مختلفة تماما. وعلى الرغم من أن العرب جلبوا الإسلام إلى هنا قبل ألف وخمسمائة عام فإن هويتنا مختلفة عن الهوية العربية».
وكان ذلك مثيرا واستمر قائلا: «إن مجتمعنا يشتمل على العديد من الأقليات ولكننا لدينا هوية إيرانية واحدة وفخورون بثقافتنا. كما أننا نألف العادات الغربية. فخلال المائتي عاما الماضية، كنا منفتحين على العالم الغربي ومتأثرين بالثقافة الأوروبية حتى وإن لم تجد بعض الأفكار مثل الديمقراطية مكانا لدينا. ولكننا نعي أيضا كيف نصبح قوة عظمى. فعلى الرغم من أن ذلك كان متحققا بالنسبة لنا منذ وقت بعيد للغاية، فإننا نلعب دورا مهما في ذلك الجزء من العالم منذ وقت طويل ومن ثم فإننا لا نستطيع النظر إلى أنفسنا كدولة من الفئة الثانية».
ثم قال مهراد إنه أراد دائما أن يرشد أفواج الأميركيين وعندما سألته عن السبب أجاب: «لا أعتقد أن الأميركيين يعرفون الكثير عن بلادنا. فكل ذلك الكلام حول القوة الإقليمية والسلاح النووي – كلام السياسيين ذلك. ولا أحد يصغي. فنحن شعب بسيط – مثل الأميركيين».
وعندما افترقنا، التقط مهراد من حافظة نقوده بطاقته الخاصة ومنحني إياها. قائلا إذا ما احتجت أي شيء في إيران، أي شيء على الإطلاق، أخبرني. فنحن نحب فعلا الأميركيين».
ومن جهة أخرى، فإن كافة أشكال الثقافة الشعبية الأميركية – الأفلام، الموسيقى، البرامج التلفزيونية – «ممنوعة» رسميا في إيران. والنتيجة هي سوق سوداء نشطة للثقافة الشعبية الأميركية وواسعة النطاق وتحظى بإقبال واسع.
على جدران مقهى «كوفي بالاس» أمام متحف «جانا نانا» بشمال طهران تتدلى صور متهرئة بالأبيض والأسود لآل باتشينو وروبرت دين يرو. كما تم تزيين جدران مطعم بالمركز التجاري بشارع غاندي بصور تعود لسان فرانسيسكو وجسر غولدن غيت تعود لثلاثينيات القرن الماضي. وبالطابق الثاني من مقهى «كافيه فرانسيس» كان هناك ملصق باهت لفيلم «حفنة من الدولارات» لكلينت ايستوود.
الحرية الأميركية
ولعقود عدة، كانت صناعة السينما الإيرانية هي أكثر صناعات السينما في الشرق الأوسط نشاطا رغم أن أكثر مخرجيها نجاحا – مجيد مجدي، ومحسن مخمبلاف، وعباس كيروستامي، وغيرهم – يعملون من المنفى وأفلامهم محظورة في إيران. كما جعل الإنترنت انتشار الأفلام في كل مكان أمرا سهلا حتى في الجمهورية الإسلامية القمعية، حتى أن الإسطوانات المنسوخة لأحدث أفلام هوليوود تظهر في الشوارع الإيرانية قبل عرضها على الشاشات. ومن ثم، فبالنسبة للعديد من الإيرانيين الشباب، يقدم عالم السينما أرضية يمكن أن يلتقي عليها كل من الولايات المتحدة وإيران كأنداد.
فبعد العشاء في إحدى الليالي بمدينة همدان، التي تبعد 150 ميلا غرب طهران، سألتني غولناز: «من هو مخرجك المفضل؟ وكانت غولناز وصديقها آراش قد دعياني لتختهما الذي يشبه الفراش ويجلس عليه الإيرانيون لشرب الشاي وتناول الطعام طوال السهرة.
كانت غولناز معجبة بأعمال مارتان سكورسيزي خاصة «الثور الهائج» و«المغادرون»، و«غودفيلاز». فيما كان آراش منحازا لروبرت ألتمان ولكنه شاهد الكثير من أعماله حتى أنه لم يستطع اختيار فيلمه المفضل. ولكنه أفصح لي عن أهم ممتلكاته: مجموعة من الأغاني الكاملة لألفيس بريسلي حصل عليها من شبكة الإنترنت في مقابل عشرة آلاف ريال إيراني، وهو ما يعادل 80 سنتا أميركيا.
