الجنرال جون قرنق كان سياسيا تقدميا مؤمنا بوحدة السودان ، فقبل مصرعه بحادثة تحطم طائرة عمودية القى محاضرة في ضباط وجنود الجيش السوداني اعرب فيها عن تفاؤله ببقاء السودان شعبا وجيشا ودولة واحدة . فنضاله كان منصبا في تحقيق فكرة دولة الامة الجامعة لكل السودانيين وعلى مختلف أثنيتهم وطوائفهم ولغاتهم ؛لكنه وبعيد معترك طويل خاضه مع قيادات الدولة السودانية وجد ذاته منصاعا لفكرة استقلال الجنوب عن الشمال وحكومته المركزية الرافضة الاعتراف بأقلية جنوبية مسيحية عرقية في كنف دولة غالبيتها مسلمة ودستورها ينص صراحة على ان الشريعة الاسلامية مصدرا وحيدا للتشريعات ودونما اعتبار او مراعاة لوجود اقلية سودانية مسيحية او وثنية . البعض منا يطنب كثيرا في مآل التجزئة السودانية كنتيجة لعملية الانسلاخ من الكيان الواحد ، وانا هنا اتفق معهم وتحديدا في هذه الجزئية القائلة بتكرار حالة الجنوب السوداني في جنوباليمن في حال وتحققت له فكرة فك الارتباط واستعادة الدولة .ومع اتفاقي المبدئي والنظري بكون التجزئة ليست حلا ناجعا وممكنا لحل المسألة الجنوبية ؛ بل ومثلما قلت دوما بانه ليس إلا هروبا من مشكلة كبيرة قائمة في الحاضر الى مشكلات عدة مؤجلة في المستقبل . صحيح ان مشكلة جنوب السودان غير مشكلة جنوباليمن ، وبرغم هكذا فارق ما بين اقليم تمتع وقتا بحكم ذاتي نظرا لخصوصية اقليته الطائفية والاثنية وبين جغرافية تمتعت زمنا بكياناتها المتعددة المستعمرة من الانكليز وتحت امرت الحكام المحلين فضلا عن تفردها بمزية الدولة المستقلة قبل اندماجها في كيان الدولة الموحدة ؛ يبقى الاثنين نتاج مشكلة واحدة كامنة في هيمنة تاريخية استبدادية ممارسة من حكام الشمال وكما ويساعدهم في ذلك غالبية سكانية مغيبة وهامشية أو انها حائلة دون اقامة دولة واحدة عادلة تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية وعلى الشراكة الحقيقية في السلطة والثروة والقوة والقرار. على هذا الاساس ينبغي ان تكون الحلول الموضوعة واقعية ونابعة من احساسنا بالمسؤولية الوطنية ، فالإسهاب في الحديث عن النتائج اجده هروبا ومخاتلة لا يفضي لسوى المزيد من التعقيد والتأخر في معالجة المشكلة التي استفحلت وتوسعت نتيجة لممانعة صانع القرار ودائرته المحيطة ، مؤتمر الحوار ومكوناته التي يحسب لها تشخيص اسباب المشكلة ومن ثم التعامل معها وفقا وهذه المنهجية البحثية العلمية التي اعتمدتها قبلا . لا اعلم لماذا البعض يفرط في الكلام في النتائج بدلا من المسببات ؟ في المشكلات بدلا من الحلول ؟ في احتمالات التجزئة بدلا من ممكنات التوحد ؟ في التكهنات والتوجسات والخوف المتكأ على تواريخ ماضوية بدلا من الوقائع والتفاؤل والتحلي بقدر كاف من الشجاعة حيال مستقبل قابل للتحقق ؟ انفصالية قرنق والبيض بدلا من وحدوية صالح والبشير ؟ دولة مستقلة حاملة في احشائها مشكلات قاصمة لوجودها في جنوب السودان واليمن بدلا من دولة واحدة لم تفلح في بلورة وحدة عادلة نظرا لهيمنة كائنة في شمال السودان واليمن ؟ .