لعقود عدة، كانت صناعة السينما الإيرانية هي أكثر صناعات السينما في الشرق الأوسط نشاطا رغم أن أكثر مخرجيها نجاحا يعملون من المنفى وأفلامهم محظورة في إيران.. كما جعل الإنترنت انتشار الأفلام في كل مكان أمرا سهلا حتى في الجمهورية الإسلامية القمعية، حتى أن الإسطوانات المنسوخة لأحدث أفلام هوليوود تظهر في الشوارع الإيرانية قبل عرضها على الشاشات
وعندما كنا ننتهي من تناول الأرز وكباب الدجاج، أخبرتهما عن تجربتي في اليوم السابق في ضواحي أصفهان حينما كنت أتسلق قمة تل تعلوه أطلال معبد «بيت النار» الزرادشتي. فقد كان محمد يرتقي مع التل أيضا، وهو طالب جامعي متخصص في الترجمة الإنجليزية وكانت لديه رغبة حقيقية في أن يصبح ممثلا في الأفلام الأميركية. وعندما وصلنا إلى المعبد، وقفنا نتأمل المدينة، فسألني محمد إذا ما كانت هناك حاجة لممثلين إيرانيين في هوليوود.
وأخذا في الاعتبار وضع صناعة السينما الإيرانية، شعرت بالدهشة ولكن غولناز لم تشعر بذلك. فقالت: «بالطبع. يرغب الجميع في الذهاب إلى الولايات المتحدة». ثم قال محمد صارخا: «أذهب لأميركا!» ملوحا بقبضته في الهواء.
ولم يكن خالد، الشخص الجاد، الذي يركز على الاتصالات ووسائل الإعلام الذي يدرس بجامعة همدان مهتما بالكلام حول الموسيقى أو الأفلام أو مجموعته لألفيس بريسلي. فقد التقينا في الميدان الرئيسي لهمدان في إحدى الأمسيات فيما كنت أبحث عن مكان أتناول فيه العشاء. حيث قادني لمطعم مغمور تناولنا فيه سمكا مشويا وتحدثنا حول السياسة – خاصة الديمقراطية الأميركية.
فيقول: «لا نرغب في كل ذلك المزج بين الدين والحياة العامة. يجب أن يكون الأمر خاصا وليس جزءا من الحكومة بأي شكل من الأشكال مثل ما يحدث في الولايات المتحدة».
فسألته عن نوع الحكومة التي يرغب في أن تأتي إذا ما انهار النظام الإسلامي فجأة. فكانت إجابته بسيطة: «الديمقراطية على غرار ما يحدث في الولايات المتحدة».
فسألته: ما الجذاب في الحكومة الأميركية؟
- «الحرية»
- «ماذا تعني بالحرية؟»
- «أي شخص يستطيع أن يقول ما يريده ويكتب ما يريده ويفعل ما يريده».
«الحرية، على غرار الولايات المتحدة» لقد سمعت عدة صياغات لتلك الرغبة حتى فقدت تلك الكلمات معانيها أو ربما أصبحت تعني أي شيء على الإطلاق وفقا لرؤية المتحدث. «الحرية» الأميركية سواء كانت أسطورية أم لا فإنها تبدو واقعية تماما لمعظم الإيرانيين ولكن في دولة بوليسية وحشية مثل إيران، يبدو سقف الطموحات متواضعا للغاية حتى إن التعريفات التي يقدمها أي منهما يمكنها توضيح ذلك. وهي فكرة غامضة في مفهومها وتطبيقها ودائما ما يتم قصرها على تعريفات مبسطة مثل أي شيء غير موجود في طهران.
شعارات الحكومة المناهضة لأمريكا تملأ الشوارع والجامعات
وفي شيراز، بعدما غادرت مقبرة حافظ وشجرته المضاءة وفناءه الذي يشبه الحديقة، أوقفني ثلاثة من طلاب الكيمياء الذين يدرسون في جامعة محلية. وسألوني بالطبع من أين أتيت.. فقال أحدهما: «نحن نحب أميركا!»
وهم لم يذهبوا من قبل إلى الولايات المتحدة ولكن أحدهم كان له أبناء عمومة يعيشون في ضواحي لوس أنجليس فيما كان أخو الثاني يدرس بجامعة ميامي. فسألتهم ما الذي يلفت انتباهكم في تلك البلاد التي سمعتم عنها فقط من الأقارب ورأيتموها في أفلام هوليوود المهربة.
فأجاب أحدهما: «الحرية!»
- «ما نوعها؟»
فأجابت الطالبة الثالثة: «الحرية من هذا»! وهي تشير إلى غطاء رأسها.
وفي برسبوليس، العاصمة القديمة للدولة الفارسية التي قضى عليها الإسكندر الأكبر في عام 330 قبل الميلاد، التقيت بمجموعة أخرى من الشبان الذين كانت لديهم آراء مشابهة. اقترب مني شبان في العشرينيات من عمرهم تحت سقيفة المتحف. وكانت شمس العصر حارقة ومن ثم كان إجراء حوار مع أجنبي زائر طريقة مثالية للتغلب على الحرارة. فيقول محمد: «نرغب في المزيد من الحرية». فهز أصدقاؤه رؤوسهم موافقة. «نريد أماكن نلتقي فيها لسماع الموسيقى وإقامة علاقات اجتماعية والالتقاء بالناس – مثل الولايات المتحدة».
ومرة أخرى أشار الشباب برؤوسهم موافقين.
فسألتهم إذا ما كانوا يرغبون في الهجرة إلى الولايات المتحدة إذا ما أتيحت الفرصة لهم فأشاروا جميعا بالموافقة.
فيقول خالد، الطالب بجامعة همدان الذي التقيت به في مطعم السمك المشوي: «نحن نعلم أننا نستطيع تعلم الكثير من الولايات المتحدة. ولكننا نعتقد أيضا أن الولايات المتحدة يمكنها أن تتعلم الكثير منا. فقد كنا هنا منذ آلاف السنين فيما ما زالت الولايات المتحدة دولة شابة. فلدينا تقاليد عريقة خاصة بالموسيقى والفنون والشعر موجودة منذ عدة قرون. ولا شيء في الولايات المتحدة يضاهي ذلك».
وفي مساء حار آخر بعد عدة أيام في سوق تجارية بيزد، لمح بائع سجاجيد كلمة «نيويورك» مطبوعة على قميصي. فخرج من المحل قائلا: «أحب رئيسكم! ولاحقا وفي اليوم نفسه، وجد راعي المسجد الكبير فرصة لممارسة لغته الإنجليزية الضعيفة فقال: «أوباما، رجل جيد!»
وقبل مغادرتي إيران بيومين، توقفت العاملة التي تعيد ترتيب غرفتي في الفندق الذي أقيم به في شيراز لتسألني من أين أتيت. فأخبرتها فأضاء وجهها فجأة ولمعت عيناها. وفي اليوم التالي لمحتني وأنا ذاهب للإفطار فلوحت لي وهي تقول بإنجليزية ركيكة «جود مورن ينغ!»
ولكنني طوال المدة التي قضيتها في إيران، لم أسمع سوى تعليقات محدودة حول مساندة أميركا بخلاف كلمات الشاب الذي ينظف الطاولات في مطعم «أزدغان تيهاوس» أمام مسجد الإمام بأصفهان. فقد كان المقهى يجذب السائحين الموسميين، والزائرين من خارج المدينة ولكن رواده المعتادين هم مدخنو النرجيلة والشباب والشابات الذين يأتون سرا للتلاقي في الغرفة الخلفية. كنا قد تجاوزنا موعد الإغلاق وكان معظم الزبائن قد رحلوا. وكان ينتابه الفضول تجاه الأجنبي الذي قضى الساعتين الأخيرتين وهو يتناول برادا من الشاي فسألني من أين جئت. ثم هرع إلى التلفاز المعلق على الحائط وقام بتشغيله. كان فريق كرة القدم الأميركي قد تغلب للتو على البرازيل في تصفيات كأس العالم وكان سيلعب مرة أخرى الليلة. فقال: «هيا أميركا!» ملوحا بقبضته في الهواء.
الشيطان الأكبر
يدرك الإيرانيون تاريخهم جيدا، ولا تفوت الجمهورية الإسلامية فرصة لتذكيرهم بعلاقتهم الشائكة ب«الشيطان الأكبر». ومن ثم فإن الإيرانيين واعون تماما بأن الاستخبارات الأميركية كانت وراء خلع أول زعيم شعبي لهم، وأن الشاه محمد رضا بهلوي الدموي كان مدعوما من سلسلة من الرؤساء الأميركيين (صورة ريتشارد نيكسون وهو يتناول كأس شمبانيا في ليلة رأس السنة مع الشاه والتي دائما ما تنشر في الدعاية الدولية) ولكن ذلك التاريخ ليس هو العامل الوحيد الذي يشكل الرؤية الإيرانية لأميركا بل وتم التقليل من شأنه أو حتى إنكاره.
على جدران مقهى «كوفي بالاس» أمام متحف «جانا نانا» بشمال طهران تتدلى صور متهرئة بالأبيض والأسود لآل باتشينو وروبرت دين يرو. كما تم تزيين جدران مطعم بالمركز التجاري بشارع غاندي بصور تعود لسان فرانسيسكو وجسر غولدن غيت تعود لثلاثينيات القرن الماضي. وبالطابق الثاني من مقهى «كافيه فرانسيس» كان هناك ملصق باهت لفيلم «حفنة من الدولارات» لكلينت ايستوود
وعلى الرغم من الذكريات السيئة حول أميركا التي تسود أماكن أخرى من الشرق الأوسط، اختار قطاع واسع من المجتمع الإيراني مسار فقدان الذاكرة الانتقائي. فبالنسبة للحظة الراهنة، يمكن التسامح بشأن خطايا الولايات المتحدة أو حتى نسيانها. بل تحمل الولايات المتحدة في الوقت الراهن وضعا رمزيا بالنسبة للإيرانيين، ربما نظرا لأنه كلما استمر وجود ذلك النموذج، حتى وإن كان نموذجا متخيلا، يستطيع الإيرانيون أن يتخيلوا مستقبلا واعدا لبلادهم. كما أصبحت فكرة أن الولايات المتحدة لا ترقى إلى مستوى تلك التوقعات ليست هي القضية. فالرمز هدف في ذاته، ومبتغى يعتقدون أنه جدير بتطلعاتهم وفي ذلك الإطار فإنهم ينظرون إلى الولايات المتحدة كند أو ند محتمل.
ومن بين العديد من الأشياء التي يكشف عنها المأزق في العلاقات الأميركية الإيرانية والمستمر منذ ثلاثين عاما هو الفهم الأميركي السطحي لإيران والإيرانيين الذين لا ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها أرضا غريبة وعدوانية. حيث يفتقد الإيرانيون القدرة على الوصول السهل إلى وسائل إعلام غير الخاضعة للمراقبة ولكنهم لديهم من الثقة ما يكفي لتفنيد ما يصل إليهم من وسائل الإعلام الحكومية.
ومن جهة أخرى، يطلع الأميركيون على قدر هائل من المعلومات والصور التي تأتي من إيران، والتي تتسم بالقوة والانتشار إلا أنها دائما ما يتم وضعها في إطار النزاع بين إيران والولايات المتحدة والخطب الجامحة للرئيس المعادي لأميركا، والبرنامج النووي المثير للجدل وقمع المتظاهرين وليس أكثر من ذلك. وفي ظل عدم تناول القضايا الإيرانية بالعمق الذي تستحقه، تم تعزيز الصور النمطية ووجهات النظر السائدة.
في إحدى أمسيات نوفمبر (تشرين الثاني)، كنت أقف في الوادي المكشوف بين أصفهان وشيراز. وعلى الطريق الجانبي، كان العاملون يجددون مسجدا عمره 300 عام. وكان المعماري المسؤول عن الترميم موجودا في الموقع في ذلك اليوم. وقد أحضر ألبوما للصور يحمل صور المبنى التاريخي الذي قام بتجديده في إطار حملة للترميم بدعم من الحكومة. وعندما رحلنا، عرض علي مشروعا آخر: «أخبر أوباما أنني سأعيد ترميم البيت الأبيض. أي شيء لتحسين العلاقة بين الأميركيين والشعب الإيراني».
ماذا ينظر الأميركيون لإيران فيرون تاريخا مظلما واضطرابات سياسية، فيما ينظر العديد من الإيرانيين إلى أميركا باعتبارها وطنا مثاليا بل وربما واعدا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.